عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 29-06-2003, 10:25 PM
lwliki lwliki غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: هووون
المشاركات: 85
إفتراضي

رابعاً ـ

إن مقاومة الضغوط والتهديدات الخارجية (الأميركية بوجه خاص) لا تتأتّى بدون إصلاح الجبهة الداخلية، كيما تكون فاعلة في المقاومة ورافدة للجهد الرسمي. فبإصلاح الوضع الداخلي تتساقط الكثير من الحجج الأميركية مثل: وجود معامل تفريخ الإرهاب، وغياب حقوق الإنسان والحريات السياسية والديمقراطية، وشيوع الإستبداد، وهدر حقوق المرأة، وغير ذلك. ستسقط بالإصلاح مبررات الرغبة الداخلية النازعة باتجاه الإنفصال، وكذلك الرغبة في التغيير الجذري الذي يستهدف (إسقاط النظام)، ولن يجد الأميركيون ولا غيرهم أُذُناً سميعة لمشاريعهم التقسيمية والتحريضية.

لا يمكن لنظام الحكم في المملكة أن يواجه الآن الضغوط العظيمة وحيداً، أو مدعوماً من الوهابية وأتباعها فحسب، أو اعتماداً على شعب مفكك تتجاذبه الولاءات والمصالح الخاصة، أو بشعب حُقن منذ وعى نفسه بأن شؤون الحكم لا علاقة له بها، ثم وبشكل مفاجئ يراد منه أن يدافع عن نظام وأشخاص وأن يتفهم المبررات وهو المسكون بالسلبية والخوف من اقتحام السياسة وتعاطيها. النظام الحاكم اليوم لا يستطيع أن يقاوم حتى الضغوط القليلة اعتماداً على شعب مسلوب الإرادة السياسية، ومشغول بمعاركه الطائفية والقبلية الداخلية، ومحكوم بصراع نخبه التحديثية مع التقليدية.

وفي ظلّ سيادة منطق أميري يصرّ قولاً وعملاً على أمرٍ ثابت البطلان بأن المملكة بأراضيها وتراثها وخيراتها ملك شخصي لفرد أو عائلة، إن منحت كان فعلها مكرمة، وإن منعت لم تكن مقصّرة، وإن اقتحم أحدٌ التابو السياسي عدّ معتدياً على حقوق العائلة المالكة وخاصتها. المواطنون لا يدافعون عن وطن ونظام هذه صفاته. الوطن بدون حقوق يتقلص في المخيال الفردي الى مجرد قرية أو مدينة أو محافظة وفي أكثر الأحوال منطقة، قد تستثار الحميّة حين يعتدى عليها، أما المملكة ـ وطن الأوطان ـ فلا تستثير الرغبة في شرف الدفاع عنها. هذا الوطن الكبير لا يحميه إيمان طوباوي إلاّ إذا تحوّل الدفاع عنه دفاعاً عن النفس، ولن يكون كذلك ما لم يشعر قاطنوه بأنهم شركاء فيه، صنّاع لقراراته وسياساته، تحفظ فيه كرامتهم، فمن لا كرامة له لا يحمي كرامة وطنه أثناء الأزمات.

باختصار.. إن المشروع الوطني الإصلاحي الداخلي هو الخطوة الأولى للدفاع عن الوطن وعن الخيار السياسي لأبنائه.. الخيار الصحيح لا المزوّر أو المدّعى.


خامساً ـ

يفترض المشروع الوطني أن يكون التغيير سلمياً، متدرّجاً، شعاره: لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، أي أن يكون بأقلّ الكلف، ومنهجه في هذا بعد الإقتناع بضرورته، الحوار والمساومة السياسية بديلاً عن العنف: عنف السلطة، وعنف دعاة التغيير. من خلال المؤشرات الحالية، فإن هناك إجماعاً شعبياً على ضرورة القيام بإصلاحات، وأن تكون الوسائل المؤديّة إليه سلميّة في مجملها، مع أن مؤشرات استخدام العنف ـ هي الأخرى ـ واضحة. غير أن المؤشرات تعوزنا فيما يتعلق بالعائلة المالكة، إن من جهة اقتناعها بضرورة التغيير، أو حجمه، أو الوسائل المعتمدة في حال مال الرأي الى رفضه.

هذا لا يعني أن الإصلاح بالضرورة يأتي من أعلى، أي بتنازل من العائلة المالكة. فإذا كانت تحتفظ بمجمل القرار، فإنها لا شك ترى الأوضاع، وإن كنّا لا نعلم هل قرأتها القراءة الصحيحة. لكي يكون الإصلاح سلمياً لا بدّ أن يقرأ الطاقم الحاكم الوضع الداخلي بصورة واقعية وهي تشير الى رغبة شعبية عارمة للتغيير، والى الضيق والتذمّر الشديد من سوء الأوضاع الإقتصادية التي طالت حياة كل مواطن، وإلى تنامي النزوع نحو العنف من اغتيال وتفجير واختطاف ومحاولات تظاهر وتمرد في السجون وانهيار في المعنويات وضعف في أداء أجهزة الدولة وانخفاض هيبتها. لا بدّ أن تقرأ العلاقة بين العائلة المالكة والوهابية بصورة صحيحة، إذ لم نرَ من العائلة المالكة، حتى الآن، سوى القليل المتغيّر فيها، والذي لا يصبّ إلا في التكتيكات الآنيّة وليس في ابتداع منهج استراتيجي جديد يجيب على التساؤلات الحادّة بشأنها: ما حجم دور المؤسسة الدينية في الدولة، هل هناك خطر عليها وعلى نظام الحكم في المستقبل، والى أي حدّ هي مفيدة أو مضرّة للتآلف الإجتماعي الداخلي، وكيف يمكن تفعيلها بهذا الإتجاه، وماذا عن القوى الدينية الأخرى وما موقعها من الإعراب..الخ.

وتفترض القراءة الصحيحة للوضع الداخلي أيضاً والتي تقرر ما إذا كان النظام يميل الى التغيير (والتغيير السلمي بالذات) أم لا، تفترض تقييماً للقوى الأخرى المهمّشة في شمال وجنوب وشرق وغرب المملكة، الى أي حدّ يشكل سخطها خطراً على بنية الدولة، وما هي تطلعاتها، وكيف يمكن المواءمة بين مطالبها ضمن إطار الدولة، وما هي البدائل التي بيد تلك القوى للضغط على النظام إذا ما تعسّرت ولادة عقد وطني جديد، والى متى يمكن لهذه القوى أن تصمت أو يمكن إخراسها، وبأي الوسائل وحدود استخدامها، وما هو تأثير ذلك الإستخدام في المدى القريب والبعيد، وانعكاس ذلك على سمعة المملكة وعلاقاتها بالخارج الدولي.

المسألة الأخرى التي يجب أن تقرأ بصورة صحيحة: صورة العلاقة المستقبلية مع الغرب بشكل عام، فهل تنظر القيادة السعودية الى توتر العلاقة مع أميركا تطوراً استراتيجياً يفرض عليها حماية نفسها بوسائل مختلفة، وترتيب بيتها الداخلي ومنظومة علاقاتها الخارجية وفق هذه الرؤية، أم أنها ترى في التوتر مجرد سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع بمزيد من التنازلات، والى أي حدّ تكون، وهل بإمكانها البقاء طويلاً تحت ضغوط الإبتزاز والتهديد ريثما تعود الأمور الى سابقها. بمعنى كيف تقيّم العائلة المالكة ما حدث، وكيف تقيّم الرؤية الأميركية للسعودية في الوقت الحالي وفي المستقبل. بعد هذا تأتي قراءة رجال الحكم السعودي للخارطة الإقليمية المستقبلية وتأثيراتها على الوضع الداخلي: ما تأثير التغيير القادم في العراق ـ إن حدث ـ على سيادة الدولة السعودية ووحدتها، وعلى شعبها، واقتصادها، والعقيدة العسكرية لجيشها. أيضاً، ما هو تأثير انتعاش أنوية الدمقرطة والإنفتاح في كل البلدان المجاورة الخليجية وغيرها على النظام السياسي السعودي، وعلى تطلعات السكان، وعلى العلاقة بين الحكم والمحكومين.

أسئلة كثيرة جداً تشكل المنطلق والاساس الذي يمكن للعائلة المالكة التي تبني عليه اجاباتها الحاسمة إما باتجاه الإقدام على التغيير أو المضي على الحال التي هي عليه. من المؤكد أن أكثر هذه الأسئلة لم يجب عليها، ولا يملك الطاقم الحاكم رؤية واضحة عنها، فالسياسة في المملكة ومنذ زمن بعيد تعتمد ردود الأفعال تجاه الأحداث، ولا يوجد في المملكة بطولها وعرضها مركز دراسات واحد يقدم إجابات لتساؤلات المستقبل ويقترح الخطط والمشاريع السياسية. حتى مجلس الدراسات الوحيد التابع للديوان الملكي لا يعدو مجرد إسم وضع لتوظيف أمير، بدون موظفين وبدون أي فعل حقيقي أياً كان نوعه.

لا نعلم الى أي حدّ اقتنعت العائلة المالكة بفضيلة عدم التشبّث بكامل السلطة وأن الأوان قد حان للإعتراف المبدئي بأن الشعب ليس قطيعاً لا حقّ له حتى في قوته، كما لا نعلم ما إذا كانت تدرك بأن عواقب الحسابات الخاطئة مكلفة: مزيد من العنف الداخلي؛ انهيار لمؤسسات الدولة؛ تعزيز لمشروع التغيير الجذري وضرورة إقتلاع العائلة المالكة باعتبار وجودها لا يستقيم والإصلاح، أو التغيير الإنفصالي عبر تقسيم الدولة بالتعاون مع الطروحات الخارجية. مما لا شكّ فيه، أن فكرة الإصلاح لم تنضج بعد لدى الأمراء، وإذا كان البعض منهم قد اقتنع بضرورته، فإنهم يعتبرونه شرّاً لا بدّ منه الأمر الذي يتطلب التحايل على الداعين اليه بتقديم أقلّ التنازلات الممكنة. ربما هناك رؤية تفيد بأن الوقت لم يحن بعد، وكأنّ هناك دعوة لاستدعاء المزيد من التوتر والعنف الداخلي حتى يتاكّد الأمراء بجمعهم أن لا محيص من الإصلاح. ربما أيضاً هناك من بين الأمراء من يعتقد بأن دعوة الإصلاح مجرد فورة ستؤول الى الانطفاء وليس لمزيد من الاشتعال، وأن المطالب الشعبية الحالية رغم تدنيها ـ وهي مرفوضة من قبل الطاقم السياسي ـ يمكن تقليصها أكثر فأكثر. هذا باختصار وهم، بل عكسه تماماً هو ما سيقع.


سادساً ـ

في حجم الإصلاحات المطلوبة، الرؤية السائدة بين النخب السعودية تستند على ضرورة تقليص وتأطير صلاحيات العائلة المالكة ضمن فكرة تحويل النظام السياسي الى ملكية دستورية خلاف ما هو عليه اليوم من ملكية تسلطية مطلقة. للوصول الى هذا الغرض، هناك متطلبات أساسية منها:


يتبع
__________________
( لا تسيئوا فهمه..
ولا تنكروا عليه ان ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يبالغ أو يقسو..
انه ليس شريراً ولا عدواً ولا ملحداً.. ولكنه متألم حزين ..
يبذل الحزن والألم بلا تدبير، أو تخطيط..
كما تبذل الزهرة اريجها .. والشمعة نورها ).
وللتاريخ ان يقول ما يشاء.