عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 16-01-2006, 04:20 PM
aaidoon aaidoon غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 46
إفتراضي

وفي مقدمة هذه الحروب الحرب الإسرائيلية المستمرة لابتلاع الأراضي المحتلة وتحطيم المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي ستبلغ ذروتها في محاصرة العاصمة اللبنانية بيروت من قبل القوات الإسرائيلية عام 1982، وتكبيدها القوات السورية المتواجدة فيها هزيمة عسكرية جديدة.



وبالإضافة إلى حروب ليبيا جنوب الصحراء وحرب الصحراء الغربية التي سممت حقل العلاقات المغاربية ثم الحروب الداخلية العديدة التي فجرها التنافس بين الدول العربية على احتلال موقع متميز في القضية الفلسطينية، لن يمض وقت طويل حتى تفجرت عام 1979 الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات، في إطار التفاهم مع الدول الصناعية الغربية على كبح جماح الثورة الإيرانية الإسلامية والحد من آثارها وعواقبها الإستراتيجية على المنطقة النفطية.







"
شق الموقف من الحرب الإيرانية العراقية الرأي العام العربي شعوبا وحكومات على حد سواء, لكن الضربة القاضية للنظام العربي جاءت من العراق البعثي بعد احتلاله لدولة الكويت
"
وقد شق الموقف من هذه الحرب الرأي العام العربي شعوبا وحكومات على حد سواء. لكن الضربة القاضية للنظام العربي ستأتي من العراق البعثي بعد احتلاله لدولة الكويت، وإعلانه قرار إلحاقها بالعراق وضمها إليه.



فلم تقوض هذه الحرب والقرارات التي تبعتها الأسس التي قامت عليها الجامعة العربية وتعمق الشك بنجاعتها وشرعية الرهان عليها فحسب، وإنما عززت إرادة الدول الصناعية في بسط سيطرتها المباشرة على المنطقة، بما في ذلك اختراق المنظومة الأمنية الوطنية في البلاد العربية.



وقد جاء تصويت أغلبية دول الجامعة العربية على القرار الذي اتخذته قمتها لدعم الحرب التي قررها التحالف الدولي ضد العراق عام 1991 لينهي أسطورة العمل العربي المشترك ويؤكد السير الحثيث للبلدان العربية نحو خيار التدويل.



وهذا ما أكدته، في الأشهر التالية، مسارعة دول الخليج العربية إلى توقيع اتفاقيات التعاون العسكري والحماية المتبادلة مع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.



ومنذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في واشنطن ونيويورك، والرد الأميركي عليها باحتلال العراق عام 2003، وما تبعه من التفكيك المادي لدولته ومؤسساتها، فقد العالم العربي سيطرته على شؤونه الأمنية وتحول إلى منطقة نفوذ مباشر ودائم للقوى الأطلسية.



وفي هذا الإطار طرحت الإدارة الأميركية الجمهورية على لسان الرئيس جورج بوش مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تكريس هذا الوضع وإعادة بناء المنطقة تبعا لحاجات العولمة الإستراتيجية والعسكرية، أي إلى إدخال دول غير عربية في التكتل المنشود، وفي مقدمها إسرائيل التي شكلت الحاجة إلى مقاومة توسعها محور البناء الإقليمي العربي، ومن وراء ذلك تصفية فكرة العروبة نفسها كحامل لمشروع إقليمي مستقل وإلغاء أي أمل لها في أن تستعيد المبادرة الإستراتيجية في المنطقة بما تمثله من نزعة استقلالية وأجندة وطنية خاصة ومصالح متناقضة مع المصالح الأطلسية، خاصة في ميدان النفط وضمان أمن إسرائيل وتطمينها على مستقبلها.



وما حصل هنا في الواقع على صعيد النظام الإقليمي لا يتنافى مع معطيات التاريخ، تاريخ العولمة، ولكنه يصب فيه. فما عجزت عن تحقيقه البلاد العربية سوف يتحقق تبعا لحاجات العولمة، لكن هذه المرة تحت الوصاية الأميركية ولخدمة أهدافها الإستراتيجية معا.



فبدل الخروج المنظم والواعي نحو إستراتيجيات إقليمية وعالمية تحترم مصالح الشعوب ووشائج القربى التي تجمع بينها، كما كان عليه الحال في أوروبا، شهد العالم العربي خروجا تبعيا وإكراهيا معا مفروضا بالقوة السياسية والعسكرية كان من نتيجته تعريض المجتمعات للحروب والنزاعات الدموية، وانتزاع سيادة البلدان الفردية وإلحاقها بنظام الهيمنة الدولية الذي يستجيب لمصالح السيطرة الخارجية.



فبقدر ما أخفقت البلدان العربية في التكيف إراديا مع حاجات العولمة الإستراتيجية، وجدت نفسها ضحية الإستراتيجيات البديلة أو المناوئة التي استخدمت معطيات العولمة ذاتها وحاجاتها من أجل فرض إعادة تركيب المنطقة من وجهة مصالحها الخاصة فحسب، أي إعادة فتح الحدود في ما بينها حسب حاجات الأجندة الأميركية، حارمة المنطقة وبلدانها معا من الاستقلالية الإستراتيجية التي تضمن استقرار التوازنات الإقليمية بعيدا عن التدخلات الخارجية المستمرة والمفاجئة، كما تضمن المشاركة في القرارات الجماعية المتعلقة بمصير المنطقة ومصير شعوبها.



ويشكل هذا الاختراق الواسع للمنطقة من قبل الإستراتيجيات الدولية، وحرمان الدول من سيادتها واستقلال قرارها، تحديا كبيرا للمجتمعات العربية التي تطمح إلى الاستفادة من فرص العولمة في سبيل ترسيخ قاعدة الاستقرار وتحقيق التكتل الإقليمي من أجل التكامل وخلق شروط الازدهار لجميع السكان، لا في سبيل ضمان تدفق الموارد الطبيعية والبشرية والرساميل للخارج.







"
يشكل تجريد المنطقة العربية من مشروعها الخاص ووضعها تحت الوصاية باسم الكفاح ضد الإرهاب العالمي وتدمير أسلحة الدمار الشامل ونشر الأمن والديمقراطية، جزءا من أجندة العولمة الأميركية، ويدخل في باب تدويل الأمن والسياسة العربيين
"



وبالمقابل إن ما حصل بالفعل في إطار العولمة هو تدويل المنطقة من جهة وإخضاعها لحاجات الحرب العالمية على الإرهاب التي أصبحت البوصلة الوحيدة للإستراتيجية الأميركية العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.



وهي الحرب التي تدور رحاها بالدرجة الرئيسية في البلاد العربية وتتحول أكثر فأكثر إلى حرب الدول العربية والحكومات الرسمية على مجموعات الإرهاب التي تمثل هي نفسها تعبيرا عن الأزمة الخطيرة التي تعيشها حركة المواجهة العربية وما وصلت إليه من انسداد.



فهي تتحول بشكل من الأشكال إلى حرب أهلية عربية إسلامية. ويشكل تجريد المنطقة العربية من مشروعها الخاص ووضعها تحت الوصاية، باسم الكفاح ضد الإرهاب العالمي وتدمير أسلحة الدمار الشامل ونشر الأمن والديمقراطية، جزءا من أجندة العولمة الأميركية، ويدخل في باب تدويل الأمن والسياسة العربيين.






لكن، لم يضمن تدويل قضايا الإستراتيجية والأمن الوطني في البلاد العربية المزيد من الأمن، ولا ساهم في تحقيق الاستقرار. لقد فجر بالأحرى الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية والتي ساهمت الضغوط الغربية القوية والمتواصلة في تفاقمها والمد في أجلها، من خلال منع أي تكتل إقليمي إستراتيجي عربي، والإبقاء على توازن قوة يخدم مصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار في إسرائيل، من دون أن يأخذ بأي اعتبار مصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد العربية.



وهكذا كانت نتيجة هذه العولمة الإستراتيجية زيادة الإنفاق العسكري لدى الدول العربية، لكن مع تفاقم سوء الأوضاع الأمنية، وتدهور قدرات الدول على الاحتفاظ باستقرارها وضمان الحد الأدنى من استقلال قراراتها الوطنية.



مما يعني أن مزيدا من النفقات العسكرية قد قاد، بالعكس تماما مما ينتظر منه، إلى المزيد من التبعية والاختراقات الخارجية. فقد بلغت نسبة الإنفاق العسكري لدول عربية ما بين 12 و13% من الناتج المحلي بين 1995 و1999.



هذا مع العلم أن بلدانا عربية عديدة تخفي حجم نفقاتها الدفاعية الحقيقي بسبب تحويل القطاع العسكري إلى قطاع اقتصادي حافل بالمؤسسات والشركات التي تشكل بؤرة للفساد ومصدرا لتحقيق المغانم السريعة للنخب الحاكمة.

ــــــــــ
كاتب سوري



المصدر: الجزيرة