عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 15-11-2001, 12:38 PM
السنونو المهاجر السنونو المهاجر غير متصل
مراقب متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
الإقامة: الصحراء العربية
المشاركات: 1,216
إفتراضي

مفهوم الحرية يبقى مسألة نسبية لا يجوز الإطلاق فيها على الأقل وفقا للمفاهيم المنطقية... ومن ثم النصوص التشريعية والقوانين الوضعية المتباينة.. لذلك اعتقد ليس بإمكاني أو سواي التشدق بالمطلاقية على أنها صنو الحرية.. وشتان ما بين الفوضى وقوننة الحرية.. أي نفهم من ذلك إصطلاحا، بأن مفردة حرية، مشتقة معجمية تتهذب وتتلون مضغوطة أو منفوخة وفقا للمستخدم ومن يقع عليه فعل الاستخدام.
وفي القسم الثالث من مؤلف قاسم المذكور أعلاه تعرض لحرية تكوين الرأي، وباعتقادي احسن اختيار العبارات دون أن يلجأ للإسهاب والإطناب والتقرير الممل. وبما أنا نناقش الموضوع قيد الدرس وفقا لمنظار زواياه محددة.. فيعني هناك ثوابت مرجعية ننطلق منها لئلا يتحدث أحدنا في الشرق والآخر في الغرب. وبعيدا عن الضوضاء والجلبة المفتعلة أو الغيرة السطحية أو الانحياز الجاهل نتابع القراءة بتأن وروية.
لا يتمتع الإنسان في الإسلام بحرية التعبير عن الرأي فقط وإنما بحقه في تكوين الرأي من خلال إمكانية الوصول إلى مختلف المعلومات من مختلف المصادر. فللإنسان الحق في الاطلاع والتعرف على مختلف الآراء ووجهات النظر ومختلف الحقائق التي يمكن أن تتوفر حول مختلف القضايا. فحول ما ورد في القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" (البقرة، 174)، ويقول: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". (البقرة، 174) ويقول: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" (البقرة، 159).
بناء على هذا، فإنه يمكن الاستنتاج بأنه لا يجوز حجب الحقيقة عن الناس وأن الحقائق يجب أن تكون في متناول الجميع. فالمسلم مثلاً لا يستطيع أن يُكوّن رأيًا صائبًا إذا لم تتوفر لديه مختلف المعلومات، ويبقى الرأي المستند على حقائق معينة دون أخرى أو على معلومات غير وافية رأيًا ضعيفًا من السهل أن ينهار أو أن يقود صاحبه إلى الفشل. بمعنى أن على المجتمع المسلم أن يعمل أولاً على إظهار القرآن تمامًا دون تحايل ودون التركيز على آيات دون أخرى، وثانيًا على توفير الفرص للاطلاع على الحقائق من مختلف الجهات والآراء. لا يملك أحد من المسلمين حق إخفاء آية لصالح آية أخرى، ولا يملك أحد حقًا في إخفاء حقيقة لصالح أخرى.
ماذا يعني هذا على مستوى النشر والصحافة؟ إنه يعني أنه لا يجوز أن تعكس دار النشر أو الصحيفة أو المجلة وجهة نظر واحدة فقط، بل يجب أن تفتح صفحاتها ونشاطاتها أمام الجميع. من الممكن أن تكون هناك صحافة حزبية أو دار نشر حزبية لكنه ليس من الإسلام أن تمنع نشر الآراء المخالفة أو المغايرة. إنها لحزب معين من ناحية الملكية لكنها لا تملك الحق بحجب المعلومات عن الناس.
وهذا المبدأ ينطبق على بائع الجرائد والمجلات وعلى مروج الكتب؛ إذ يجب عليه أن يحمل أو يعرض كل مصادر المعرفة الصادرة أمام الجمهور الذي له الحق في الاختيار. وبما أن الأمر كذلك فإنه من المحتمل أن تختفي الصحافة الحزبية في ظل نظام إسلامي لأنها لا معنى لها من الناحية العملية.
وبما أنه من المحظور على الصحيفة مهما كان لونها أن تحجب الحقيقة أو أن تمنع الآراء الأخرى من الظهور على صفحاتها، فإن القيمة العملية للصحافة الحزبية المتحيزة والمروجة لفكرة دون أخرى تتقلص إلى درجة دنيا. وهذا ينطبق على كل وسائل الإعلام.
وفي هذا فرق شاسع وكبير جدًا بين الإسلام والديمقراطية. تقر الديمقراطية الصحافة الحزبية المتميزة، وتقر التحيز في وسائل الإعلام المختلفة. وفوق هذا لا يمكن أن يقر الإسلام سيطرة فئة معينة مثل فئة الأثرياء على وسائل الإعلام، بينما يسيطر الأثرياء في الدول الديمقراطية عليها ويمارسون الاستبداد الثقافي والتربوي والتسويقي من خلالها. أما إن وجدت وسائل إعلامية تقول بأنها إسلامية تمارس إعلام الزاوية الإعلامية الأحادية فإن على القائمين عليها مراجعة قيمهم الإسلامية.
من هنا يمكن الاستنتاج أيضًا بأن الإرهاب الفكري حرام في الإسلام. لا يجوز أن يُمنع إنسان من التعبير عن رأيه أو من أن يُكوّن رأيًا خاصًا به أو أن يُحرم من الوصول إلى مصادر المعلومات والاطلاع على ما يتوفر وما يمكن أن يتم توفيره من مصادر. ولهذا لا يجوز أن يتعرض صاحب الرأي المخالف للقمع، سواء من ناحية التشويه الاجتماعي أو الإيذاء الجسدي أو الطرد من الوظيفة أو أي أسلوب آخر. جاء الإسلام لتحرير الناس وليس لاستعبادهم، ولتبيان الحق في مواجهة الباطل وليس لإهدار فرص المواجهة بين الحق والباطل. كما أنه لا وصاية في الإسلام ولا يوجد تفويض إلهي يمنح أحدًا الحق بإرهاب الناس واستعمال أدوات القمع ضدهم.
__________________
متى كانت الهزيمة نكسة والخيانة وجهة نظر...!
Les loups ne se mangent pas entre eux