عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 24-10-2003, 06:15 AM
النقيب النقيب غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 1,176
Lightbulb هل ستتذكرون [علي عزت بيغوفيتش] مطولا؟

أحببت أن أسطر هذا المقال هنا للحفظ في الأرشيف وحسب متسائلا هل سيذكره المسلمون وهل عرفه المسلمون جيدا!؟


بيغوفيتش كان رمزا للجهاد والفكر معا


كتب إمام محمد إمام


توفي الى رحمة الله تعالى الرئيس البوسني الاسبق علي عزت بيغوفيتش اول من امس (الاحد) عن عمر يناهز الـ78 عاما من جراء سكتة قلبية في مستشفى سراييفو. من المعلوم لدى الكثير من المتابعين لشأن المسلمين في بلاد البلقان ان الراحل بيغوفيتش كان قد كرس جل حياته للاهتمام بشؤون المسلمين في منطقة البلقان. وكان قد سطر جهاده التحريري والفكري في البوسنة والهرسك بأحرف من نور، وقد اقتطف ثمار ذلكم الجهاد حرية لشعبه واستقلالا لبلاده وترسيخا لهوية مسلمي البوسنة والهرسك، بعد نضال بالكلمة والتنظيم من اجل الحرية والعدالة لبني شعبه، وبعد حرب دامية بالراجمات والخنادق بغية استقلال بلاده.
ومما لا ريب فيه ان الرئيس بيغوفيتش نذر حياته في سبيل خدمة مبادئه الاسلامية ونصرة اخوانه المسلمين في بلاد البلقان، وتحمل من اجل ذلك الكثير من التضحيات الجسام من دون ان يثنيه ذلك عن اداء رسالته من اجل الحفاظ على الهوية الاسلامية لمواطنيه المسلمين، الذين فشل الشيوعيون في طمسها وعجز الصرب عن تهجيرها من موطنها. ولم يكن جهاد بيغوفيتش قاصرا على النواحي العسكرية المتمثلة في خوض غمار الحرب دفاعا عن الدين والوطن، واستجابة لقول الله تعالى «إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون»، بل امتد الى ساحات الفكر، موجها ومرشدا. فقد كان شخصية اسلامية لها دور عظيم في خدمة الاسلام والمسلمين فكرا وقيادة وتوجيها، ويعد من العلماء والمفكرين الاسلاميين المبرزين والداعمين للعمل الاسلامي في مجالاته المختلفة.
وقد وُلد الراحل بيغوفيتش عام 1925 في اسرة اسلامية عريقة شمال البوسنة، ثم انتقلت عائلته الى سراييفو، ونشأ وتربى وأكمل دراسته الثانوية فيها عام 1943، وفي عام 1946 حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة سراييفو، ثم عام 1956 نال اعلى الدرجات العلمية في القانون من كلية الحقوق في جامعة سراييفو، وفي عام 1962 نال شهادة التأهيل في القانون.
اما سيرته النضالية وجهاده السياسي فقد بدآ عام 1949 عندما حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب صلته بمنظمة «الشبان المسلمين»، امضى منها ثلاث سنوات ونصف السنة، وبعد ذلك انضم الى جماعة المسلمين مسؤولا عن المسلمين في يوغوسلافيا في شرق اوروبا وغربها، وفي عام 1983 اتهم مع 11 مفكرا وداعية بانه خطر، وبعد تحقيقات صورية استمرت ثلاثة اشهر صدر الحكم عليه بالسجن لمدة 14 عاما خفض الى 9 أعوام، ثم اطلق سراحه بعد ان قضى في سجنه 5 أعوام و8 أشهر. وفي عام 1989 وعقب خروجه من السجن اسس اول حزب اسلامي في يوغوسلافيا سمي بحزب «العمل الديمقراطي». وفي عام 1990 فاز حزب «العمل الديمقراطي» في انتخابات البوسنة والهرسك وانتخب رئيسا للجمهورية.
والتاريخ سيسجل له انه رغم النجاحات السياسية التي حققها حزبه في مطلع التسعينات لم تكن لديه نزعة استقلالية، بل بذل جهدا مقدرا عام 1992 لايجاد نوع من اتحاد فيدرالي بين جمهوريات يوغوسلافيا مع تمتعها بصلاحيات واسعة، ولكن اصرت كل من كرواتيا وسلوفينيا على الاستقلال، بينما اصر الصرب على الحفاظ على وحدة يوغوسلافيا بأساليب عسكرية، مما دفع بيغوفيتش الى بذل المساعي لاستقلال بلاده، وخاض في سبيل ذلك حربا دامية افضت الى اتفاقات دايتون للسلام التي انهت الحرب ووضعت اسس تشكيل رئاسة وحكومة ثلاثية الاطراف تضم المسلمين والصرب والكروات في البوسنة والهرسك، وذلك عام 1995، وهو احد الموقعين عليها.
لقد التقيت بالراحل بيغوفيتش مرتين، احداهما في سراييفو والثانية في لندن، ولمست من احاديثه انه رغم بعده عن الرئاسة والحزب نتيجة المرض، فان له تأثيرا عظيما على سياسيي البوسنة، خاصة اولئك الذين تدربوا في مدرسته السياسية التي تنتهج منهج الوسطية والتدرج في تحقيق المكاسب السياسية.
وفي زيارتي الى البوسنة والهرسك عام 2001، حرصت على زيارة النفق الارضي (الخندق) الذي شقه مجاهدو البوسنة في حربهم مع الصرب، ليكون بمثابة شريان الحياة بالنسبة للمجاهدين المسلمين، مما مكنهم من الصمود وتحقيق الانتصارات في تلك الحرب، التي كان بيغوفيتش شخصية محورية فيها. ولقد احسن الاخوة في البوسنة صنيعا ان جعلوا من هذا الخندق متحفا لصمودهم وجهادهم يزوره السياح من جميع انحاء العالم.
لا يمكن ان نغفل في هذه العجالة الحديث عن الجوائز التي منحت للمفكر الراحل بيغوفيتش تقديرا لجهاده النضالي والفكري من اجل خدمة الاسلام والمسلمين، اذ انه منح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام عام 1993، كما منح جائزة «مفكر العام» من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام 1996، وفي مارس (آذار) عام 2001 منح جائزة «مولانا جلال الدين الرومي لخدمة الاسلام» الدولية في تركيا. كما تم اختياره شخصية العام الاسلامية في الدورة الخامسة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم. ومن اهم مؤلفاته «البيان الاسلامي» وهو شرح لأساسيات النظام الاسلامي العامة، وكتابه الاخير «ذكريات علي عزت بيغوفيتش» وهو من اهم كتبه السياسية، بالاضافة الى مجموعة مقالات ورسائل. واطلع بيغوفيتش على الافكار والمذاهب والمدارس الفلسفية الغربية عن قرب وتعمق فيها بحكم موقعه ودراسته، وفي الوقت نفسه درس الحضارة الاسلامية بعمق وموضوعية في وسط عواصف فكرية وفلسفية ومذهبية. وكان بيغوفيتش بلا شك رمزا للجهاد والفكر معا.
نسأل الله تعالى ان يتقبل بيغوفيتش قبولا طيبا حسنا ويثيبه ثوابا عظيما لجهده وجهاده في سبيل خدمة الاسلام والمسلمين في بلاد البلقان.
«وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين».


المصدر: جريدة الشرق الأوسط