عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 16-11-2006, 03:35 PM
مواطن مصري مواطن مصري غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: مصر
المشاركات: 166
إفتراضي

من رسالة( الى أي شئ ندعوا الناس ) للامام الشهيد حسن البنا :
قد تتحدث إلى كثير من الناس في موضوعات مختلفة فتعتقد أنك قد أوضحت كل الإيضاح وأبنت كل الإبانة، وأنك لم تدع سبيلاً للكشف عما في نفسك إلا سلكتها، حتى تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء وجعلت لهم ما تريد بحديثك من الحقائق كفلق الصبح أو كالشمس في رابعة النهار كما يقولون، وما أشد دهشتك بعد قيل حين ينكشف لك أن القوم لم يفهموا عنك ولم يدركوا قولك.

رأيت ذلك مرات ولمسته من عدة مواقف، وأعتقد أن السر فيه لا يعدو أحد أمرين: إما أن الذي يقيس به كل منا وما يسمع عنه مختلف، فيختلف تبعاً لذلك الفهم والإدراك، وإما أن يكون القول في ذاته ملتبسًا غامضًا وإن اعتقد قائله أنه واضح مكشوف.
المقياس:

وأنا أريد في هذه الكلمة أن أكشف للناس عن دعوة الإخوان المسلمين وغايتها ومقاصدها وأساليبها ووسائلها في صراحة ووضوح وفي بيان وجلاء، وأحب أولاً أن أحدد المقياس الذي نقيس به هذا التوضيح، وسأجتهد في أن يكون القول سهلاً ميسورًا لا يتعذر فهمه على قارئ يحب أن يستفيد، وأظن أن أحدًا من الأمة الإسلامية جميعاً لا يخالفني في أن يكون هذا المقياس هو كتاب الله نستقي من فيضه ونستمد من بحره ونرجع إلى حكمه.
يا قومنا..


إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول العقائد وأسس المصالح الاجتماعية، وكليات الشرائع الدنيوية، فيه أوامر وفيه نواه، فهل عمل المسلمون بما في القرآن فاعتقدوا وأيقنوا بما ذكر الله من المعتقدات، وفهموا ما أوضح لهم من الغايات؟ وهل طبقوا شرائعه الاجتماعية والحيوية على تصرفاتهم في شؤون حياتهم؟ إن انتهينا من بحثنا أنهم كذلك فقد وصلنا معًا إلى الغاية، وإن تكشف البحث عن بعدهم عن طريق القرآن وإهمالهم لتعاليمه وأوامره فاعلم أن مهمتنا أن نعود بأنفسنا وبمن تبعنا إلى هذا السبيل >


غاية الحياة في القرآن:


إن القرآن حدد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها فبين أن قومًا غايتهم من الحياة الأكل والمتعة، فقال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12).
و بين أن قومًا مهمتهم في الحياة الزينة والعرض الزائل فقال تبارك وتعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14).


وبين أن قوماً آخرين شأنهم في الحياة إيقاد الفتن وإحياء الشرور, أولئك الذين قال الله فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله ُلاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) (البقرة:204-205).


تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها وبرأهم منها وكلفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجباً أسمى ذلك الواجب هو: هداية الناس إلى الحق، وإرشاد الناس جميعًا إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام فذلك قوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78).


‏ومعنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة وإذاً فذلك من شأننا لا من شأن الغرب ولمدنية الإسلام لا لمدنية المادة.


وصاية المسلم تضحية لا استفادة:



ثم بين الله تبارك وتعالى أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع لله نفسه وماله فليس له فيها شيء وإنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس وذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) (التوبة:111).

وومن ذلك نرى المسلم يجعل دنياه وقفًا على دعوته ليكسب آخرته جزاء تضحيته
ومن هنا كان الفاتح المسلم أستاذاً يتصف بكل ما يجب أن يتحلى به الأستاذ من نور وهداية ورحمة ورأفة، وكان الفتح الإسلامي فتح تمدين وتحضير وإرشاد وتعليم، وأين هذا مما يقوم به الاستعمار الغربي الآن؟


أين المسلمون من هذه الغاية؟


فبربك ياعزيزي: هل فهم المسلمون من كتاب ربهم هذا المعنى فسمت نفوسهم ورقت أرواحهم، وتحرروا من رق المادة وتطهروا من لذة الشهوات والأهواء، وترفعوا عن سفاسف الأمور ودنايا المقاصد، ووجهوا وجوههم للذي فطر السموات والأرض حنفاء يعلون كلمة الله ويجاهدون في سبيله، وينشرون دينه ويذودون عن حياض شريعته، أم هؤلاء أسرى الشهوات وعبيد الأهواء والمطامع، كل همهم لقمة لينة ومركب فاره وحلة جميلة ونومة مريحة وامرأة وضيئة ومظهر كاذب ولقب أجوف؟
رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم وخاضوا بحار الجد دعوى فما ابتلوا


وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة).


الغاية أصل والأعمال فروع لها:



وبما أن الغاية هي التي تدفع إلى الطريق، ولما كانت الغاية في أمتنا غامضةً مضطربةً كان لابد من أن نوضح ونحدد، وأظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح واتفقنا على أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الإنسان.


مصادر غايتنا:



تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم، وتهب لإنفاذها في عزم وفي مضاء، لم يبتدعها الإخوان ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم، وتبدوا في غاية الوضوح في كل حديث من أحاديث الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتظهر في كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المثل الأعلى لفهم الإسلام وإنفاذ تعاليم الإسلام, فإن شاء المسلمون في أن يقبلوا هذه الرسالة كان ذلك دليل الإيمان والإسلام الصحيح، وإن رأوا فيها حرجًا أو غضاضةً فبيننا وبينهم كتاب الله تبارك وتعالى، حكم عدل وقول فصل يحكم بيننا وبين إخواننا ويظهر الحق لنا أو علينا: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين) (الأعراف:89).


__________________