عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 28-12-2003, 02:01 PM
النقيب النقيب غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 1,176
إفتراضي

كانت وجهة نظر 'باول' مفاجأة للجميع، وبعد أن اسهب في شرح المبررات انضمت اغلب القيادات العسكرية التي حضرت هذا الاجتماع إلي ما طرحه كولن باول.
وقد أيد بول بريمر بدوره وجاهة هذا الرأي وقال إنه بعد الاعلان عن اعتقال صدام فإن العراقيين وكل الدول العربية سيرفضون أن يتحرك صدام بعيدا عن العراق، وأنه اذا أعلن انه سافر إلي واشنطن للتحقيق معه فسنواجه بضغوط دولية مكثفة من أجل الاعلان عن نتائج هذه التحقيقات أو المطالبة بأن يتولي هذه التحقيقات العراقيون انفسهم، الذين سيرفضون بدورهم أن تجري محاكمة صدام في داخل الأراضي الأمريكية.
فيما رأي آخرون أن عدم الاعلان عن اعتقال صدام سيوفر الهدوء للاجهزة الأمريكية في الحصول علي اعترافات مهمة من صدام خاصة فيما يتعلق بامكانات وجود أسلحة دمار شامل أو خريطة المقاومة العراقية وأسرار أخري عن علاقته بعدد من الملوك والرؤساء العرب وبعض قادة دول العالم وكذلك مصادر تمويل الأسلحة العراقية في وقت الحظر الذي كان مفروضا علي العراق، وأيضا صلة صدام بقادة الدول الأوربية وخريطة مبتكرات وتطورات الأسلحة البيولوجية العراقية وغير ذلك من الموضوعات الهامة التي يجب اغلاقها نهائيا قبل الإعلان عن اعتقال صدام.
وكان من رأيهم أن يتم التحقيق معه من الآن داخل الولايات المتحدة ثم يعاد مرة أخري إلي العراق ليتم الإعلان عن اعتقاله من هناك.
وتطرق حديث القادة مع الرئيس الأمريكي حول مغزي الإعلان عن اعتقال صدام أو تأجيله علي عمليات المقاومة العراقية حيث كان رامسفيلد وكونداليزارايس يريان أن الإعلان سيؤدي إلي خفض حدة العمليات العسكرية وأن المقاومة العراقية يمكن أن تتوقف أو تستسلم للقوات الأمريكية، وأن هذا سيمهد الطريق للاستقرار السياسي في العراق إلا أن ديك تشيني نائب الرئيس والآخرين رفضوا هذه الرؤية لأن الإعلان عن اعتقال صدام سيعطي الفرصة لقادة المقاومة العراقية للهروب من الأراضي العراقية، بل إن إبقاء خبر اعتقاله سرا سيمكن القوات الأمريكية من اعتقال كافة عناصر وقيادات المقاومة العراقية التي تبدي تعاونا ملحوظا مع صدام.
وعبر هذا الفريق عن وجهة نظره بأنه وبعد انتهاء عمليات المقاومة فإن الجيش الأمريكي في حاجة إلي المزيد من الضبط والحرص الأمني، وكل ذلك يستوجب فترة لإعادة ترتيب الوقت.
وبعد نقاش طويل اقتنع الرئيس بوش بوجهة النظر تلك ووافق علي تأجيل الإعلان عن القبض علي صدام حسين.
في هذه الفترة منذ القبض عليه وحتي قبيل نبأ الإعلان بقليل في 14 ديسمبر كانت قد مضت عدة أسابيع خضع فيها الرئيس العراقي لتحقيقات مطولة ومكثفة مع عناصر المخابرات الأمريكية التي قامت بنقله إلي أحدث مراكز المخابرات الأمريكية في فرجينيا، وأدخل لعدة مرات علي أجهزة الكشف عن الكذب.
ورغم كافة الاجراءات والضغوط والحقن المخدرة فإن صدام لم يبد أي نوع من التعاون مع فرق المحققين الأمريكيين الذين توالوا عليه صباحا ومساء.
جربوا معه كل أنواع الضغوط النفسية والاغراءات الأخري من أجل انتزاع المعلومات، إلا أن إجابة صدام علي كافة التساؤلات كانت مقتضبة وتتميز بالحدة في كثير من الأحيان وكثيرا ما كان يصف محققيه بأنهم جبناء وأنذال وأنهم محتلون ليس للعراق فقط، ولكن لكل العالم، وكان دائما ما يتوعدهم بضربات قاتلة سوف يسددها إليهم العراقيون.
سأله المحققون صراحة عن بعض المواد الأمريكية التي تسلمها أثناء الحرب الإيرانية العراقية والتي كانت مخصصة لإنتاج أسلحة دمار شامل، إلا أن صدام أكد لهم أن هذه المواد لم يعد لها أثر منذ انتهاء الحرب مع ايران.. وقد رفض صدام الإجابة علي التساؤلات المرتبطة بالأوضاع الداخلية في العراق أو الشخصيات القوية التي يمكن أن تعتمد عليها الولايات المتحدة في داخل العراق أو تلك التي لاتزال تتعاون معه.
وكانت أكثر الضغوط التي مورست علي صدام نفسيا هي تلك التي أرادوا من خلالها الحصول علي إجابة واضحة عن المكان الذي يحتفظ فيه بمعدات الجيش العراقي ودباباته التي تزيد علي ألفي دبابة ومئات الطائرات التي اختفت فجأة، والكثير من الأسرار الأخري المرتبطة بالتشكيلات العراقية.
كان صدام يرفض بإصرار فحاولوا اغراءه بإبدائهم الاستعداد للإفراج عنه والعيش سرا في أمريكا دون إعلان إذا ما اعترف صراحة وأقر بمكان هذه الأسلحة والمعدات إلا أن صدام رفض الحديث نهائيا.
كان رامسفيلد يتابع بنفسه مع جورج تينيت رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية وقائع التحقيقات مع صدام حسين وكانا يتساءلان دوما من أين له بكل هذه القوة في الصمود؟
لماذا يرفض التعاون وتقديم المعلومات عن شعب تخلي عنه ورفاق خانوه ومعدات لم تجد نفعا.
حاولوا اقناعه بالحديث عن أسلحة الدمار الشامل وقالوا له إذا انقذت الرئيس بوش من مأزقه فسنوفر لك كل ما تريد.. إن الأمر لن يكلفك شيئا سوي أن تقر بأنك تخلصت من أسلحة الدمار الشامل قبل الحملة الأمريكية علي العراق مباشرة، إلا أن صدام كان يسخر كثيرا من هذه الادعاءات ويقول: لن أجعل بوش يهنأ بانتصار وهمي وكاذب لن أبيع بلدي العراق حتي ولو وقفت وحيدا، وحتي لو خانني كل الرفاق والأصدقاء، بل وحتي لو أعلن الشعب العراقي كله التبرئة مني.
كانت إجاباته مذهلة وكان صموده أسطوريا لذلك لم يتردد دونالد رامسفيلد لأن يخرج في أكثر من تصريح بعد إعلان القبض علي صدام ليقول إنه شخص غير متعاون ولايزال يتمسك بكل مواقفه، وهو ما كرره أيضا أعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذين التقوه في أعقاب القبض عليه بقليل.
بعد حوالي الشهر تقريبا أعادوا صدام إلي العراق مجددا جاء علي متن طائرة خاصة وحوله عدد من كبار ضباط ال'سي.آي.إيه' والفرقة الرابعة الأمريكية مشاة وعدد من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين.
بعدها بقليل قرر جُورج بوش أن يزور العراق سرا بعد أن ادرك ان الأوضاع الأمنية تتجه ظاهرا إلي الاستقرار باعتقال صدام حسين، فكانت نشوته واضحة، لكنه لم يرد أن يعلن نبأ القبض علي صدام في هذا الوقت، ولحين اتمام المهمة كاملة حسب الاتفاق.
لقد كان ملحوظا بدرجة كبيرة أن الزيارة المفاجئة التي قام بها بول بريمر إلي واشنطن يوم الاثنين العاشر من نوفمبر الماضي، أي قبل ما يقارب الستة أسابيع من الآن مرتبطة ببحث موضوع صدام، حيث التقي فور وصوله مع الرئيس الأمريكي جورج بوش وكبار مسئولي الأمن القومي علي الرغم من أنه، ووفقا لتصريح أدلي به مسئول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية 'البنتاجون' فقد كان من المقرر أن يوجز بريمر للإدارة الأمريكية، وعبر الهاتف الخطط المتعلقة بما وصف تحريك مجلس الحكم العراقي قدما، وأضاف مسئول البنتاجون قوله: 'إن بريمر أراد بشكل ما أن يقضي وقتا أكثر مع رامسفيلد الذي كان من المقرر أن يغادر واشنطن آنذاك في جولة آسيوية.
ويبدو أن مرور فترة زمنية كافية علي اعتقال صدام، واستمرار هجمات المقاومة في تصاعدها بالرغم من ذلك هو الذي دفع بول بريمر لأن يدلي بتصريحات في الخامس من ديسمبر الجاري يتوقع فيها تزايد الهجمات ضد القوات الأمريكية، حيث تزامنت تلك التصريحات مع قيام وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بزيارة مفاجئة للعراق.
وبعد ثلاثة أيام فقط من تصريحات بريمر كان الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الأمريكية في العراق يدلي بتصريحات يقول فيها: إن اعتقال أو قتل الرئيس العراقي صدام حسين لن يضع حدا لهجمات المقاومة العراقية.
مضت الأيام ثقيلة، بول بريمر ينتظر لحظة الإعلان بفارغ الصبر وجاءت الساعة وكان الإعلان الذي قدم فيه شريط ال÷يديو الخاص بعملية القبض علي صدام حسين.
ويبدو أن نشوة النصر جعلت الأمريكيين يكشفون وعن غير قصد عن كذب الرواية التي رووها عن عملية اعتقال صدام حسين.
فبعد مضي كل تلك الفترة من القبض علي صدام كانت أمور كثيرة قد تغيرت ولكنهم نسوا أن يقوموا بتجديد الصور التي أخذوها أثناء اعتقال الرئيس العراقي .. وجاءت الصور التي اذيعت علي شاشات الفضائيات لتكشف حقائق المسكوت عنه في عملية القبض والاعتقال.
كانت البداية هي البلح الأصفر الذي دللت عليه الصورة التي التقطت للمنزل والحديقة والأماكن المجاورة، إن كل من تابعوا مشهد الفيلم الذي تمت إذاعته ودققوا النظر في هذه الصورة تساءلوا عن هذا البلح الأصفر ومعناه خاصة ان أمريكا تعلن ان عملية القبض تمت مساء 14 ديسمبر، فهل هناك بلح أصفر في 14 ديسمبر؟!
إن كل من يعرفون العراق يعرفون ان البلح الأصفر يظهر في الفترة من يوليو إلي أكتوبر من كل عام، ثم يختفي بعد ذلك ولذلك كان هذا الأمر هو الدليل الأول، بل والحاسم الذي يكشف عن كذب الرواية الأمريكية في الصميم.
وهناك أيضا الصور التي تم بثها للرئيس صدام حسين والتي بدا فيها الرئيس ذا شعر طويل، غير مهذب ولحية طويلة غير منظمة، حيث كشفت الصور عن قيام الأمريكيين بصبغ شعر رأس صدام باللون الأسود واختفاء الشيب تماما في حين انهم لم يراعوا ذلك بالنسبة للحيته.
فظهر فيها الشيب واضحا وتساءل الناس عن معني وجود شعر للرأس بلا شيب بينما شعر للحية يبدو فيه الشيب واضحا ناهيك عن بقية المشاهد التي جري سردها.
بقي أخيرا القول إن قضية صدام حسين تحولت إلي مأزق يواجه الرئيس الأمريكي، هكذا تحدث أحد المحللين الاستراتيجيين، فالرئيس الذي ظن ان القبض علي صدام يمكن ان يساعد في انقاذ شعبيته المتدهورة في الداخل الأمريكي وجد نفسه أمام السؤال الكبير: ماذا يفعل وكيف يتصرف إزاء صدام حسين؟
البنتاجون يري بضرورة التخلص من الرئيس العراقي نهائيا وقتله عبر التأثيرات المخدرة، لأن صدام حتي وهو رهن الاعتقال إلا انه مازال يمثل خطرا علي الأمن العالمي خاصة أن لديه معلومات مهمة عن اتصالاته مع الرؤساء الأمريكيين السابقين والعديد من قادة العالم وان هذه الاتصالات لن يتم الكشف عنها لأنها تتضمن العديد من الأسرار التي لا يجوز الاطلاع عليها أو الافصاح عنها في خلال تلك الفترة.
ويري قادة البنتاجون ان صدام يمكن ان يعلن عن هذه الأسرار إذا اتيحت له الفرصة للحديث إلي وسائل الإعلام وان أكثر ما يهم الإدارة الأمريكية هو بعض الاتصالات السرية التي جرت بين بوش الأب وصدام حسين، وكذلك مضمون هذه الاتصالات التي تكشف عن جانب مهم في عملية الغزو العراقي للكويت وان صدام لايزال يحتفظ بهذه الأوراق كأداة ضغط علي الجانب الأمريكي حتي الآن.
ويري البنتاجون ان هذه الوثائق التي لم يعثر علي أي منها في القصور الرئاسية لاتزال تمثل اللغز الأكثر إثارة لدي الجانب الأمريكي الذي يريد الاطلاع عليها، وان الرئيس بوش الابن يريد الحصول علي هذه الوثائق بأي شكل وأن والده يعتبر أن قتل صدام أفضل من الحصول علي هذه الوثائق وكشفها.
وتتخوف الإدارة الأمريكية من ان يكون صدام قد أعطي هذه الوثائق السرية لشخص ثان مازال يحتفظ بها حتي الآن، وان صدام هو فقط المعني بالكشف عن أمر هذه الوثائق.
تلك هي الحقيقة التي تكشف زيف ادعاءات بوش وإدارته، وكذب السيناريو الركيك الذي أعد لإخراج فيلم روائي يكشف مدي جهل وتخلف العقليات التي تقف من ورائه، وتلك التي تسير في فلكه.