عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 10-05-2007, 10:09 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

وحدة شعب أم وحدة حكومات؟

اطلعنا على نماذج بشكل مختصر من نماذج الوحدة في العالم، وتناولنا النماذج التي يعتقد المثقفون أنها لدول خالصة في عروقها وحضاراتها (بريطانيا، فرنسا، الهند، الصين) ولم نأخذ أي نموذج للوحدة تكون فيه العروق والإثنيات واضحة كما في الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا و جنوب إفريقيا وروسيا الاتحادية.. ووضعنا ذلك ليشكل مقتربات تمهد لمناقشة الموضوع القديم الجديد في حالتنا العربية ..

ومن يتفحص الحالة العربية، ويقارنها بالحالات المذكورة سيجدها تتفوق بشكل واضح من حيث أهليتها لتكون نموذجا قائما، يؤدي دوره الحضاري بشكل متكامل و راسخ .. فإن كانت الحالات التي مررنا عليها، تزامن فيها التوحد الشعبي مع التوحد السياسي سواء بالتجربة البريطانية أو الهندية أو الصينية، فإن التوحد الشعبي في الحالة العربية لم ينقطع على مر العصور، وإن كان التفكك السياسي و تغير شكل ومساحة الدولة في حالة أوج اتساعها قد تغير بشكل مستمر .. فالتراث العربي الثقافي و المعرفي و العلمي يتفشى في كل أنحاء البلدان العربية، ويستعان بكتاب القطر العربي لوضعها في مناهج التدريس في الأقطار العربية الأخرى، ويتم تناول الأدباء والمفكرين القدماء لا بانتسابهم لأقطارهم الحالية بل بانتسابهم للأمة بشكل كامل.. فلا يتوقف الناس عند طرفة ابن العبد على أنه شاعر بحراني بل لأنه شاعر عربي، ولن يتوقفوا عند زهير بن أبي سلمى على أنه شاعر نصراني سعودي بل كونه شاعرا عربيا، وكذلك يقال عن كل من يتكلم عن الشعراء الوثنيين في الجاهلية بغض النظر عن أقطارهم الحالية

كما أن الأدباء والمفكرين الحديثين وحتى المعاصرين منهم والذين على قيد الحياة، يُنظر إليهم على أنهم يكرسون جهدهم للأمة، فعندما يذكر احمد شوقي ذو الأصل التركي، والذي عاش في دولة الخديويين في مصر، لا ينظر إليه بصفته العرقية والقطرية، ولم يُعط لقبه (أمير الشعراء) على شعراء مصر بل شعراء الوطن العربي الذين يكتبوا ويفكروا باللغة العربية، كذلك يقال عن جميل صدقي الزهاوي (الكردي)، فعروبتهم أتت من الأدوات التي فكروا بها وجمهور المخاطبين الذين أرادوا توجيه خطابهم (المنظوم بشكل شعر) لهم ..

كما أن المفكرين السياسيين، في أقطار المغرب العربي، لم ينعزلوا عن واقع أمتهم، فنقدهم وكلامهم يشمل الواقع العام للأمة، كذلك فإنهم يكتبون ويفكرون في أقطارهم ويطبعون ما يكتبون في بيروت والقاهرة والرياض ودمشق، وهذا ما يفعله أخوانهم من الأقطار العربية الأخرى ،عندما يطبعون كتبهم وينشرونها في دور النشر المغاربية ..

بين الأمس واليوم

لو عدنا لبدايات الحديث عن الوحدة العربية، لرأينا أنها ظهرت منذ بداية القرن العشرين، على إثر حملات التتريك وظهور الحركة الطورانية، التي وجهت جل جهدها لنسف الصبغة العربية عن شعوب الولايات العربية التي كانت تحت الحكم العثماني. ثم بدأت تتصاعد في الثلاثينات من القرن الماضي وتم الوصول بصياغة الخطاب القومي العربي بعد ظهور الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.. ماذا حدث من تغيير منذ تلك الفترة الى اليوم؟ أو أي الظروف أكثر ملائمة، تلك التي ظهرت عند إطلاق الدعوة للوحدة العربية في بداية القرن العشرين، أم تلك التي نعيشها في القرن الحادي والعشرين؟

للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نصنع مقاربة بين الشأنين المعنوي والمادي في التاريخين المراد المقارنة بينهما:

أولا: الشأن المعنوي، المتعلق بوحدة الهوية والاعتقاد والتأثير للمحيطين العربي والدولي .. ففيما يتعلق بالشأن المعنوي، كانت الدول العربية، بمجملها ترزح تحت نير الاستعمار، بمختلف صنوفه، فكانت تستمد قوة رفضها للمحتل من خلال التسلح في هويتها الوطنية القطرية، ودينها الإسلامي، دون أن تنسى معالم عروبتها المستهدفة من قبل المحتلين سواء كانوا أتراكا في المشرق في بداية القرن العشرين من خلال حملات (التتريك) أو كانوا فرنسيين الذين حاولوا طمس كل ما يتعلق بعروبة اللسان في الأقطار المغاربية، من خلال التمييز بين البربر والعرب، وإصدار المراسيم ( الظهير البربري) التي تجعل السمة الفرنسية بلغتها وانتماء البلاد هي الطاغية .. فكان البحث عن العروبة في المشرق العربي هو الملاذ الذي كان يتوجه إليه أهل المنطقة من جور جمال السفاح .. في حين كان أهل المغرب ووادي النيل يخوضون معارك التحرير من الاستعمار، فتشابكت العواطف الدينية والقومية، ليردد الناس أشعار الشابي
(إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر)
ورددوا (بلاد العرب أوطاني .. من الشام لبغدان )
.... (ومن نجد الى يمن ... ومن مصر فتطوان
لم ترتق المحاولات الشعبية أو حتى جهود الأدباء والشعراء الى مرتبة أعلى من مرتبة إثارة الهمم الطيبة، لكن هذه الصورة كانت وما تزال تشكل حاضنة لتطوير دعوات الوحدة عند شعوب المنطقة ..

وقد تطور الإنشداد المعنوي في شرائح شعبية وثقافية واسعة في عموم الأقطار العربية، وساهم في ذلك تعرض أجزاء الوطن العربي لجهود متساوية تخرج من نفس البؤرة التي لا تريد لتلك البقعة التقدم والاستقرار .. فوحدت الجهود الخارجية تلك النظرة الشعبية الدافعة والمطالبة بالتوحد، ولا ننسى تطور الإعلام وإيصال ما يجري أولا بأول لكل أبناء الأمة ..

ثانيا: على الصعيد المادي ..

يغض الناس نظرهم عن بعض عيوب غيرهم، عندما تكون حجم، فالجار الذي يقف الجيران معه في محنه وأفراحه، سيغض النظر إذا كسر ابن أحد الجيران زجاج نافذته المصالح المشتركة بينهم كبيرة ، ولا يتسامحون في مسألة عابرة مع غريب، فالتاجر الذي تصل حجم تجارته مع عميله الى آلاف الوحدات النقدية، سيغض النظر عن عجز العميل عن التسديد أو إنكار سلعة بعشرة أو مئة وحدة نقدية، للحفاظ على ديمومة العلاقة فيما بينهما. هذه المسألة هي التي جعلت دولا تلتحم مصالحها الاقتصادية لتفجر طاقات المنتجين في بلادها، وتشيع الرفاه بين شعوبها، وهذه النماذج منتشرة في العالم بشكل كبير، في أوروبا، وجنوب شرق آسيا وأمريكا وغيرها. هذه المسألة دفعت أصحاب رأس المال العربي الى التفكير بأولويات محددة تجعلهم يقتنعون بأحقيتهم بأسواق جيرانهم الأشقاء، وهي مختلفة عن الصور المنتشرة في العالم، والتي لا يربطها إلا الجوار، دون الأخوة أو دون الروابط التي نعتقد ويعتقد حتى خصومنا بأننا نحظى بها دون أن نحسن استثمارها..
__________________
ابن حوران