عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-07-2003, 08:34 PM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء الثالث..

شؤم الأحداث الأخيرة في المملكة العربية السعودية..

إن ما حصل من تفجيرات في الرياض، في الحادي عشر من شهر ربيع الأول، 1424هـ ـ 12 من شهر مايو 2003م وما تم اكتشافه بعد ذلك في كل من المدينة ومكة، أمر خطير لا يليق أن يتعاطاه المسلمون..

وذلك للأمور الآتية:

الأمر الأول: أن فيه إخلالاً بأمن بلد إسلامي، وإخافةً لسكانه الذين لم يألفوا هذا العنف في منازلهم وأسواقهم وسبلهم...

الأمر الثاني: أن فيه إزهاقَ دماءِ مسلمين معصومين بغير حق، ومعلوم هو تحريم قتل المسلم بغير حق، في القرآن والسنة وعليه إجماع المسلمين، ومعلوم كذلك إثمه العظيم، الذي قال الله تعالى فيه: (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [النساء: 93].

الأمر الثالث: أن الله تعالى شرع حرمة بيته الحرام الذي دعاه خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، أن يجعله موضعاً يأمن الناس فيه فلا يخيفهم عدوان معتد..

كما قال تعالى: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) [البقرة:126].

وقد استجاب الله دعاءه، كما قال تعالى: (( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )). [آل عمران: 97].

وامتن تعالى على المشركين بتمكينهم من العيش في المسجد الحرام، آمنين من الاعتداء عليهم، لما خصه به من الاحترام والهيبة في نفوس الناس، وقد كان مَن حولهم من العرب لا يأمنون على أنفسهم وأهليهم وأموالهم.

كما قال تعالى: (( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )). [القصص: 57].

وقال تعالى: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ )). [العنكبوت: 67].

ويجب أن يعلم الشباب المسلم الذي يقوم بهذه التفجيرات في البلدان الإسلامية، وبخاصة أرض الحرمين الشريفين، أن أعداء الإسلام وأعداء هذه البلدان من داخلها وخارجها، قد يغتنمون الفرصة، ويشعلون نار الفتنة، بالتفجيرات والاغتيالات، للإخلال بأمن الأمة وتشويه الإسلام، بنسبة فسادهم إلى الشباب المسلم، وهذا يوجب على الشباب المسلم الحذر، وسد باب الفتن.

ولقد تسببت التصرفات التي لم تستند إلى دليل شرعي ومشورة موفقة في كوارث ومصائب عادت على الدعوة الإسلامية بخسائر فادحة، ومن أمثلة ذلك ما حصل قبل عشرين عاماً في المسجد الحرام من انتهاك لحرمته، واعتداء على نفوس مسلمة محرمة، بناء على تخرصات كاذبة ادعى فيها بعض الناس أنه المهدي المنتظر، وشاعت الدعوى بين الشباب المسلم الذي سارع في تصديقها.

وانتشرت أخبار رُؤىً شيطانية تؤيد تلك الدعوى، كانت عواقبها وخيمة، في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، حيث وقفت أمام الدعوة الإسلامية ودعاتها عقبات جديدة أضيفت إلى ما سبقها من عقبات لم يخل طريق الدعوة منها منذ نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم...

وإن الأمر ليهون عندما تقف العقبات أمام هذه الدعوة، بغير تسبب ممن ينتسب إليها، بخلاف ما إذا حدثت من قِبَل هؤلاء، فإن ذلك يُجِّرئ عليها أعداءها من الكفار خارج الصف الإسلامي، ومن المنافقين الذين يندسون في هذا الصف في الداخل مخادعين بذلك الله ورسوله والمؤمنين، ويتخذون ذلك مسوغاً للمزيد من محاربتها، كما هو الحال اليوم كما هو بين واضح.

ست مسائل يجب على الشباب المسلم فقهها..

المسألة الأولى:
عندما يقال: إن جهاد الطلب فرض كفاية، فإذا لم تقم به طائفة كافية أصبح فرض عين على جميع المسلمين، حتى يوجدوا طائفة كافية للقيام به.

هذا حق، وهو الذي قرره جماهير علماء الإسلام في تفسير القرآن الكريم، وفي شروح الحديث الشريف، وفي كتب الفقه... وقد فصلت ذلك في كتاب "الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته"..

ولكن هذا الحكم وغيره من أحكام الشريعة متوقف على "القدرة الشرعية" فإذا عجز المسلم أو المسلمون عن القيام بالحكم الذي هو فرض عين عليهم، سقط عنهم القيام به مؤقتاً، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها... ويجب عليهم في مسألة الجهاد أن يعدوا العدة التي تمكنهم من إرهاب عدو الله وعدوهم...

وإنما قلت: "القدرة الشرعية".. للتنبيه على فهم ـ نظريٍّ أو عملي ـ منتشرٍ بين الشباب المسلم، وهو أن مجرد حصول القدرة على الفعل يجعلها شرعية يترتب عليها القيام بالفعل، بدون دراسة وتأمل لما قد يترتب على ذلك، من فوات مصالح أو جلب مفاسد، وهذا فهم غير صحيح يجب بيانه.

فليست "القدرة الشرعية" هي مجرد القدرة على الفعل، لأن مجرد القدرة على الفعل، قد يترتب عليه تفويت مصالح أعظم من مصلحة الفعل، أو حصول مفاسد أعظم من المفسدة التي تحققت بالفعل، وهذا يجعل الفعل محظوراً في الشرع، وتكون القدرة عليه غير شرعية في الحقيقة.

فقد كان المسلمون في مكة قادرين ـ من حيث مجرد الفعل ـ على رد عدوان المشركين عليهم، بالمقاتلة والاغتيالات ونحوها، ولكنهم لو فعلوا ذلك لترتب على فعلهم من المفاسد ما لا يحصى..

ومن ذلك على سبيل المثال:
( 1 ) وجود مجازر في كل حي وفي كل منزل من أحياء مكة ومنازلها، لأن المسلمين كانوا – مع قلتهم - مختلطين بأقاربهم وسادتهم، وقد يقف بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم بعض عشيرته، فتقوم معارك بينهم وبين بقية القبائل القرشية، فيصبح القتال والأخذ بالثأر، هو شغل أهل مكة الشاغل، وستتوقف الدعوة..

وفي ذلك تنفير للناس من دعوة غريبة محاربة، بزغ ضياء شمسها في الأفق، إذ سيقول أعداؤها - إضافة إلى ما اتهموها به واتهموا به رسولها وأصحابه -: إنها دعوة حرب وعنف وسفك دماء، وفي ذلك ما فيه من التنفير عن هذه الدعوة.

( 2 ) القضاء على الدعوة الإسلامية العالمية في مهدها، بالقضاء على العصبة المؤمنة القليلة العدد، الفاقدة القوة، بين الكثرة الكاثرة من المشركين، الذين يملكون مع كثرة عددهم القوة التي تتيح لهم استئصال المسلمين.

ومعلوم أن لله تعالى سنناً شرعية مربوطة بسنن كونية طبيعية، فمن سننه الشرعية الجهاد في سبيل الله، ومن سننه الكونية الطبيعية التي يرتبط بها الجهاد، وجود القدرة، وهي تتمثل في العدد المكافئ من المجاهدين، وفي العُدَّة المؤهِّلة للقيام بالجهاد.

ولهذا كان للعدد وللعدة اعتبارهما في حكم الجهاد، كما قال تعالى في العدد: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) [الأنفال: 65-66]

وكان للقوة اعتبارها كذلك، كما قال تعالى: (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ )) [الأنفال: 60].

فإذا قل عدد المسلمين أمام عدوهم قلة تتيح للعدو استئصالهم، سقط عنهم جهاده مؤقتاً، حتى يكون عددهم مناسباً لتكليفهم بقتاله، وإذا لم تكن عُدَّتهم مناسبة لوقوفهم أمام عدته، سقط عنهم جهاده حتى يعدوا له العدة التي تتيح لهم الوقوف أمامه.

ولهذا شرع الله لهم التحيز إلى فئة منهم.. كما قال تعالى: (( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) [الأنفال: 16].

ولا يشترط أن تكون الفئة التي يتحيز إليها المجاهدون المسلمون قريبة منهم في أرض المعركة، بل قد تكون فئتهم الإمام الأعظم ومن معه من مسلمين، ولو بعدوا عن أرض المعركة.

كما في حديث عبد الله بن عمر قال:
"كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا، ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله ، فإن كانت له توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة..

فخرج فقال: ( من القوم؟ ) قال فقلنا: نحن الفرارون. قال: ( لا بل أنتم العكارون، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ) قال: فأتيناه حتى قبلنا يده".. [مسند الإمام أحمد، برقم (5384) وسنن أبي داود، برقم (2647) وسنن الترمذي، يرقم (1716) وحسنه. ومعنى "العكارون: العطافون"].

[يراجع تفسير الآيتين في كتب التفسير، ومنها "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (4/27) دار طيبة للنشر والتوزيع].

وقد كان بعض الصحابة يتحرقون شوقاً إلى مجاهدة المشركين الذين اشتد أذاهم عليهم، فلم يأذن الله تعالى لهم بالقتال، وهو العليم الحكيم.

قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً )) [النساء: 77].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:
"كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة.. وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم.

ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة، منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار.
__________________
الأهدل