عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 05-03-2003, 03:22 AM
منال درويش منال درويش غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 399
إفتراضي تابع المقال

ثانياً :
الشباب والقضايا المعاصرة :
الشباب هم الفئة الأكثر تقلباً وتطوراً داخل المجتمع كما يقول البعض - إن الشباب هم النواة الحقيقية للمستقبل القادم والذي على أساسه تتحدد حضارة هذا المجتمع وتقدمه وتطوره ، وكلما كانت هذه النبتة معدة الإعداد السليم ومهيأة لدخول غمار الحياة بكل مرادفاتها الصعبة وبعضها المستحيل ! سيكون المستقبل أكثر إشراقا ووضوحاً .
وهذه الفئة من المجتمع بطوله وعرضه تحتاج منا الكثير من الفهم والإدراك حتى يتم احتواءها الاحتواء الأمثل في إطار من المسئولية تجاه مستقبل أجيال قادمة ، فإذا صلحت البذرة نبت العود قويا ممتد الجذور في الأرض لا تدركه الرياح ولا تلوى عنقه العواصف .
وإذا حاولنا بطريقة منظمة الوصول إلى فهم كيان هذا الجيل المزدحم التراكيب الإنسانية والمشاكل المادية من خلال معرفة خصائصه وأفكاره التي يحملها أو حتى التي يتبناها فإننا قد نصدم للوهلة الأولى- لأننا نجد أنفسنا أمام جيل غير متزن الأفكار ، مضطرب المشاعر متأثر وبشكل واضح بما يحمل له الغرب من أفكار عبر وسائل الأعلام المختلفة وشبكات الإنترنت ، والتي نجح فيها الغرب وبشكل هائل في بث أفكاره المسمومة وترويجه لفكره الذي يسلخ هذا الجيل من جلده ويحوله إلى تابعٍ له غير مدرك لوقع تلك التبعية عليه وعلى أمته !! مستخدما فيها وازع الإغراءات المادية والحياتية التي قد تعجب ويتأثر بها أيما تأثير الشباب وخاصة في تلك المرحلة العمرية التي يتهيأ فيها الشاب أو الفتاة لتكوين معنى خاص به وبمستقبله وتزداد الصدمة وقعاً وتأثيراً عندما نجد أن أقصى الاهتمامات التي يشغف بها هذا الجيل هي ابعد ما تكون عن روح المواطنة والانتماء حيث يكون مثله الأعلى الغرب دائما في كل واردة أو خاطرة أو شاردة تلم به أو بالوطن الذي يحيا فوقه والغريب في ذلك أن هذا الفكر المنتمى والموالى للغرب لم يكن لشبابنا الدخل الأكبر فيه ولا في ترويج أفكاره بل المشكلة فينا نحن ذلك الجيل القديم الذي نسى فتناسى فلم يُذَكِر!! فما هو المطلوب من جيل تربى على أفكار غربية وأكل أطعمة غربية ونطق بحروف غربية واستخدم أجهزة للاتصال أيضا غربية المنشأ بل ويشعر انه تابع للغرب في كل شيء دون إرادة منه !!
إن ابتعاد جيل الشباب عن القضايا المعاصرة واتخاذه الجانب السلبي في إدارة أية مناقشات تدور حول مشكلة ما تلم بالوطن أو بمجريات الأحداث التي تمر بالأمة العربية على وجه الخصوص وبالعالم على وجه العموم يرجع أساسه إلى تربية وتنشئة خاطئة قام بها الجيل القديم تجاه هذا الجيل المغلوب على أمره (جيل الشباب) حيث:
- علَّمه دون قصدٍ منه كيف يكون سلبياً في مجتمعه بعد أن سلب منه حقه في الرأي وفي العيش الكريم والعمل .
- لم يحدد له طريقاً بعينه ولا خطةٍ يسير على هداها كي يكونُ جيلاً واعياً بتاريخه وثقافته .
ولن نستطيع أن نعلق كل أخطاء جيل الشباب على من سبقوه من أجيال لان هذا الجيل (جيل الشباب) يمكن أن يكون له دورٌ إيجابي في محاولة إنقاذ هويته من الضياع والغربة التي قد يشعر بها داخل وطنه ما دام قادراً على إدارة جهاز الحاسب والدخول على شبكة الإنترنت لاكتشاف كل ما هو جديد وغريب في العالم ، فهو قادر على إدارة نفس الجهاز والدخول على الشبكة لمتابعة مجريات الأحداث الجسام في الأمة العربية بل وقراءة تاريخه وتاريخ حضارته الإسلامية على مر قرون من الزمان والقيام بدور فعال فيها مدركاً ما تعاني منه الأمة من تداعيات وضغوطات تتطلب منه أن يكون أكثر وعياً وإدراكا .

إنه جيل وجد فاقد الهوية ممسوخ الكيان فلم يجد من يمد له يد العون ويرشده إلى الطريق القويم والمنهج الصحيح في مسار حضارة عاشت أربعة عشر قرنا من الزمان لم يهتز عرشها إلا في عهدنا نحن الذين أصبحنا كغثاء السيل لا يغنى ولا يسمن من جوع ، وبعد كل تقصير منا وقصورٍ في إدراكنا لما نحن بصدده من مشكلاتٍ جسام تتطلب منا الوقوف والتفكر كثيراً في صمت لمعرفة لم نحن وصلنا وأجيالنا المعاصرة إلى ما وصلنا إليه من انحدار فكرى وثقافي بل و انحدار خلقي أيضاً نجد الأفواه تنعق هنا وهناك بان الحل في جعبة الغرب !!
وكأن الغرب صار الأب غير الشرعي للإنسان العربي المسلم !!
وتنادي الأفواه بالخروج من إطار الدين اصل الحياة إلى الدنيا أصل الوجود ويالها من فكرة تدعو إلى الدونية والتوحش والخروج عن أصل الكون الذي أسسه الله على أساس عبادته و إطلاق روح الدين في كل تعامل بين البشر بعضهم ببعض و إلا لما نجح محمد ٌ صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها بروح الدين برغم انهم كانوا الأفقر مادياً والأقل تطوراً من الناحية الدنيوية بالنسبة لممالك اجتازوها بل أخضعوها ( كالروم والفرس ) لكنهم كانوا الأكثر سموا ورقياً بدينهم و قرآنهم وعبادتهم لله الواحد القهار فلم يهزمهم سيف ولم تذلهم قوة لان قوتهم كانوا يستمدونها من روح هذا الدين الذي طال الدنيا شرقا وغربا وكان الأسرع انتشاراً كفكر وعقيدة على مر العصور وسيبقى إلى أن تقوم الساعة رغم انف الحاقدين ودعاة دنيا بلا دين .
وكما قال الاستاذ محمد شاويش في مجلة المجتمع الكويتية : ((إن المراقب الخارجي لمجتمعنا يذهله أن المبادئ المعلنة لهذا المجتمع مبادئ الإسلام هي مبادئ نهضوية حضارية كافية لبناء مجتمع صحيح يتناقض كل التناقض مع المجتمع القائم الآن، فما الأمر إذن؟ ما هذا السر الغريب الذي يجعل هذه المبادئ الحضارية النهضوية بعيدة عن التأثير في الفرد؟ لماذا يؤمن المسلم نظرياً بمبادئ توجهه إلى "السلوك العالي"، ولكنه يسلك "سلوكاً منحطاً"؟!
أزعم أن الطبيعة العامة للسلوك النهضوي الحضاري المطلوب معروفة عند المسلم، ولكنها معرفة غير فاعلة، معرفة لا تسيّر السلوك، فهي مثل معرفة الطالب بضرورة الاجتهاد حين يسلك سلوكاً كسولاً معاكساً لما يعلم أنه هو المطلوب والصحيح! بل إن الذي يتحدث بلسان التغيير يكون عرضة للسخرية! وقد يوصف "بالمزايدة"، فإن حاول تطبيق ما يدعو إليه من سلوك في وسطه المحيط في السكن أو العمل أو العائلة سخر منه المجتمع ووصف "بالحنبلية"!))(1)
وخلاصة القول أن حالة الاغتراب التي يعيشها شبابنا سواء في الداخل أو الخارج دون أن يعي معنى حضارته السامية ( الحضارة الإسلامية ) وفي ظل هجرة البعض الآخر خارج الوطن بحثاً عن لقمة العيش وهو غير مهيأ من الناحية النفسية للصمود أمام التحديات التي تواجهه و الإغراءات التي تنتظره نجده يعود مستسلماً رافضا أي كيان يروج لفكرة الانتماء لوطنه أو المكان الذي ولد فيه الآباء والأجداد ، عازفاً عن ممارسة حقه في الرأي أو النهوض بمجتمعه على اعتبار انه ابن الغرب الذي وجد رغم انفه في الشرق منسلخاً بذلك من كيانه الأصلي متحدياً حضارة بقيت قروناً طويلة مستغرباً أن تستطيع تلك الحضارة أن تعيد نفسها مرة أخرى في ظل الهجوم الغربي الإعلامي والفكري والثقافي .
نحن لسنا ضد الغرب بالكلية ،، لكننا ضد أن نأخذ منه الغثاء فقط ، ضد أن نكون تابعين له منتمين لفكره ولدينه فكر ساق العالم قرونا بأسرها ، لسنا ضد الحضارة الغربية التي تخدم الإنسانية ولكننا ضد الترهات الفارغة والأفكار العقيمة التي نأخذها منه ، نحن لسنا ضد التقدم والتطور ولكننا ضد اختزال التفاهات والرذائل الغربية والتأثر بها في الشكل لا المضمون نحن ضد هذا وغير ذلك نحن نرحب به كي نستفيد ونطور أنفسنا لنبني حضارة قائمة على منهج علمي وتكنولوجي ، لكن أن نأخذ منه الغثاء والفكر العقيم فهذا لن يفيدنا ولن يفيد شبابنا
ومن يروج لهذا النوع من الانتماء للغرب بدعوى الحرية والتحرر نقول له هيهات ، فهذا الانتماء للغرب زائف كالعملة الزائفة التي لا تحمل قيمة ولا قيما ولن يدرك شبابنا ذلك إلا بنهضة دينية تصول وتجول العالم بأسره مستعيدة ماضي أجدادنا من الصحابة والتابعين لرسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وكما قال "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم الدين" …

إن المتغيرات العالمية التي تمر بنا في هذه الأيام وتؤثر تأثيراً بالغاً في حياة امتنا ومستقبلها تتطلب منا أن نبذل قصارى جهدنا كي نرسخ فكرة الانتماء وعودة الهوية لأجيالنا الحاضرة والمستقبلة منها .
و لكي نصل إلى المفهوم الحقيقي الراسخ في نفوس أبنائنا وبناتنا لابد من ترسيخه في عقولهم وقلوبهم منذ نعومة أظفارهم وحثهم على قراءة تاريخهم وتاريخ الأمم من حولهم ودراسة كل ما يؤصل فكرة الانتماء الديني أولاً داخل صدورهم ومن ثم نصل بهم إلى سبيل النجاة حتى لا يصبح الشباب فريسة سهلة لأعداء الأمة و أعداء البشرية .




هامش
(1) محمد شاويش-"نحو تحول حضاري جذري" (2من 2) ضوابط النهضة المنشودة-مجلة المجتمع الكويتية-العدد1529-
__________________
تصاريف درب الهوى مرةٌ .....وأكثر منها صروف الحياة
http://abersabeel.maktoobblog.com
الرد مع إقتباس