عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 06-11-2004, 07:39 PM
ابن الأمل ابن الأمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2004
الإقامة: مصر
المشاركات: 46
إفتراضي ليلة القدر دروس وآثار فى ميزان الإسلام

بسم الله الرحمن الرجيم
إخوانى جميعا سلام الله عليكم ورحمته وبركاته بداية أهنئكم بهذه الأيام المباركة وأعتذر منكم عن غيبتى الطويلة غير أنى أتعشم أنكم تعلمون مدى صعوبة الدراسة فى الأزهر الشريف إلا أن هذه الصعوبة لم تكن أبدا لتمنعنى من أشارككم فرحة هذه الأيام المباركة فأحببت أن أشارك بهذه السلسلة وهى وإن كانت طويلة نوعا إلا أن تقسيمها إلى أربعة موضوعات يجعل منها ما أتعشمه من أن تكون سهلة المنال لا مملة لا قليلة النفع وسأبدأ سريعا كى لا أطيل عليكم
( 1 )
فى دروس ليلة القدر

الدرس الأول / عدم التلاحى :-

سبق فى سبب إخفاء ليلة القدر حديث الإمام البخارى عن عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال : خرج النبى صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال (( خرجت أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة )) وهو عند مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر فى أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها فى العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد ثم خرج على الناس فقال (( يا أيها الناس إنها كانت أبينت لى ليلة القدر وإنى خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها فى العشر الأواخر من رمضان ))...... ) الحديث فيبين من هذا أن سبب رفع ليلة القدر أى رفع تحديد ليلتها كان تلاحى رجلين من المسلمين هذا وربما كانت هناك أسباب أخرى إلا أن هذا السبب يبقى هو السبب المباشر فى رفعها فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( وعسى أن يكون خيرا لكم )) قلت أن تصادف وجود الخير لا ينفى كون التلاحى شرا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (( فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان )) والشيطان لا يأتى إلا فى الشر
ويلاحظ أن تلاحى الصحابيين لم يكن كما فى يومنا هذا وإنما هما كانا يتطالبان حقوقهما وإن داخل ذلك الغضب والعصبية فلم يكن فى الصحابة رضوان الله عليهم فحاشا ولا لعانا فكيف بنا فى زماننا هذا وما يحدث بيننا من تلاحى قد يصل فى كثير من الأحيان إلى الدماء وكيف لا نستحى وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول (( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر
ولأهمية ذلك الدرس أحب أن أسرد بعضا من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه
قال صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) وقال (( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )) وقال (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم )) وقال (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) وقال (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ))
فهذا كله والله مما ينقصنا فى هذه الأيام اللعينة أيام الفتن التى أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللسان فيها كالسيف فسبحان الله ما أصدق رسول الله

وخير ختام لهذا الدرس هو بعض آيات من كتاب الله تعالى فيه

(( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )) ( * آل عمران 103 ) (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ( * المائدة 2 ) (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )) ( * المائدة 54 ) (( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم )) ( * الأنفال 1 ) (( هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين () وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) ( * الأنفال 62،63 ) (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) ( * الفتح 29 ) (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) ( * الحجرات 10 ) (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) ( * الحجرات 11 )

الدرس الثانى / تحقيق غرض رسول الله صلى الله عليه وسلم :-

كان من حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وإرادته الخير لها حثهم على أن يتعرضوا لنفحات ربهم فى أيام دهرهم وليس فى أيام الدهر ما هو أفضل من شهر رمضان الذى أنزل فيها القرآن ولذلك فقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يضيع المسلمون هذه الأيام فحثهم على الإجتهاد فيها فى العبادة ثم كان فى هذا الشهر الكريم ليلة هى خير من ألف شهر فرأى أصحابه على استعداد لأن يبذلوا ما يفوق طاقتهم من العبادة فى هذه الليلة فأحب صلى الله عليه وسلم ألا يقصروا هذا الجهد على ليلة واحدة فقط ولقد كانت هذه أيضا إرادة الله عز وجل فقد نسى رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة بعد أن أبينت له فقال (( وعس أن يكون خيرا لكم )) وهذا طبيعى جدا أن تتوافق الإرادة الإلهية مع الرغبة المحمدية فليس أحن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هذين العظيمين ويدل على ذلك حديث مسلم عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (( التمسوها فى العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقى )) وهو واضح فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنها فى السبع البواقى ولكنه أمرهم بالتماسها فى العشر جميعا وفيه أيضا أن غرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حثهم على الإجتهاد وترغيبهم فيه إذ نهاهم صلى الله عليه وسلم عن الإجتهاد فوق طاقتهم إلى الحد الذى يعجزهم ويضعفهم وقد يقول قائل قد لعنه الله أنه بهذا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كاذبا يعمم لأصحابه ما يعلم تخصيصه والجواب على مثله أن كون تلك رغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضى كونه عالما بتحديدها فقد سبق ان قلنا أنه صلى الله عليه وسلم كان خارجا ليخبرهم بها فرفعت فنسيها صلى الله عليه وسلم كما أنه فى الحديث السابق لم يخفى عن أصحابه كونها فى السبع البواقى ولم يكتف بتعميمها فى العشر الأواخر وكان قوله صلى الله عليه وسلم هذا كفيلا بإعلامهم بأنها فى السبع البواقى فشئ كهذا لم يكن ليخفى عليهم

لكل ذلك يجب علينا أن نراعى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ونكون كما كان ديدنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فى رمضان أكثر من اجتهاده فيما سواه وكان اجتهاده فى العشر الأواخر منه أكثر من اجتهاده فيما يسبقها من الأيام

الدرس الثالث / مساعدة الزوجة لزوجها ومساندتها له :-

رأينا ما فعلته أم المؤمنين خديجة رضى الله تعالى عنها فى هذه الليلة وما ضربته من أروع الأمثلة على مساندة المرأة لزوجها وفى ذلك دروس ودروس

1) تشجيعها لزوجها على الخلاء مع نفسه وربه ومساعدته على ذلك دون شئ مما تفعله النساء من تثبيط لعزيمة أزواجهن حتى أنها كانت تعد له الزاد بنفسها وقد تقدم من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها ( ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها )

2) استقبالها لزوجها بالسكينة فى بيتها والأمان على سريرها فها هو ذا محمد النبى منذ بضع ساعات يدخل عليها صارخا (( زملونى زملونى )) فتستقبله بلهفة الأم الحنون وتبادر إلى طاعته بأسرع ما يكون فلا تستجوبه بل تنتظر ريثما يذهب روعه ويكون همها الأول راحته تقول السيدة عائشة ( فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال (( زملونى )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع )

3) سماعها من زوجها سماع المنصت المهتم ثم رفعها من عزيمته بكلمات كالبلسم لروحه وكطريق الهداية لعقله الحائر تقول السيدة عائشة ( فقال لخديجة وأخبرها الخبر (( لقد خشيت على نفسى )) فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق )

4) مساعدتها له بكل ما فى وسعها دون تخاذل أو تقصير تقول السيدة عائشة ( فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرءا قد تنصر فى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرانى فيكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت خديجة : يا بن عم اسمع من ابن أخيك )

تلك والله هى أولى أمهات المؤمنين فأنعم بها من أفضل أم لأفضل أمة وحق لها والله أن يتذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنوات من رحيلها وأن يستبشر ويسر لمجرد سماع صوت طرقات أختها فعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت ( استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال (( اللهم هالة بنت خويلد )) فغرت فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش هلكت فى الدهر فأبدلك الله خيرا منه ) ( * التجريد ( ح.ر 1575 ) ومختصر مسلم ( ح.ر 1674 ) .... ) وقال الشيخ الألبانى فى تحقيقه ( زاد أحمد فى رواية قالت ( فتمعر وجهه تمعرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحى أو عند المخيلة حتى ينظر أرحمة أم عذاب ) وإسناده على شرط مسلم وفى أخرى له قال (( ما أبدلنى الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بى إذ كفر بى الناس وصدقتنى إذ كذبنى الناس وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمنى أولاد النساء )) ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين غير مجالد وهو ابن سعيد وليس بالقوى )

فحق لها والله أن تكون خير نساء الأرض كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ( * مختصر مسلم ( ح.ر 1670 ) عن على رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد )) قال أبو كريب : وأشار وكيع إلى السماء والأرض )

ولعل الهدية الأكبر والجزاء الأوفى لها رضى الله تعالى عنها أن يرسل لها سبحانه سلامه مع روحه الأمين عن طريق حبيبه فها هى ذى السلسلة الذهبية الحقة التى نعمت بها خديجة بنت خويلد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن ربه عز وجل لها خاصة

عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال ( أتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) ( * التجريد ( ح.ر 1574 ) ومختصر مسلم ( ح.ر 1671 ) واللفظ له ) فياليت كل نساء المسلمين خديجة

وإذا كانت دروس هذه الليلة من الكثرة بمكان حتى أنه لا أحد يقدر على حصرها إلا أننى أحببت أن أتكلم عن هذه الثلاثة دروس لأهميتها البالغة خاصة فى زمان الفتن هذا الذى صارت فيه موبقات زمان النبوة مستحسنات فما بالنا بموبقاته فعدم التلاحى يتعلق بعلاقة المسلمين ببعضهم ولعمرى ما أهم هذه العلاقة التى صرنا اليوم جلوسا تحت الجدران نرثيها وأيضا تحقيق غرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإجتهاد قدر الوسع والطاقة فى هذا الشهر الكريم يتعلق بعلاقة المسلمين مع ربهم عز وجل كما أن ما فعلته السيدة أم المؤمنين وزوجة نبيهم خديجة رضى الله تعالى عنها يعد درسا رائعا لكل امرأة تؤمن بالله تعالى ورسوله وتبحث عن سعادة الدارين وحياة الخلود وإنى لأسأل الله العلى القدير الذى لا يعجزه شئ فى السماوات ولا فى الأرض أن ينظم لنا أمورنا هذه على النحو الذى يرضيه ويرضى رسوله صلى الله عليه وسلم عنا ويجعلنا بحق خير أمة أخرجت للناس
__________________

الأمل
ابــــ ـــن