عرض مشاركة مفردة
  #29  
قديم 14-04-2006, 03:10 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي جرير: أشعر الشعراء

نسب جرير وأخباره
نسبه من قبل أبويه: جرير بن عطية بن الخطفى. والخطفى لقبٌ، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. ويكنى أبا حزرة. ولقب الخطفى لقوله:

يرفعن لليل إذا ما أسدفا ** أعناق جنانٍ وهاماً رجفا
وعنقاً بعد الكلل خيطفا


ويروى: خطفى.

وهو والفرزدق والأخطل المقدمون على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية جميعاً. ومختلفٌ في أيهم المتقدم، ولم يبق أحد من شعراء عصرهم إلا تعرض لهم فافتضح وسقط وبقوا يتصاولون، على أن الأخطل إنما دخل بين جرير والفرزدق في آخره أمرهما وقد أسن ونفد أكثر عمره. وهو وإن كان له فضله وتقدمه فليس نجره من نجار هذين في شيء، وله أخبار مفردة عنهما ستذكر بعد هذا مع ما يغنى من شعره.
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي، وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب وأبي غسان دماذ وإبراهيم بن سعدان عن أبيه جميعاً عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، بنسب جرير على ما ذكرته وسائر ما أذكره في الكتاب من أخباره فأحكيه عن أبي عبيدة أو عن محمد بن سلام. قالوا جميعاً: وأم جرير أم قيس بنت معيد بن عمير بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب بن يربوع. وأم عطية النوار بنت يزيد بن عبد العزى بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب.

قال أبو عبيدة ومحمد بن سلام ووافقهما الأصمعي فيما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عنه: اتفقت العرب على أن أشعر أهل الإسلام ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، واختلفوا في تقديم بعضهم على بعض. قال محمد بن سلام: والراعي معهم في طبقتهم ولكنه آخرهم، والمخالف في ذلك قليل. وقد سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهداً قط ذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما. وكان يونس فرزدقياً.
قال ابن سلام: وقال ابن دأب: الفرزدق أشعر عامةً وجرير أشعر خاصةً. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو يشبه جريراً بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة، قال أبو عبيدة: يحتج من قدم جريراً بأنه كان أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظاً، وأقلهم تكلفاً، وأرقهم نسيباً، وكان ديناً عفيفاً. وقال عامر بن عبد الملك: جرير كان أشبههما وأنسبهما.
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني: قال خالد بن كلثوم: ما رأيت أشعر من جرير والفرزدق، قال الفرزدق بيتاً مدح فيه قبيلتين وهجا قبيلتين، قال:

عجبت لعجلٍ إذ تهاجي عبيدها ** كما آل يربوعٍ هجوا آل دارم

يعني بعبيدها بني حنيفة. وقال جرير بيتاً هجا فيه أربعة:

إن الفرزدق والبعيث وأمه ** وأبا البعيث لشر ما إستار

قال: وقال جرير: لقد هجوت التيم في ثلاث كلمات ما هجا فيهن شاعر شاعراً قبلي، قلت:

من الأصلاب ينزل لؤم تيمٍ ** وفي الأرحام يخلق والمشيم

جرير وطبقته من الشعراء: وقال محمد بن سلام: قال العلاء بن جرير العنبري وكان شيخاً قد جالس الناس: إذا لم يجيء الأخطل سابقاً فهو سكيتٌ، والفرزدق لا يجيء سابقاً ولا سكيتاً، وجرير يجيى سابقاً ومصلياً وسكيتاً. قال محمد بن سلام: ورأيت أعرابياً من بني أسد أعجبني ظرفه وروايته، فقلت له: أيهما عندكم أشعر؟ قال: بيوت الشعر أربعة: فخرٌ ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، قال في الفخر:

إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ** حسبت الناس كلهم غضابا

والمديح:

ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

والهجاء:

فغض الطرف إنك من نميرٍ** فلا كعباً بلغت ولا كلابـا

والنسب:

إن العيون التي في طرفها حور** قتلننا ثم لم يحـيين قـتـلانـا

قال أبو عبد الله محمد بن سلام: وبيت النسيب عندي:

فلما التقى الحيان ألقيت العصـا ** ومات الهوى لما أصيبت مقاتله

قال كيسان: أما والله لقد أوجعكم يعني في الهجاء. فقال: يا أحمق! أو ذاك يمنعه أن يكون شاعراً! تفضيله عبيدة بن هلال على الفرزدق: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة، وأخبرنا أبو خليفة قال حدثني محمد بن سلام الجمحي قال حدثني أبان بن عثمان البلخي قال: تنازع في جرير والفرزدق رجلان في عسكر المهلب، فارتفعا إليه وسألاه، فقال: لا أقول بينهما شيئاً ولكني أدلكما على من يهون عليه سخطهما: عبيدة بن هلال اليشكري وكان بإزائه مع قطري وبينهما نهر. وقال عمر بن شبة: في هؤلاء الخوارج من تهون عليه سبال كل واحد منهما فأما أنا فما كنت لأعرض نفسي لهما. فخرج أحد الرجلين وقد تراضيا بحكم الخوارج، فبدر من الصف ثم دع بعبيدة بن هلال للمبارزة فخرج إليه.
فقال: إني أسألك عن شيء تحاكمنا إليك فيه، فقال: وما هو؟ عليكما لعنة الله. قال: فأي الرجلين عندك أشعر: أجرير أم الفرزدق؟ فقال: لعنكما الله ولعن جريراً والفرزدق! أمثلى يسأل عن هذين الكلبين! قالا: لا بد من حكمك. قال: فإني سائلكم قبل ذلك عن ثلاث. قالوا: سل. قال: ما تقولون في إمامكم إذا فجر؟ قالوا: نطيعه وإن عصى الله عز وجل. قال: قبحكم الله! فما تقولون في كتاب الله وأحكامه قالوا: ننبذه وراء ظهورنا ونعطل أحكامه. قال: لعنكم الله إذاً! فما تقولون في اليتيم؟ قالوا: نأكل ماله وننيك أمه. قال: أخزاكم الله إذاً! والله لقد زدتموني فيكم بصيرةً. ثم ذهب لينصرف، فقالوا له: إن الوفاء يلزمك، وقد سألتنا فأخبرناك ولم تخبرنا، فرجع فقال: من الذي يقول:

إنا لنذعر يا قفـير عـدونـا ** بالخيل لاحقة الأياطل قـودا
وتحوط حوزتنا وتحمي سرحنا** جردٌ ترى لمغارها أخـدودا

أجرى قلائدها وقدد لحـمـهـا ** ألا يذقن مع الشـكـائم عـوداً
وطوى القياد مع الطراد متونها ** طي التجار بحضر موت برودا


قالا: جريرٌ، فهو ذاك، فانصرفا.
حديث الأصمعي وغيره عنه: أخبرني عم أبي عبد العزيز بن أحمد قال حدثنا الرياشي قال قال الأصمعي وذكر جريراً فقال: كان ينهشه ثلاثة أوربعون شاعراً فينبذهم وراء ظهره ويرمي بهم واحداً واحداً، ومنهم من كان ينفحه فيرمي به، وثبت له الفرزدق والأخطل. وقال جرير: والله ما يهجوني الأخطل وحده وإنه ليهجوني معه خمسون شاعراً كلهم عزيزٌ ليس بدون الأخطل، وذلك أنه كان إذا أراد هجائي جمعهم على شراب، فيقول هذا بيتاً وهذا بيتاً، وينتحل هو القصيدة بعد أن يتمموها.
قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء الرياحي قال قال الفرزدق: إني وإياه لنغترف من بحر واحد وتضطرب دلاؤه عند طول النهر.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني زيرك بن هبيرة المناني قال: كان جريرٌ ميدان الشعر، من لم يجر فيه لم يرو شيئاً، وكان من هاجى جريراً فغلبه جرير أرجح عندهم ممن هاجى شاعراً آخر غير جرير فغلب.
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: تذاكروا جريراً والفرزدق في حلقة يونس بن معاوية بن أبي عمر بن العلاء وخلف الأحمر ومسمع وعامر ابنا عبد الملك المسمعيان، فسمعت عامراً وهو شيخ بكر بن وائل يقول: كان جرير والله أنسبهما وأسبهما وأشبههما.
سمع الراعي شعره فأقر بأنه جدير بالسبق: قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء قال: مر راكبٌ بالراعي وهو يغني بيتين لجرير، وهما:

وعاو عوى من غير شيء رميته ** بقارعةٍ أنفاذها تقطر الـدمـا
خروجٍ بأفواه الرواة كـأنـهـا قرا** هندوانيٍّ إذ هز صمـمـا


فأتبعه الراعي رسولاً يسأله لمن البيتان؟ قال: لجرير. قال: لو اجتمع على هذا جميع الجن والإنس ما أغنوا فيه شيئاً. ثم قال لمن حضر: ويحكم أألام على أن يغلبني مثل هذا!.
رأي بشار فيه وفي صاحبيه ورثاؤه ابنه: قال ابن سلام: وسألت بشاراً المرعث: إي الثلاثة أشعر؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه. قلت: فهذان؟ قال: كانت لجرير ضروبٌ من الشعر لا يحسنها الفرزدق، ولقد ماتت النوار فقاموا ينوحون عليها بشعر جرير. فقلت لبشار: وأي شيء لجريرٍ من المراثي إلا التي رثى بها امرأته! فأنشدني لجرير يرثي ابنه سوادة ومات بالشأم:

قالوا نصيبـك مـن أجـرٍ لـهـم ** كيف العزاء وقد فارقت أشبـالـي
فارقتني حين كف الدهر من بصري ** وحين صرت كعظم الرمة البالـي
أمس سوادة يجلو مقلـتـي لـحـمٍ ** بازٍ يصرصر فوق المربأ العالـي
قد كنت أعرفه مني إذا غـلـقـت ** رهن الجياد ومد الغاية الـغـالـي
إن الثوي بذي الزيتون فاحتسـبـي ** قد أسرع اليوم في عقلي وفي حالي
إلا تكن لـك بـالـديرين مـعـولةٌ ** فرب باكيةٍ بـالـرمـل مـعـوال
كأم بوٍّ عجـولٍ عـنـد مـعـهـده ** حنت إلى جلـدٍ مـنـه وأوصـال
حتى إذا عرفـت أن لا حـياة بـه ** ردت هماهم حرى الجوف مثكـال
زادت على وجدها وجداً وإن رجعت** في الصدر منها خطوبٌ ذات بلبال


أخبرني عبد الواحد بن عبيد عن قعنب بن المحرز الباهلي عن المغيرة بن حجناء وعمارة بن عقيل قالا: خرج جرير إلى دمشق يؤم الوليد، فمرض ابن له يقال له سوادة، وكان به معجباً، فمات بالشأم، فجزع عليه ورثاه جرير فقال:

أودى سوادة يجلو مقلتي لـحـمٍ ** بازٍ يصرصر فوق المربأ العالي

حديث الفرزدق عنه: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثني رجل من أصحاب الحديث يقال له الحسن قال حدثني أبو نصر اليشكري عن مولى لبني هاشم قال: إمترى أهل المجلس في جرير والفرزدق أيهما أشعر، فدخلت على الفرزدق فما سألني عن شيء حتى قال:
يا نوار، أدركت برنيتك؟ قالت: قد فعلت أو كادت. قال: فابثعي بدرهم فاشتري لحماً، ففعلت وجعلت تشرحه وتلقيه على النار ويأكل. ثم قال: هاتي برنيتك، فشرب قدحاً ثم ناولني، وشرب آخر ثم ناولني. ثم قال: هات حاجتك يا بن أخي، فأخبرته، قال: أعن ابن الخطفى تسألني! ثم تنفس حتى قلت: انشقت حيازيمه، ثم قال: قاتله الله! فما أخشن ناحيته وأشرد قافيته! والله لو تركوه لأبكى العجوز على شبابها، والشابة على أحبابها، ولكنهم هروه فوجدوه عند الهراش نابجا وعند الجراء قارحاً، وقد قال بيتاً لأن أكون قلته أحب إلى مما طلعت عليه الشمس:

إذا غضبت عليك بنو تميم ** حسبت الناس كلهم غضابا

أثنى عليه الفرزدق أمام الأحوص: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة، قالا: نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة. فقال الأحوص: ما تشتهي؟ قال: شواء وطلاء وغناء. قال: ذلك لك، ومضى به إلى قينة بالمدينة، فغنته:

صوت ألا حي الديار بسـعـد** إنـي أحب لحب فاطـمة الـديارا
إذا ما حل أهلك يا سلـيمـى ** بدارة صلصلٍ شحطوا مزارا
أراد الظاعنون ليحزنـونـي ** فهاجوا صدع قلبي فاستطار


فقال الفرزدق: ما أرق أشعاركم يأهل الحجاز وأملحها! قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا والله. قال: فهو والله لجريرٍ يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة! ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقة شعره!.

الرد مع إقتباس