عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 22-04-2001, 02:51 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

قال ابن اسحاق (رحمه الله): اجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده، فخلص منهم أربعةُ نفر نجياً، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض! قالوا: أجل.

وهم ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وزيد بن عمرو بن نُفيل. فقال بعضهم لبعض:

(تعلموا والله؛ ما قومكم على شيء، لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم - والله - ما أنتم على شيء).

فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم، فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها.

وذكر الزبير بن أبي بكر بإسناد له إلى عروة بن الزبير (رضي الله عنهما)، قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ورقة بن نوفل، فقال: (لقد رأيته في المنام عليه ثياب بيض، فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض).

وكان ورقة يذكر الله في شعره في الجاهلية ويسبحه، وهو الذي يقول:

لقد نصحت لأقوام وقلت لهم: * أنا النذير فلا يغرركم أحدُ
لا تعبدن إلها غير خالقكم * فإن دعوكم، فقولوا: بيننا حددُ
سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له * رب البرية فرد واحد صمدُ
سبحان ذي العرش سبحانا نعود له * وقبل سبحه الجودي والجمدُ
مسخر كل ما تحت السماء له * لا ينبغي أن ينادي ملكه أحدُ
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته * يبقى الإله ويودي المال والولدُ
لم تغن عن هرمز يوما خزائنُه * والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له * والإنس والجن فبما بينها بردُ
أين الملوك التي كانت لعزتها * من كل أوب إليها وافد يفدُ؟
حوض هنالك مورود هناك بلا كذب * لا بد من ورده يوما كما وردوا

والشاهد فيما تقدم أن ورقة وصحبه سعوا – قبل البعثة المحمدية - بعد إعمالهم لعقولهم واستخفافهم بما عليه أهل الجاهلية، ونهضوا يبحثون عن دين إبراهيم (عليه السلام)، وخالفوا بذلك قومهم، وهم يعلمون خطورة هذه المخالفة حتى تعاهدوا على الكتمان.

وإخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ورقة ولبسه البياض إشارة واضحة على أن الله يثيب الباحث عن حقيقة العبادة والعبودية والتعبد والمجتهد في ذلك قدر استطاعته، وإن لم تبلغه الرسالة والوحي، لأن الإنسان لا يعذر – في التصور الإسلامي – على جهله، ولا يبارك له في قعوده، ويثاب على سعيه.

__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]