عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 18-08-2002, 07:32 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي أمنية أخيرة للصفدي-إلى روح أبي حسن

أخي محمد ،
عزاؤنا الصبر والرضى بما قسمه المولى عزوجل
لا أدري ربما كان لي قدر أن أجلس مع المرحوم لمرة واحدة هي في الفترة التي ذهبت بها إلى سوريا ، القدر في أحيان كثيرة يرصف لنا الأحجار التي سنخطو عليها ، سبحانك اللهم ، فقط علينا أن نخطو بهدوء وإيمان .

تعازينا جميعاً من هنا لكم وللأخوة في سوريا .




أمنية أخيرة للصفدي

" إلى روح أبي حسن التي تعانق كل أرض فلسطين "

الرجل حزين ، حزين ووحيد ، رغم كل الأبناء والأحفاد الذي يعج بهم المكان ، وحيد رغم حنان الزوجة الطيبة التي تضم المكان ليبدو أكثر دفئاً وأكثر حباً .
الرجل حزين ، ولا يستطيع أن يرى بوضوح إلا من خلف دموعه ، لذلك يكثر البكاء ، ولأن بكاء الرجال صعب ومر ، فهو يكاد يختنق ، وكلما أوشكت حنجرته على الانفجار ، طفحت عيناه بالدموع قليلاً ، رأى بشكل أوضح ، استطاع الكلام ، انهمرت دموعه ، استراح قليلاً .. تنهد ، عاش اللحظة التي لن تموت ، والذكرى التي لا تنجلي ، أوشكت حنجرته على الانفجار ، طفحت عيناه بالدموع كثيراً ، قليلاً ، كثيراً ، قليلاً .
" عمر من الموت يا عمي .. عمر من الشقا .. لا حول ولا قوة إلا بالله ( شكري القوتلي مر من عنا عام السبع والثلاثين ، كان جاي من القدس ، حكى أنو كان بالحديثة بالأردن مع ثوار سوريا ، مر من عندنا ، إي والله شكري القوتلي ، كان شاب مملوح وفهمان ، استراح ساعات عند الحج حمادة ، وأوصلناه للحدود السورية ، قريتنا القباعة من قضاء صفد قريبة للحدود السورية ، كان غنمنا يسرح على الحدود لم يكن هناك حدود مثل هالأيام العرب أهل يا عمي ".
" أربع شباب كانوا عند الحج حمادة وأنا الخامس صهرهم " اللي بيحافظ على عرضك أغلى من أبنك " هيك كان يقول الحج حمادة ألله يرحموا ، ما طاق البعد عن القباعة أكثر من عام فمات من القهر ، كان لديه أصيلة .. الله يرحموا ، كان يشاركه بها بطرس جارنا المسيحي ، ثلثين بثلث ، الأصايل كانت غالية وبدها مال ، كانت بماية واربعين ليرة فلسطيني " .
" مضافة خمسة بستة بيتون أي والله بيتون كان عندنا ( الحنجرة تكاد تنفجر ) انشالله ما هدموها " .
- يابا لا تبكي ( قالها أحمد بجفافه المعهود ) .
بيتون أي والله بيتون ياعمي هالأيام ما بيعرفوا قيمة المضافة ، ولا حدا بيعرف الحج حمادة .
مثل الهوى طلعنا ، أي والله مثل الهوى ما حدا كان يعرف أن الغيبة ستطول إلى هذا الوقت ، خوفونا وقالوا أن اليهود سيقتلوكم ، ويهتكوا أعراضكم ، اطلعوا حتى تمر الغيمة ، خمسين سنة وما انزاحت هالغيمة ، ( تكبر الدمعة ويعجز الكلام ) .
" قولك إذا صار سلام منرجع ، مضافة إي والله مضافة لا حول ولا قوة إلا بالله ".
كم بين الأيام وكم بين الساعات من عذاب ، كم تختزل الدموع من الصور ومن الغصات ومن الذكريات ، كيف يمر الساسة بأيديهم القاسية على جراحنا ، كيف يحاول الساسة تكليس المفاصل في اجسادنا ، وتحنيط الماضي بعبارات تافهة ، واختزال ذاكرتنا إلى أرقام بلا معنى ، هل كان سيغني ابن صفد حمام الأرض كله الأبيض والأحمر والأسود عن مضافة أبو حسن البيتون خمسة بستة .
وهل ستعوضه كل قاعات المؤتمرات وطاولات المفاوضات والأوراق الموقعة وغير الموقعة العلنية منها والسرية ، عن الصلاة خلف الحج حمادة في نفس المسجد الذي كان يصلي فيه كل الفروض وكل النوافل ، نفس المسجد ذو البسط المرقعة والمحراب الصغير النظيف ، الذي كانوا يرعونه أكثر من بيوتهم .
هل ستعوضه كل الصالات المغلقة والمفتوحة ، وحدائق الكون المفروشة بالعشب الطبيعي والصناعي والورود الملونة عن شجرة التوت التي كبرت بين يديه وسقاها وشذبها في صحن داره .
يتبجح الساسة ، فيتقطع لحم أبو حسن ، وتكاد حنجرته تنفجر ، تنهمر الدموع يرى القباعة أبعد ، والمضافة مغلقة الأبواب والنوافذ في وجه الريح والضيوف وعابري السبيل ، والتوتة تخضر وتخضر وتكاد تنفجر دماً على طرقات القباعة .
يتصافح الساسة ، تجف الدموع في عيني أبي حسن ، ويقف وحيداً بانتظار الموت.
يوقع الساسة على الأوراق يصبح الطريق مستحيلاً إلى فلسطين ، إلا عبر الشهادة التي كانت أقصر الطرق إلى الجنة أو إلى الأماكن التي نحب .
أمنية أخيرة قالها أبو حسن " ارجو من الله عزوجل أن ينشرني من أرض القباعة وهو العزيز القدير " .
نقلها


تنويه : إذا احببتم عملت على نشرها هنا ، وذلك يعود لكم ، فأنا ما زال ينبض في دمي من كروم صفد صوت قوي ودافئ ، وإذا رغبتم نشرها كان لي ذلك شرفاً ، أنتم لكم الخيار .
الرد مع إقتباس