عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 20-11-2006, 04:24 PM
مواطن مصري مواطن مصري غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: مصر
المشاركات: 166
إفتراضي

حسن البنا في التاريخ
بقلم: سيد يوسف - إخوان أون لاين - 19/11/2006 :

كثيرًا ما جذبتني تراجم العظماء من البشر لا سيما أفذاذ العرب، وخصوصًا سير المجددين منهم ففي الحديث الصحيح "إنَّ الله يبعث لهذه الأمةِ على رأس كل مائة سنة مَن يُجدد لها دينها"، ما بال هؤلاء؟ ما شأنهم؟ لِمَ اختصهم الله بهذه المكانة؟ ما خصائصهم النفسية؟ وقد شهد كثيرٌ من الفاقهين أنَّ الإمامَ حسن البنا كان على موعد مع هؤلاء، ولقد شهد له خصوم الإخوان بحسن خلقه ودماثته، ولين جانبه، وصفاء نفسه، وقوة إيمانه، ورجاحة عقله.



لقد وُلد الإمام حسن البنا في المحمودية بالإسماعيلية عام 1906م، ونمت معه منذ صباه المبكر الرغبة في الإصلاح على نهج الإسلام، فكان ثورة على كل مظاهر الفسق والتحلل، ففي المدرسة الإعدادية يثور عند رؤيته لتمثالٍ خشبي عار، معلق على سارية إحدى السفن الشراعية على شاطئ ترعة المحمودية، فيندفع الصبي الصغير بفطرته السليمة، إلى ضابط النقطة ليبلغه ما رآه معلقًا عليه باستنكار فيستجيب الضابط لتلك الغيرةِ المؤمنة، ويأمر بإنزال التمثال في الحال، وكان له ما أراد.



تأثَّر الشيخ حسن البَنّا بعددٍ كبيرٍ من الشيوخ والأساتذة، منهم والده الشيخ أحمد والشيخ محمد زهران- صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التي التحق بها حسن البَنّا لفترةٍ وجيزةٍ بالمحمودية- ومنهم أيضًا الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن "الجواهر"، ورأس تحرير أول جريدة أصدرها الإخوان المسلمون سنة 1933م.. ولقد أنشأ البنا رحمه الله فرعًا جديدًا في المكتبة الإسلامية والعربية يُسمَّى فقه الدعوة جذب إليه أذكياء القوم ليصنعوا بسيرتهم وأعمالهم رجالاً يحيون بالفكرة ويموتون في سبيلها من هؤلاء الشيخ محمد الغزالي، عبد القادر عودة، سيد قطب، سيد سابق، الدكتور مصطفى السباعى، عبد البديع صقر، كمال السنانيري.............................إلخ.



ومن مدرسة المعلمين في دمنهور ينتقل للقاهرة لينتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا، وقد تخرج فيها عام 1927م، وكان أول دفعته فعُيِّن معلمًا بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية، ثم نُقل سنة 1932م إلى القاهرة، وكانت فكرته على موعدٍ مع القدرِ فبعد إقامته بالقاهرة بعام واحدٍ أي عام 1934م انتشرت فكرة الإخوان فيما يزيد على خمسين بلدًا من بلدان القطر المصري، وقامت في كل بلدٍ من هذه البلدان تقريبًا بمشروعٍ نافع، أو بمؤسسةٍ مفيدة، ففي الإسماعيلية أسست مسجد الإخوان، وناديهم، ومعهد حراء لتعليم البنين، ومدرسة أمهات المؤمنين لتعليم البنات، وفي شبراخيت أسست مسجدًا، وناديًا ومعهدًا للبنين، ودارًا للصناعة يتعلم فيها طلبة المعهد الذين لا يستطيعون إتمام التعليم، وفي المحمودية- البحيرة- قامت بمثل ذلك فأنشأت منسجًا للنسيج والسجاد، إلى جوار معهد تحفيظ القرآن الكريم، وفي المنزلة- دقهلية- أقامت معهدًا لتحفيظِ القرآن، وقُل مثل ذلك أو بعضه في كل شعبةٍ من شُعب الإخوان المنتشرة من إدفو إلى الإسكندرية، وحين اشتدت المحنة والضغوط على الإخوان نقل الأستاذ البنا إلى قنا 1941م ثم ترك مهنة التدريس في عام 1946م ليتفرغ لإدارة جريدة الشهاب إلى أن اغتيل في 12 فبراير عام 1949م.



سماته


حسن البنا رجل أحسبه قضى شهيدًا اختاره القدر لمهمة حددها اجتهادنا في فهم الحديث الشريف ثم قبض شهيدًا- نحسبه كذلك ولا نُزكي على الله أحدًا- وتلك دومًا أهداف القدر مع العظماء كقطز وصلاح الدين وأشباههما, ولقد استبان لي من خصائص الشهداء بعض تلك السمات: الشهادة درجة ينيلها الله مَن يشاء من عباده وليست طلقة مدفع تُطلق من هنا أو من هناك يقول تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران:140)، وهؤلاء قومٌ لم يعجزوا حين لم يحصلوا- بعدُ- على الشهادةِ لم يعجزوا أن يعيشوا شهداء.. ولا عجب فلقد عاشوا عيشةَ الشهداء فاختصهم الله بميتةِ الشهداء فجمعوا بين الأفضلين فهنيئًا لهم، وتعسًا للعجزةِ والكسالى والمتقاعدين والمثبطين الجبناء، لقد وجدتهم ذوي أرواح يشع منها الإيمان ويفيض على الآخرين، قلوبهم ترمي بظلالها إلى هناك حيث الجنة، بإيمانهم وثقتهم في النصر يرون النصر بعيونٍ لا تراها غيرهم، همتهم عالية يكادون يُحطمون بها ظلم الليالي السوداء التي سودها الاحتلال بنجاسته وخسته وعملائه، يبذلون كل الغوالي لينصروا فكرتهم ودينهم: دين محمد صلى الله عليه وسلم.. في بسمتهم حين يموتون ما يخفف عن ذويهم ألم الفقد واللارؤية، يقذف الله في قلوب أعدائهم الرهبة منهم، شعارهم ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84).. يرفع الله بالشهداء جبهة الحق، ويجعل منهم منابر يُقتدى بها الآخرون، يبقى الشهداء في الدنيا لا يموتون، ولو قدر لهم أن يكلموا الأحياء لقالوا لهم: كلا كلا لم نمت ورب الكعبة إنما نحن الأحياء، لعلهم يقولون لنا: نحن نشفق عليكم فنحن بأرواحنا خالدون، ونراكم نيامًا لم تنتبهوا بعد، لعلهم ينادون علينا من حيث لا نسمعهم يقولون:

من كان يفظع طعم الموت في فمه *** فإنه في فمي أحلى من الشهد



أو يرددون مع المتنبى قوله:

إِذا غـامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ *** فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ *** كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ



ولعلهم لو قدر لهم أن يكلموا الأحياء لقالوا:

لا تقولوا لقد فقدنا الشهيد *** مذ طواه الثرى وحيدًا فريدًا

أنا ما مت فالملائك حولي *** عند ربي بعثتُ خلقًا جديدًا



فاصنعوا اليوم من شموخي نشيدًا

وفيما يخض البنا ها هنا فإن أفضل وصف قرأته عن هذا الرجل أنه "ملهم" وكأنَّ الله يُجري الحكمةَ على لسانه، ومن يؤتِ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.

__________________