عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-12-2006, 03:14 AM
جنات عدن جنات عدن غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
الإقامة: سينين/ العريش
المشاركات: 526
إرسال رسالة عبر MSN إلى جنات عدن إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى جنات عدن
إفتراضي

أقوال أخرى :
مع أن كثيراً من قصص القرآن مستعارة من الخرافات اليهودية، نكتفي بسرد قصة »هاروت وماروت« قبل أن ننتقل إلى الكلام على ما هو أهم من ذلك. ونوردها أولاً من القرآن والأحاديث، ثم ننقل ما ورد منها في كتب اليهود، ونقارنها بعد ذلك بما ورد في القرآن والأحاديث.
قال القرآن: »وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا. يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا فتنة فلا تكفر« (سورة البقرة 2: 102). وقد ورد في »عرائس المجالس« في تفسير هذه الآية:
»قال المفسرون إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة (وذلك في زمن إدريس النبي) عيَّروهم بذلك وأنكروا عليهم، وقالوا لله: إن هؤلاء الذين جعلتهم خلفاء في الأرض واخترتهم يعصونك. فقال تعالى: لو أنزلتُكم إلى الأرض وركَّبتُ فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم مثل ما فعلوا. قالوا: سبحانك ربنا ما كان ينبغي أن نعصيك. قال الله: اختاروا مَلَكين من خياركم أُهبِطهما إلى الأرض. فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم. قال الكلبي: قال الله: اختاروا ثلاثة منكم. فاختاروا عزا وهو هاروت وعزابيا وهو ماروت وعزرائيل. وإنما غيَّر اسمهما لما اقترفا من الذنب، كما غيَّر الله اسم إبليس (وكان اسمه عزازيل). فركَّب الله فيهم الشهوة التي ركبها في بني آدم وأَهبطهم إلى الأرض، وأمرهم أن يحكموا بين الناس بالحق، ونهاهم عن الشِّرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر. فأما عزرائيل فإنه لما وقعت الشهوة في قلبه استقال ربه، وسأله أن يرفعه إلى السماء. فأقاله ورفعه. وسجد أربعين سنة ثم رفع رأسه ولم يزل بعد ذلك مطأطأ رأسه حياءً من الله تعالى. وأما الآخران فإنهما ثبتا على ذلك يقضيان بين الناس يومهما، فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم، وصعدا إلى السماء. قال قتادة: فما مرَّ عليهما شهر حتى افتتنا، وذلك أنه اختصمت إليهما ذات يوم »الزهرة« وكانت من أجمل النساء. قال عليٌّ: كانت من أهل فارس، وكانت ملكة في بلدها. فلما رأياها أخذت بقلبيهما، فراوداها عن نفسها فأبت وانصرفت. ثم عادت في اليوم الثاني، ففعلاً مثل ذلك، فقالت: لا، إلا أن تعبدا ما أعبد وتصلِّيا لهذا الصنم وتقتلا النفس وتشربا الخمر. فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء، فإن الله قد نهانا عنها. فانصرفت ثم عادت في اليوم الثالث ومعها قدح من خمر، وفي نفسها من المَيل إليهما ما فيها، فراوداها عن نفسها فأبت، وعرضت عليهما ما قالت بالأمس، فقالا: الصلاة لغير الله أمر عظيم، وقتل النفس عظيم، وأهون الثلاثة شرب الخمر. فشربا الخمر فانتشيا ووقعا بالمرأة وزنيا بها، فرآهما إنسان فقتلاه.. قال الربيع بن أنس: وسجدا للصنم فمسخ الله الزهرة كوكباً. وقال عليٌّ والسعدي والكلبي إنها قالت: لا تدركاني حتى تعلّماني الذي تصعدان به إلى السماء. فقالا: نصعد باسم الله الأكبر. فقالت: فما أنتما بمدركيَّ حتى تعلمانيه. قال أحدهما لصاحبه: علِّمها، فقال: إني أخاف الله. فقال الآخر: فأين رحمة الله؟ فعلَّماها ذلك فتكلمت به وصعدت إلى السماء، فمسخها الله كوكباً«.
فإذا أخذنا في البحث والتحري عن أصل هذه القصة وجدناها في موضعين أو في ثلاثة مواضع من تلمود اليهود، ولا سيما في »مدراش يَلْكوت« (فصل 47) وهاك نص ترجمتها:
»استفهم تلاميذ يوسف الرباني من أستاذهم عن عزائيل، فقال لهم: لما قام جيل الطوفان (يعني القوم الذين كانوا موجودين في عصر طوفان نوح) ودانوا بالعبادة الباطلة، سخط عليهم القدوس تبارك اسمه. فقام مَلَكان »شمحزاي« و»عزائيل« وقالا بحضرته: يا رب العالم، ألم نقل لك بحضرتك لما خلقت عالمك: من هو الإنسان حتى تذكره؟ (مزمور 8: 4). فقال لهما: وأما العالم فماذا يحصل له؟ فقالا له: يا رب العالم نتسلط عليه. فقال لهما: إنه مكشوف ومعلوم بأنه إذا تسلطتم على الأرض تتسلط عليكم الشهوة الردية، وتكونون أكثر من بني آدم عناداً. فقالا له: ائذن لنا أن نسكن مع الخلائق، وترى كيف نقدس اسمك. فقالا لهما: اهبطا واسكنا معهم. فنظر شمحزاي صبية واسمها إسطهر (أستير) فشخص وقال لها: أطيعيني. فقالت له: لا أصغي لك ما لم تعلمني الاسم المختص (بالله) الذي في ساعة ذكرك إياه أصعد إلى الفلك. فعلمها إياه، فذكرته وصعدت إلى الفلك أيضاً ولم تدنِّس عرضها. قال القدوس تبارك اسمه: بما أنها نزهت نفسها عن التجاوز فاذهبوا واجعلوها بين السبعة الكواكب لتكونوا طاهرين من جهتها إلى الأبد. فوُضعت بين الثريا. وتنجَّسا مع بنات آدم اللواتي كنَّ جميلات ولم يقدرا على قمع شهوتهما، فقاما واتخذا زوجات وولدا ولدين (هوآء) و(هيآء). فاستعان عزائيل بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء المبهرجة على إغواء بني آدم وإغرائهم على اقتراف التعدّي. (ومما يجب التنبيه إليه أن عزرائيل الذي تقدم ذكره في الأحاديث المذكورة آنفاً هو ذات عزائيل المذكور في التلمود).
ومن قارن هاتين القصتين يرى أنهما قصة واحدة. غاية الأمر أن الحديث قال إن الملاكين اللذين أخطئا هما هاروت وماروت، مع اعترافه بأنهما كانا يسميان في الأصل باسمين آخرين. أما في »مدارش يلكوت« فتسمَّيا بشمحزاي وعزائيل. ولكن إذا سأل سائل: مِن أين استُعير الاسم الوارد في القرآن والأحاديث؟ قلنا: إننا نرى بعد التحري أن هاروت وماروت هما اسما إلهين قديمين كاذبين كانا يعبدهما الأرمن في الأزمنة القديمة. وقد ذكر مؤرخو الأرمن أن الأرمن كانوا يعبدون إلهين اسمهما باللغة الأرمنية »هوروت وموروت« وهاك نص عبارة أحد مؤرخي الأرمن:
»هوروت وموروت كانا بلا شك من أعوان الإلهة »اسبانداراميت« وهما بطلا جبل »مازيس« و»أمينابيغ« أيضاً. وربما كانت توجد آلهة أخرى لا علم لنا بها إلى الآن، وكانوا من أعظم المساعدين على تقوية الأرض وجعلها مخصبة كثيرة الكسب«.
ولإيضاح هذه الجملة نقول إن »اسبانداراميت« كانت الإلهة التي عبدها الفرس أيضاً لأن »الزردشتيين« كانوا يعتقدون أنها روح الأرض، وأنها سبب كل ما نبت على الأرض من المحصولات الطيبة والأثمار اليانعة. وكان سكان أرمينيا يسمون إله الكروم »أمينابيغ« وقالوا إن هوروت وموروت هما الإلهان المساعدان لإلهة الأرض إذ توهموا أنهما الروحان المتسلطان على الرياح، وهما اللذان يحملان ويسخران الرياح التي كانت تجمع السحاب الذي يأتي بالمطر ليصدم قمة جبل أراراط الشامخة فتهطل الأمطار على الأرض، وحينئذ تقوى الأرض على إنبات النباتات وإخراج المحصولات.. فيتضح من هذا أن هوروت وموروت كانا في الأصل روحين للرياح، ومما يؤيد ذلك أن كثيراً ما ذكر في كتب الهنود القديمة كلمة »المرتون«. فإن قدماء الهند كانوا يعتقدون أنهم آلهة الزوابع القاصفة والرياح العاصفة. وبناءً على ذلك انتقلت كلمة »مرت« إلى اللغة الأرمنية وصارت »موروت«. فتوهَّم الأرمن أن موروت مشتقَّة من كلمة »مور« باللغة الأرمنية، وهي مضاف إليه لكلمة معناها »أم« ثم وضعوا لفظة »هور« في مقابلة كلمة »مور« لحصول المناسبة، فإن معنى »هور« بلغتهم مضاف إليه لكلمة معناها »أب«. وبهذه الكيفية صاغوا كلمة هوروت وموروت. وهذا هو أصل وضعهما ومنشئهما. فيكون المقصود من قوله إن هذين الملكين هبطا من السماء ومالا إلى التناسل أن هذين الروحين اللذين في قبضتهما الرياح ساعدا الأرض على إنبات المحصولات وإخراج الثمار بتسخيرهما الرياح التي كانت تسوق سحب الأمطار.
أما »اسطهر« وهو اسم الصبية الواردة في القصة اليهودية فهي ذات »عشتاروت« إحدى الآلهة الكاذبة التي كان يعبدها عبَدة الأصنام القدماء، وهي الزهرة، أي الكوب السيار التي ورد اسمها في الأحاديث التي ذكرناها آنفاً. وكان أهل بابل في قديم الزمان يعتقدون أن هذا الكوكب السيار إلهة، فكان كل سكان بابل وسوريا يعبدونها، لأنهم زعموا أنها رئيسة التوليد وإنتاج الذرية، وتوهموا أيضاً أنها كانت تفرح من كل أنواع الفسق والفجور. ووجدت كلمة »أشتر« وهو اسمها منقوش في قوالب أجر قديمة اكتُشفت في بلاد ما بين النهرين، ووجدت كتابة منقوشة بالأحرف الأشورية الأثرية القديمة على قوالب اللِّبن المشوي، فإن بعض هذه القوالب كانت عند القدماء بمنزلة كتبهم، ووُجدت فيها روايات كثيرة عن »أشتر« أي الزهرة. وهاك ترجمة قصة منها، تُرجمت من اللغة البابلية القديمة، فأفادتنا عن شخص وهمي لا وجود له اسمه »جلجميش« عشقته »أشتر« ولكنه لم يمل إليها:
»لبس جلجميش تاجه. ولما أرادت الإلهة أشتر أن تستميله إليها قالت له: قبِّلني يا جلجميش، ويا ليتك تكون عريسي. أعطني ثمرك عطية، وليتك كنت بعلي وأنا زوجة لك فكنت أركب عربة من لازورد وذهب وعجلتاها من ذهب وعريشاها من الماس، وكنا نقطر البغال العظيمة إليها يوماً. فادخل إلى بيتنا مع عطر السرور. غير أن جلجميش استهزأ بأشتر وأنَّبها ولم يرضَ أن يتخذها زوجة له«. ثم ذكر في هذه القوالب باقي القصة ونصها:
»فاغتاظت الإلهة أشتر وصعدت إلى السموات ومثلت أمام الإله أنو«. وهو إله السماء الذي كان يعبده البابليون، وكانوا يعتقدون أن اشتر هي ابنته.
من الواضح أن هذه القصة القديمة المتداولة بين عبدة الأصنام البابليين ذكرت صعود »أشتر« (أي الزهرة) إلى السماء، كما ذُكر صعودها في الأحاديث الإسلامية وفي التفسير اليهودي الذي استشهدنا بعبارته. وليس ذلك فقط بل ورد في الكتاب الهندي المكتوب بلغة سانسكريت القديمة واسمه »المهابهارته« ما يشبه هذه الخرافة، إذ قيل فيه إن روحين اسمهما »سُند« و»أُبْسُند« نالا في قديم الزمان من الإله »برهما« فضلاً واستحقاقاً بواسطة تقشفهما وزهدهما. فتسلطا على السماء والأرض واستوليا عليها استيلاء. فداخل هذا الإله الجزع لئلا تخرج جميع أملاكه من يده ما لم يقتل خصميه اللذين شاطراه الملك. وليتوصَّل إلى إهلاكهما خلف حورية اسمها »تلوتما« ووهبها لهما. ولما شاهدها هذان الأخان أخذها »سند« من يدها اليمنى وأخذها »أبسند« من يدها اليسرى، ورغب كل منهما أن يتَّخذها قرينة له. فنشأ عن ذلك بين الأخين العداوة والبغضاء، واستفحل الشر حتى اقتتلا فقُتلا، فبارك الإله »برهما« الحورية »تلوتما« وأثنى عليها ثناءً جميلاً، وقال لها: ستحيطين بجميع الدنيا التي تشرق عليها الشمس، ولا يمكن لأحد أن يفتح عينيه فيك لعظم بهائك وسنا أشعة زينتك وتفوُّق جمالك الرائع الباهر. (كتاب »المهابهارته« في باب رواية »سُند وأُبسند وباكهيانم« أي قصة سند وأبسند).
فنرى أنه ورد في هذه الخرافة ذكر الصعود إلى الفلك، والحورية التي كان جمالها رائعاً وباهراً، ولو أنها تختلف اختلافاً قليلاً عن الزهرة وأشتر، فالزهرة أشتر (حسب الرواية اليهودية والأحاديث الإسلامية) كانت على الأرض قبل صعودها إلى الفلك. ولكنها حسب الرواية الهندية البابلية كانت ذات صلة بالسماء من أول الأمر، لاعتقادهم أن أشتر كانت إلهة، وكذلك »تلوتما« الحورية. وهنالك اختلاف آخر وهو أن الروحين في الرواية الهندية اللذين عشقاها كان أولاً على الأرض، ولكنهما في الرواية اليهودية والإسلامية هبطا من الفلك. وقال الهنود إن هذين الأخين تناسلا من إلهة اسمها »دتي« فيكون أصلهما حسب الرواية الهندية أيضاً من السماء. والحاصل أن جميع هذه القصص تشبه بعضها من وجوه كثيرة، وكانت سائدة بين الوثنيين في الأزمنة القديمة.