عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 06-03-2001, 04:08 PM
البازي البازي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 66
Post

المسلك الخامس :
وقريب من المسلك السابق الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، والعمومات من غير تأمل هـل لها مخصصات أم لا؟ أو العكس، وكذلك الأخذ ببعض النصوص دون بعض في المسألة الواحدة والتعلق بها؛ كما مثل الشاطبي - رحمه الله - لذلك بالآتي :
- يحـتـج الـخـوارج لقولهم بالخروج على الإمام بحديثهم "ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل "(5).
- ويحتج القاعد - أي من لا يرى الخروج على الإمام - بقوله -صلىالله عليه وسلم-: "من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه "(6).
- والمرجئ يحـتـج بقـولـه -صلى الله عليه وسلم- : "ما من عبد قال لا إله إلا اله له ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت والقائل هو أبو ذر -رضي الله عنه-: وإن زنى وإن سرق ، قال : "وإن زنى وإن سرق"(7).
- والمخالف له محتج بقـولــه -صلى الله عليه وسلم- : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(8). وهذه النصوص وإن كـــان ظـاهـرهـا يوهم التعارض فإنه يمكن الجمع بينها إذا جعل بعضها أصلاً ورد البعض الآخر إليه بالـتـأويـل الـسـائـغ، ولكـن كل صاحب بدعة وضلالة يدعي أن دليله هو الأصل ، ويرد ما عداه إليه. والواجب هو جمع الأدلة كلها في المسألة الواحدة وتحقيق ما كان عليه الصحابة وأئمة خير القرون إزاءهـا، والخروج بحكم واحد فيها. والذي ينبغي التنبيه عليه هنا أنه وإن كان هذا المسلك الـمـنحرف من مسالك أهل البدع في النظر والاستدلال ، إلا أنه يقع فيه كثير من المسلمين الناشدين للحق؛ فترى أحدهم يسمع نصاً أو يقرأه فيدفعه حرصه على الالتزام وخشيته من مخالـفة أمر الله تعالى وأمر رسوله إلى المبادرة بتنفيذ ما فهمه منه ، حتى وإن بدا مخالفاً لفعل مشاهـير الصحابة وأجلائهم؛ وبعيداً عن المعقول ، ويظن أنه بذلك يتبع الحق ويخالف هواه ويقـهــره وأنـه بذلـك ممـتـثـل لقول الله تعالى: ((ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِـيَــرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ))[الأحزاب 36]. وإنما كان خطؤه أنه عمل بنص واحد دون الرجوع للعلماء لـسـؤالهم عنه وعما إذا كان هناك نصوص أخرى في المسألة، وما هو القول الراجح فيها، وقد يشتد حماسه لفهمه السقيم فينصب نفسه مفتياً به وداعياً إليه ، ويتبعه على ذلك قوم من أمثاله ، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعــاً ينتزعــه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جـهــالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(9). ولعمر الله كم جر هذا المسلك على المسلمين من فتن ومشاكل بينهم في عصرنا الحالي.
والواجب على الباحث المسلم إذا بـحــث مـسـألــة أن يجمع كل النصوص الواردة وأقوال العلماء فيها ليخرج بمعنى كلي وفهم هو أقرب إلى الصواب حسب ما أداه إليه اجتهاده ، إن كان من أهل الاجتهاد، فيخرج بذلك من دائرة الإثم ، قال الشاطبي -رحمه الله- : "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد وهو الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض ؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها"(10).