عرض مشاركة مفردة
  #40  
قديم 04-10-2005, 06:35 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي

قــــــــرار التحـــــــدي


وفي المساء .. أغلقتُ حجرتي وهبطتُ إلى الأسفل ..
بعد أن انتهى الزوج من ارتداء ثيابه استعداداً للذهاب إلى وليمة قريبه الخائن !
وقد جزمتُ في قرارة نفسي أن أرفض طلب الدخول إلى الرجال الذين سيجتمعون اليوم وكل يوم مع النساء .. ولو كلّفني ذلك حياتي !!
فليقتلني إن شاء !! فليصلبني إن أراد !! لا رجعة في قراري !!
قُدّم الطعام في ذلك المجلس الذي خلا من اللباقة والأدب و الاحترام !!
وعلّلتُ عدم دخولي إليهم منذ البداية بأني مُنشغلةٌ مع النسوة في إعداد هذا الطعام !! ..

ثم اجتمعتْ النساء بالرجال فسمعْتُ بعضاً من الأحاديث الجوفاء المتبادلة !!
وترددتْ في مسامعي صدى الضحكات الخرقاء المتعالية !!
وبعضاً من الطرائف النوادر السخيفة !!
أما أنا !! فقد قبعتُ كطائرٍ أسيرٍ في إحدى الغرف أنتظر مصيري المجهول خلال الثواني الباقيات !!!
ابتهلتُ إلى الله أن يكون خير معين لي على قراري ..
و والله ما عشتُ قطُّ موقفاً أقسى ولا أعنف من موقف تلك الليلة التي خفتُ فيها وروّعْتُ منه .. و.... منهم !!!!!
فجأةً .. سمعتُ أصوات الجميع مع تباينها تسأل عني وتنادي ...!

لفّني الصمتُ و اكتنفتني الرهبة وأطبقا على قلبي !!!
فشعروا جميعاً بأنني أمتنع عنهم ..
فتبادلوا النظرات الغضبى .. ثم .. ركّزوا تلك السهام الحانقة على الزوج ينتظرون منه تفسيًراً لما يجري !!
سرعان ما جاءتْ أمّه إليّ تركض وتطلب مني الانضمام إليهم .. فاعتذرتُ لها بأنني متوعّكة ..
ثم بأنني لم أعد أستطيع المجيء إليهم .. وتمنيتُ لها ولهم طعاماً هنيئاً !
وأني سألحق بالنسوة بعد ذهاب الرجال !

عبثاً حاولتْ تثنيني عن قراري ! فتغيّرتْ تعبيرات وجهها عندما قالت :
- إن زوجك غاضب وأعصابه هائجة وكأنها بين أصابع الشيطان يعبث بها !!
وأخشى أن يخطئ معك أمام الجميع !! استعيذي بالله من الشيطان وشاركينا المجلس والطعام ..
رفضتُ بأدب .. ورجوتها ألا ترغمني على ذلك فأنا ما خُلقْتُ لهذا أبداً !! .. ثم ..
ذهبتْ تضربُ كفاً بكف وتطلب الرقية من أوليائها الأموات !!!
بينما دخلتْ أختُه تقنعني بالدخول .. وأن التوتر يسود المكان !!!
والجميع بانتظاري .. فيجب ألاّ أفتعل مشكلة !!
أجابتها دمعاتي الحزينة وقلبي الذي كاد يتفطر خوفاً منهم ..
- لا أستطيع .. لا أستطيع الدخول على هؤلاء الرجال أبدا !
أنا أخاف من الله ! أخجل من الأمور التي تحدث بينكم فدعوني أرجوكم ..
أتوسل إليكم لا تجبروني على الذنب والمعصية !
اتركوني سوف يطعمني الله ويسقيني برضاه ورحمته ..
أنا لم أخلق لأخلع حيائي وخجلي بهذه الصورة البشعةٍ ..!

يا رب أين الزوج الملتزم ؟! الذي طالما حلمتُ به !
الذي طالما حلمتُ بأن يُعايش واقعي ؟!
أين مؤدي الصلاة في المساجد ؟
أين الرجل الغيور الذي يغضب ويثور عندما يُعتدى على حدِّ من حدود الله ؟
أين الرجل الذي يرحمني ويقدرني؟
يرحم امرأة ضعيفةً جُلّ طلبها منه أن يحفظها ويصونها عن أعين الرجال ؟
أين الرجل الذي يدفع حياته ثمنا للحفاظ على محارمه والخوف عليهم ؟!
أين وأين ؟!
رباه لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبتْ !!
وعندما طال انتظارهم غير المتوقع لي ..
غضبوا فقلبوا أواني الطعام رأسا على عقب ولم يتذوقوا منه لقمة واحدة!

كل هذا وأنا أتهاوى كما ريشةٍ ضعيفة رقيقةٍ تعبثُ بها العواصف الهوجاء ، وكما طفلٍ غريقٍ تتقاذفه الأمواج
في كل صوب واتجاه !! وحدي !! ..
لحظاتٌ مرتْ عليّ وأنا أسمع صراخهم وغيظهم وقد ملأ الأرض !
أيقنتُ خلالها أن كل فرد منهم قد حمل ساطورا وسكينا وهب لتشريحي وإذاقتي ألوان التنكيل والعذاب !!
بالطبع .. فأنا أخالفهم ملة ومذهبا !
يا وليتي ماذا هم بي فاعلون ؟! رباه لا ملجأ لي منهم إلا إليك !
اللهم لا تكلني إلى نفسي أو إليهم طرفة عين !
اللهم فكل هذا من أجل رضاك ومغفرتك !
اللهم قد ضاقت الدنيا بما اتسعتْ وشملتْ .. فاجعل لي من ضيقي فرجا ومن همي وبلائي مخرجا !!!!
رباه رباه رباه .. الويل كل الويل لي !
سوف يتفننون في إيذائي .. فأنا وحدي وهم كُثر !!

ثم .. هاج المُضيف الوغد بصوتٍ عالٍ بأنواع الغضب :
- دعوها .. إنهم قومٌ يتطهرون !!!
اتركوها تشبع من الطعام بمفردها !! نحن لا نرغب في الطعام ..
نخشى أن تكون بنا نجاسةٌ أو قذارةٌ فنفسده ..
فلا تستطيع هي أن تأكل الطعام !!!
قام الرجال جميعا من على المائدة وكأن غضب الدنيا يعبثُ بهم مني !!!!
قرابة ثلاثة وعشر رجلا وامرأة !!
فخيم سكون مُعذب قاتل على جميع أرجاء المنزل !!!

خاطبتُ نفسي بما تبقتْ لي من أنفاس:
- هل أخطأتُ ؟ هل أبادر بالاعتذار ؟! هل عملتُ منكرا عظيما ؟! هل ارتكبتُ كبيرة لا تُغتفر؟!!
مَنْ الذي يحق له العُتبى والغضب ؟! بل والتحطيم والتدمير ؟!!
ما للموازين مٌضطربة؟! أين الخطأ وأين الصواب ؟!
يا رب .. أنت تعلم أني أكابد من أجل إراحة ضميري ووازعي الدينيّ ..
أما هم فإنهم يكابدون من أجل نزواتهم ووازعهم الشيطاني !!!
ربما أخطأت ! لم أعد أعرف ! ماذا أفعل ؟ هل .. هل أهرب ؟!
لقد فعلوا بي ما فعلوا ولم أرضخْ ولكن الله يشهد أنه لم تتبقّ لي ذرةٌ من مقاومة ! فهذه الأخيرة من نوعها !
فلا يمكن أن أصمد أكثر من ذلك !!

نعم .. أشعر بحناياي تضطرب .. وجوانحي تتأرجح .. و..
سمعتُ صوت والدة الزوج .. وزوجة المُضيف الوغد تنادياني بصوتٍ وديع !!
ولكنه مملوء بشتى صنوف الغيظ الممزوج بالرغبة القاتلة في السحق!!
وبابتسامة كاذبةٍ من كلٍ منهما قالتا:
- تفضلي.. تناولي .. الطعام . بالهناء ... والعافية ..
نظرتُ إلى الطعام المقلوب رأساً على عقب !! سرى الشلل البطيء في قدميّ ..
جلستُ ونظراتي المرتعبة وقلبي الذي ران عليه الانفطار ينتظران حكماً أكيداً بالإعدام!! ..
فتبادلتْ المرأتان النظرة ذاتها وعلَّقتْ المضيفة :
- ما السبب في اعتقادك يا أم .......... في غضب الرجال بهذه الصورة الوحشية ؟!
آه .. كم أحقد على صاحب السبب !!
كنا جميعاً ننعم بالسعادة والبهجة ولم تحدث بيننا مُشاحنات أو خلافات
إلا منذ فترة وجيزة !!
فما السبب يا ترى ؟! أهي عينٌ أصابتنا ؟ أم تُراها فتنٌ وقلاقلُ زُرعتْ بيننا !!
مَنْ هو الذي قلب حياتنا وعبث بها ؟ مَنْ صاحب العقل المتحجر الذي لا يلين ؟!!

أجابت الأم بغيظٍ مكظوم :
- نعم نعم ... الحق كلّ الحق معك .. كنّا في سعادة غامرة ..
لا أعرف مَنْ صاحب هذه الفتن والمشاكل ..
وليس لنا إلا أن ندعو عليه ليل نهار حتى يدفع ثمن ما نحن عليه !!
قاتله الله !!
إنهم يقصدونني بلا شك !! أنا المعنيّة بكل ما تقولان !!
لزمتُ الصمت .. ربي .. ديني .. أهلي ..
كرامتي وكبريائي المنزوفتان المُراقتان !! وقاري وحشمتي عفافي !!
صرخ الزوج بي أمام الجميع بعدما اجتمعوا معه لتفكيك ثقتي بما أعتقد :
- هيا انهضي .. سنذهب إلى المنزل الآن ونتفاهم هناك ..
الويل لكِ .. لقد تخطيتِ كل الحواجز القيود !!!

نظرتُ إلى القوم بتمهل وكأني أودعهم !!
فرأيتُ الشماتة والتشفّي تتراقص بفرحٍ على تعبيرات وجوههم !!!
أدركتُ بفرح أنه لا مجال إطلاقاً للاتفاق بيننا ..
وعزمتُ في قرارة نفسي على الرحيل الأبدي !!!
لكل إنسان طاقة ! وقد كُلفتُ معهم ما لا طاقة لي به !!
لم أعد أطيقُ صبراً !
تعبتُ وأنا أناضل .. هذا ليس ما أدين به !!
وقف الجميع في وجهي .. وأنا كالطائر الجريح كسير الجناح ..
أقاتل وحدي ضد جوارح قوية مُتعاضدة !!



وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس