عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 07-06-2006, 03:05 PM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي

أحبتي في الله ..

ليكن القرآن الكريم أنيسكم وجليسكم ، وسلوة قلوبكم ، وليكن به جلاء همكم ، فأكثروا من قراءة القرآن وحفظه فإنه وحي ربكم الذي أُنزل على قلب نبيكم ، ففي القرآن شفاء ما في الصدور ، ودواء كل داء ، وبه يثبت قلب المؤمن ، فلا تملوا من ذكر الله بتلاوة كتابه حق التلاوة آناء الليل وأطراف النهار .. تدبروا القرآن واعرفوا ما فيه من أحكام وعقائد وأوامر وعبر ، وقد كان سلف الأمة يُكثرون من قراءة الأنفال والتوبة في الثغور لما اشتملا على آيات الجهاد وأحكامه وآدابه ، فالله الله في كتاب ربكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال : 45) ..

إن مما أمر الله به في كتابه ، قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا } (آل عمران : 103) ، فالقرآن هو الحبل الذي أمركم الله بالإعتصام به ، وقد جاء في حبله المتين أمره الحكيم للمؤمنين "ولا تفرّقوا" ، وأكد ذلك نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ..." (رواه مسلم) ، ومما منّ الله على عباده المؤمنين أن هداهم للإجتماع والوحدة والألفة والأخوة بعد التفرق والتشرذم والخلاف والفتنة ، فقال {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران : 103) ، فلله الحمد والمنة ..

إن في اجتماعكم : تحقيق طاعة الله ، والبعد عن الضلال والإنحراف ، وقوة بنيان الأمة بتراصها وشد بعضها لبعض ، وإغاظة للشيطان وتفويت الفرصة عليه ، ولا يخفى عليكم ما في ذلك من إغاظة أعداء الله من الكفار والمنافقين الذين يعملون ليل نهار على تفريق كلمتكم ، ولا شك أنكم تُدركون بأن في الفرقة والتنازع الفشل الحتمي الذي لا مفر منه تحقيقا لوعيد الله تعالى بعد أمره {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال : 46) ..

إن من أعظم أسباب خلاف المقاتلة : العُجب وحب الرياسة والإستقلال بالأمر ، وهذا من مداخل الشيطان على المؤمنين ، وهو أشد خطرا وفتكا في الأمة من القنابل والصواريخ ، فالله الله عباد الله في الوحدة والإئتلاف {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال : 47) ، ونحن إذ أسلمناكم مهج الفؤاد ورضيناكم قادة للعباد فإنا نعلم أن الشيطان ليس له سبيل على الممتقين ، فقد جاء في محكم التنزيل عن الشيطان أنه {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (الحجر : 39-40) ، فأخذ الله على نفسه عهدا أبديا فـ {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (الحجر : 41 -42) ، فـ "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا" ..

وأذكر لكم هنا موقف لرجل من أعظم رجالات التاريخ ، رجل حمل أمانة رفع لواء "لا إله إلا الله محمدا رسول الله" فكان بحق آي تنزيل يمشي على الثرا ، أبى إلا أن يجاري بأفعاله الثريا ، أذكر لكم موقف رجل تحبونه لحب نبيكم له ، وتجلونه لجهاده وتضحياته في سبيل دينه ، قائد جيوش المسلمين الشامية في عصر الفتوحات الربانية ، المبشر بالجنة ، الذين أنزل الله في شأنه {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ} ، ذلكم هو : أمين هذه الأمة صاحب الحضوة والهمة أبو عبيدة "عامر بن الجراح" رضي الله عنه وأرضاه :

فقد أخرج أبو حذيفة في "فتوح الشام" : أن أبا بكر لما توفي وخالد على الشام واليا واستخلف عمر : كتب إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة ، وعزْل خالدا ، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب وكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون ، ثم لما علم خالد بذلك بعدما مضى نحو من عشرين ليلة دخل على أبي عبيدة فقال : غفر الله لك ، جاءك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تُعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك؟ فقال له أبو عبيدة : ويغفر الله لك ، ما كنت لأُعلمك حتى تعلمه من غيري ، وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله وقد كنت أعلمك إن شاء الله تعالى ، وما سلطان الدنيا أريد ، وما للدنيا أعمل ، وإن ما نرى سيصير إلى زوال وانقطاع ، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله عز وجل ، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه ، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعها في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله عز وجل وقليل ما هم . فدفع أبو عبيدة عند ذلك الكتاب إلى خالد" (انتهى منقولا من كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة) ..

هذا هو أبو عبيدة الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "إن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" (صحيح : صحيح الجامع) ، هذا هو أبو عبيد الذي رفع أبو بكر يده يوم السقيفة مع يد عمر ليختار المسلمون أحدهما للخلافة ، وهو الذي قال عنه عمر "إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته" ، هذا أبو عبيد الذي يجلس على الأرض ويعفر جبهته بالتراب ويفترش رث الثياب ويلتحف السماء ثم يقترض من معاذ بن جبل نفقته في وقت كونه القائد العام للجيوش الشامية !!

فــذاك خُلْق من الفردوس طينته ... الله أودع فيهــا ما يُنقّيهـــا
لا الكِبر يسكنها ، لا الظلم يصحبها ... لا الحقد يعرفها ، لا الحرص يغويها
فلا الحــسابة في حق يجامــلها ... ولا القرابة في بُطْــل يجابيهـا
وتلك قوة نفـس لو أراد بهـــا ... شـم الجبال لما قرّت رواسيهـا

وعامر بن الجراح رضي الله عنه لا يختلف عنه إخوانه في الزهد والعمل ، فعمر لما أتاه رسول قيصر : وجده نائما في الشمس على الأرض فوق الرمل الحار وقد وضع جبته كالوسادة والعرق يسقط من جبينه وقد بل الأرض ، فقال الرومي : رجل لا يقر للملوك قرار من هيبته وتكون هذه حاله !! هؤلاء لما ركلوا الدنيا ركعت تحت أرجلهم ، ولما خافوا الله أخاف اللهُ الناس منهم ..

{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف : 4) قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره "قال سعيد بن جبير في قوله تعالى {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً} قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم , وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال وقوله تعالى {كأنهم بنيان مرصوص} أي ملتصق بعضه في بعض من الصف في القتال , وقال مقاتل بن حيان : ملتصق بعضه إلى بعض , وقال ابن عباس : {كأنهم بنيان مرصوص} مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض.
وقال قتادة : {كأنهم بنيان مرصوص} ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه. فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره ، وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم , فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به , أورد ذلك كله ابن أبي حاتم , وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عز وجل: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}" (انتهى كلام ابن كثير رحمه الله) ..

إن مقصود الآية ليس التصاق الأكتاف فقط ، بل التصاق وتوافق الجهود واجتماع القلوب وتراص المواقف ودخول الأحزاب المختلفة تحت راية واحدة لتوحيد العمل ، فيكون البنيان المرصوص عبارة عن الأفراد والجماعات المجتمعة المتقاربة بعضها مع بعض ، فهم صف واحد في وجه العدو وبنيان يشد بعضه بعضا ، وهذا لا يكون إلا بقيادة واحدة حكيمة رشيدة ترص هذه الصفوف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصاف صحابته رضي الله عنهم ..

كثير من الناس يقرأ هذه الآية ويمعن فكره في قوله تعالى {صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} ويغفل عن بداية الآية {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ} !! الله أكبر !! محبة الله في متناول يد أحدنا ، كيف نغفل عن هذا !! أيحب الله شيئا ونكرهه نحن !! أيحب الله شيئا ونتأخر عنه نحن !! أيحب الله شيئا ونعزف عنه نحن !! ألم يبذل المجاهد نفسه وماله والدنيا بأسرها ليرضي الله !! الله يحب الإتحاد ، يحب الصف الواحد ، يحب تظافر الجهود وتكاملها ، فكيف يغفل المجاهد عن هذا !!

الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً ، فلماذا نصنع نحن تعرجات ونخترع اعوجاجات في الصف !! الله يحب البنيان المرصوص فلماذا نشرخ نحن اللبنات ونخلخل البنيان ونفكك هذا الصرح الشامخ !!

يا من يقاتل في سبيل الله : قد أخبرك الله بما يحب ، فأي فضل أعظم من أن يُخبرك المولى بما يحب ، وأي نعمة على العبد أن يوفقه الله لما يرضى ويحب !!

إن إدراك حجم هذه النعمة (محبة الله للعبد) لا تتأتى إلا لأصحاب العقول وأولي العزم من الرجال : الرسول صلى الله عليه وسلم ينفذ بعثاً فيه كبار صحابته وخير من مشى على الأرض بعد الأنبياء يقودهم شاب صغير السن ، فيمشي أبو بكر وعمر وكبار رجالات الأمة خلف هذا الشاب الصغير السن والنفوس راضية مطمئنة مليئة بالعزة والفخار لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد له الراية .. الله يقول لنا {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} : صفا واحداً ، جبهة واحدة ، راية واحدة ، قيادة واحدة ، الله يحب ذلك ، أفلا يعتز المسلم ويفخر ويعلو ويسمو بهذه الراية وهذه المحبة !!

إن للقيادة بريق أعمى عين الكثير ، ولكن أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف لا تعمى أعينهم لأن الله نوّر بصائرهم ، فالقيادة والرئاسة تكليف وليس تشريف عند من عقل حالها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي : أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل" (صححه الألباني في السلسلة) ، ولو علم طالب القيادة مآلها لفر منها فراره من الأسد : قال عليه الصلاة والسلام "ليتمنّينّ أقوام ولّوا هذا الأمر أنهم خرّوا من الثريا ، وأنهم لم يلوا شيئا" (حسنه الألباني في صحيح الجامع) ، وقال عليه الصلاة والسلام "ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا ، حتى يفكه العدل ، أو يوبقه الجور" (صححه الالباني في صحيح الجامع) ..
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)