عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 20-01-2004, 03:33 PM
alkasm alkasm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2004
المشاركات: 20
إفتراضي

وقال الحسن البصري في وصف الحاكم العادل: إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة لكل مظلوم ومفزع كل ملهوف، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم،وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو كالعبد الذي ائتمنه سيده وإستحفظه ماله وعياله، وهو الذي لا يحكم في عباد الله بحكم الجاهلية ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين، فهو وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.

هذا ما فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في الحفاظ على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومارسوه عندما كانوا حكاما ورعية، وفهموا أن الحفاظ على هذه العلاقة ليس أمرا مخيرا للقيام به أو تركه، بل فرض قد فرضه الله عليهم وجعل ذلك في علماء الأمة، لأنهم قادة الأمة الحقيقيون والثلة الواعية فيها. قال صلى الله عليه وسلم «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء» وهذا ما أثبته الواقع العلمي في كل عصر.

وقف أمير المؤمنين معاوية يوما على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا فقام إليه أبو مسلم الخولاني ليحاسبه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال ولم يا أبا مسلم ، فقال يا معاوية كيف تمنع العطاء وانه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الغضب من الشيطان والشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحد فليغتسل» وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم.

وهذا منذر بن سعيد العالم الجليل يحاسب الحاكم. فقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بن عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من اموال الدولة الشيء الكثير، وهي في حالة قصور فأخره وكان يشرف عليها بنفسه.... وكان منذر بن سعيد يتولى خطبة الجمعة والقضاء، فلما كان يوم الجمعة إعتلى المنبر والخليفة الناصر حاضرا والمسجد غاص بالمصلين، وابتدأ خطبته قارئا قول الله تعالى في سورة الشعراء ﴿اتبنون بكل ريع آية تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . وإذا بطشتم بطشتم جبارين . فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعملون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}﴾ حتى وصل الى قوله تعالى ﴿قل متاع الدنيا قليل والآرة خير لمن اتقى﴾، ثم مضى في ذم الإسراف على البناء بكل كلام جزل شديد ثم تلى قوله تعالى ﴿أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا شرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين﴾، وراح يحذر ويحاسب حتى أدرك من حضر من الناس وخشعوا وأذ الناصر من ذلك بأوفر نصيب، وقد علم أنه المقصود فبكى وندم على تفريطه.

وقصة العز بن عبد السلام الملقب ببائع الملوك عندما قام بمحاسبة الملك الصالح إسماعيل في حادثة الخيانة السياسية المشهورة، الذي تحالف فيها مع الصليبين ليساعدوه على نجم الدين أيوب حاكم مصر، وسلم إليهم لقاء ذلك قلعة صفد وقلعة الشقيف وبلادهم وصيدا وطبريا وما أشبه اليوم بالأمس.

هذا فيض من غيض فيما روي عن سلفنا في علاقتهم مع حاكمهم، نعم إن صلاح الناس بصلاح العلماء، وفسادهم بفساد علمائهم وحكامهم، بخلاف حالنا اليوم الذي تولاه حكام ظلمة، وأعانهم علماء فسقة زينوا لهم أعمالهم القبيحة وأقوالهم الفاسدة. عينهم الكافر المستعمر في غفلة من الأمة وخيانة من بعض أبنائها، واستجابوا لإغراءاته، وصدقوا وعوده ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾.

بعد أن كانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم حين انتزعت الصدارة وزمام القيادة من دولتي الفرس والرومان، حتى وصلت إلى درجة أنها إن أشارت إلى الشرق يطأطئ وإن أشارت إلى الغرب يومئ، وأصبحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا فاتجهت إليها النظار وصارت مهوى الأفئدة.

ولما تقاعس العلماء عن أداء مهمتهم، ورضيت الأمة بحكامها الظلمة، انتقلوا من مركز القيادة إلى مركز التبعية، ينفذون ما تريده الدولة الكافرة الحاقدة على الإسلام وأهله، فنتج ما نتج من انفصال بين الحكام والمحكومين.

ولعلاج هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلها علاقة كما أمر الله سبحانه وتعالى، فقد جعل محاسبة الحكام فرضا على المسلمين و أمرهم بالمحاسبة، وبقول الحق أينما كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، أما قول الحق والجهر به فإن المسلمين في بيعة العقبة الثانية بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على قول الحق فقالوا في البيعة- وأن نقول الحق أينما كان لا نخاف في الله لومة لائم-.

وأما محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه بالرغم من أنها داخلة في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت نصوص صريحة بالأمر بمحاسبة الحكام، فعن أبي سعيد الخدري، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

فهذا نص في الحاكم ووجوب قول الحق عنده ومحاسبته، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكافحة الحكام الظلمة مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى إلى القتل، قال صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحث على تحمل الأذى حتى الموت في سبيل تغيير الحكام وكفاح ظلمهم.

إن كفاح ظلم الحكام الذي نراه اليوم، ومحاسبة هؤلاء الحكام على أعمالهم كلها وعلى خيانتهم وعلى تآمرهم على الأمة وتنازلهم عن أرض الإسلام لأعداء الأمة، فرض فرضه الله علينا معاشر المسلمين، والقيام بهذا الفرض هو الذي يزيل الفواصل الموجودة بين الأمة والحكام، وهو الذي يجعل الأمة والحكام فئة واحدة وكتلة واحدة قوية، وهو الذي يضمن التغيير على الحكام ويضمن تغييرهم، وهو طريق النهضة، فالنهضة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحكم حين يقام على عقيدة الإسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد الحكم القائم على العقيدة الإسلامية، وإيجاد الحكام على هذا الأساس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بكفاح الحكام الظلمة ومحاسبتهم.

هذا هو السبيل الوحيد لتغيير واقعنا السيئ، وإرجاع العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة فئة واحدة.
وفي الختام أقول إن الأمة الإسلامية وهي الودود الولود لم تعقم من إنجاب علماء عاملين، أو شخصيات إسلامية تجمع بين العلم الغزير والرجولة الحقة لإعادة الحكم بما انزل الله وإقامة الدولة الإسلامية.
نسأل الله أن يكون ذلك قريبا إنه سميع مجيب