الموضوع: مطايا الأعداء
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 13-04-2005, 09:11 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
Post مطايا الأعداء

بسم اله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ومن والاهم بإحسان إلى يوم الدين،،


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،

ملخص الخطبة

للشيخ عبد العزيز آل الشيخ

1- الناس بقلوبهم. 2- القلب السليم والقلب المريض. 3- هدف المؤمن في هذه الحياة. 4- الشباب المسخَّرون للأعداء. 5- جريمة الإفساد في الأرض. 6- عقوبة المفسدين في الأرض. 7- الإشادة بجهود رجال الأمن.


الخطبة الأولى


أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، يقول فيما صحَّ عَنه: ((إنَّ اللهَ لا ينظُر إلى صوَرِكم وأموالِكم، ولكن ينظُر إلى قلوبِكم وأعمالِكم))[1].

أجَل أيّها المسلم، فالقَلبُ محلُّ نَظرِ الله للعَبد، فمَحلّ نظرِ الله للعَبد إنما هو لقَلبِه.

هذا القلبُ متى استقام واستضاء بنور الخير والهدَى أثَّر على الجوارح في سلوكِها واستقامتها، في الحديثِ عَنه : ((ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صلَحَت صلَحَ لها الجسَد كلُّه، وإذا فسدت فسَدَ لها الجسد كلّه، ألا وهي القلب))[2].

هذا القلبُ يكون سليمًا إذا سلِم من أمراضِ الشّبُهات والشّهَوات، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89]، ولَكن هذا القلبُ قد يمرض، وقد يُصاب بالعَمَى، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

القَلبُ إذا كانَ ذا بَصيرة عَقلَ النّافعَ من الضار، وميَّز بتوفيق الله بين الحسَن والقبيح، وبين الخير والشرّ، وبين الهدَى والضلال، وكلّما قوِيَ فيه الإيمان قوِيَت فيه معرفة الله ومحبةُ الله والانقياد لطاعتِه، وكلّما انحرَف عن مسيره الصّحيح وكلّما تلوَّث بالأفكار والآراء المضلِّلة أظلَم ذلك القلبُ وانتكس والعياذُ بالله، فتنقلِب الحقائق في نظره، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8]، قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

نعم أخِي المسلم، لهم قلوبٌ ولكن هذا القلبُ فقَدَ كمالَه وصِحَّته، لا يفقَه الحقَّ ولا يدري عنه، هو قلبٌ لكنّه لا يدرك الأمورَ، لا يفقه النافعَ من الضار، ولا يدرك المصالح من المفاسِدِ، وإنما هو شريكٌ لبهيمةِ الأنعام في إدراك مأكوله ومشروبِه، بل الأنعام أهدَى سبيلاً منه، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].

أخِي المسلم، للمؤمِنِ في هذه الحياةِ هَدفٌ يسمو إليه وغايَةٌ يأمُّها ويبتغِيها ويريدُها، فهدَفُه طاعة ربِّه والتقرُّب إليه بما يرضيه، غايته أن ينالَ ثوابَ الله وما وعَدَ الله المطيعين من الثوابِ والعطاء الجزيلِ، إذًا فهو في هذه الحياة الدّنيا يتصرَّف التصرّف الصحيح، وينطلق من خلالِ تفكيره السليم وعقلِه المستنير، فلا تراه يجني على نفسه ولا على أهله ولا على مجتمعه، فضلاً أن يجني بأفعالِه على دينه وأسُسِ إسلامه.

أيّها المسلم، للأسَفِ الشّديد أنَّ هناك فِئةً من الناس في هذهِ الدّنيا عندما تسبُر تصرّفاتِها وعندما تتأمَّل في أحوالِها تجِد أولئك المساكين يَسيرون في ديناهم على غيرِ هدَف، ويتحرَّكون بلا إرادةٍ من تلقاءِ أنفسِهم، ولكنّ تصرُّفاتِهم وإراداتهم تابعة لغيرِهم، لمن يريد بهم الشرَّ ويريد الشرَّ لأمّتهم، فهم لا يفقهون الأمرَ ولا يدركون. إذا سبرتَ حالَهم على الحقيقة وفكَّرت فيهم تفكيرًا سَليمًا جادًّا وتأمَّلتَ: هل هذه التصرفاتُ يريدون بها إصلاحَ دنياهم؟ وإنّ جوابَك أنَّ ذلك لا؛ لأنّ هؤلاء لا يسعَونَ في رزق، ولا يبتغون الرزقَ من أبوابه، ولا يطلبون المعيشةَ الطيبة بسُبُلها. إذًا فليس سعيُهم في تحقيقِ مصالحَ مادّيّة لهم؛ لأنّ تحركاتهم كلَّها نابعةٌ مِن إرادةِ غيرهم، ممّن يوجِّههم فِكرًا ورأيًا، ممن يقودهم لما يريد بهم وبأمّتهم من البلاء. إذًا فليسوا يسعَونَ في صلاح دنياهم، وإن نظرتَ: هل هذا دينٌ يتصرّفون من خِلاله وأنَ مرادَهم الإسلام وعزّه؟ كان جوابك: لا، فإنّ مبادئهم وأفكارهم وأحوالَهم وتصرّفاتهم تدلّ على فقدان الدّين من قلوبهم، فليسوا لدنيا ولا دين، ولكنّهم الفئة الضائعة، الفِئة المخدوعَة، الفِئة المغرَّر بها، الفئة التي لا تقصِد خيرًا ولا تريد خيرًا. هذه الفئة من الناس بُلِيَ بها العالم الإسلاميّ، فما نرَى بِلادًا من بلاد الإسلامِ وللأسف الشديد إلاّ وفِئة من هذا النوعِ تشقَى بها مجتمعاتُهم، يهدِّدونها بكلّ سبيل في دينها وأمنِها واقتصادها واجتماعها.

ترى تلك الفئةَ تسير على هذا المنهجِ السّيئ الذي لا غايةَ ولا مقصودَ لأهله؛ لأنهم ليس تحرُّكهم من إرادةٍ ذاتية، ولكنها إيحاءات خارجيّة وآراء أعداء اتَّخذوا أولئك جِسرًا يعبرون عليه ليدمِّروا الأمة في صميمها. لم يستطيعوا بقواهم الخارجيّة حتى سخَّروا أناسًا جعلوهم أرضيّةً لهم في بلاد الإسلام، جعلوهم ثغرةً مِن خلالها يلِجون إلى أهل الإسلام؛ ليقولوا: نحن ندبِّر وننصَح، ونحن ندعو إلى كذا وندعو إلى كذا، ويعلَم الله أنهم ليسوا لنا بناصِحين ولا بمحبِّين.

أيّها المسلم، هذه الفئات الضالةُ المخطِئة التي تتصرَّف في تصرُّفاتها بكلّ خطأ، تصرّفاتٍ لا يقرّها عقلٌ سليم، ولا يرضَى بها صاحب فطرةٍ سليمة، ينظرُ من خلال هذه التصرّفات فيجدها تصرّفاتٍ خاطئةً بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى.

أيَرضى مسلم أن يسترخِص نفسَه، ويضحِّي بنفسه في سبيلِ باطل، ويسفِك دمَه في سبيل باطل؟! أيرضَى أن يكونَ سببًا في قتلِ مسلِم على يدَيه إمّا بفعله أو بتسبّبه؟! أيرضى أن يكون سببًا في إخافه أمّته؟! أيرضى أن يكونَ سببًا في إضعاف كيان أمته؟! أيرضى أن يكونَ سببًا في إحداثِ الشرّ والبلاء؟!

إنهم يتصرَّفون هذه التصرّفات السيّئة، لا يعلقون حين يتصرَّفون، ولا يدركون ما يعمَلون، لكنّ الأعداءَ اتخذوهم مطايا لهم، غيَّروا أفكارَهم، ومسخوا فِطَرهم، وحوَّلوهم من إنسانٍ ذي إرادة وفهمٍ وإدراك إلى إنسانٍ لا إرادةَ له ولا فكرَ ولا وعيَ عنده. أثَّرت فيهم المخدِّرات، وقضَت عليهم البَطالة والخمولُ والكسل وقِلّة الوعي وضَعف الإيمان، حتى أصبحوا بيدِ الأعداء يسخِّرونهم كيف يشاؤون ويدبِّرونهم على ما يريدون.

فليتَّق المسلم ربَّه، وليتفكَّر في أمره، وليتصوَّر حقيقةَ كلِ أمرٍ يسعى إليه قبل أن يسعَى إليه: هل هذا السعيُ في سبيل مرضاةِ الله أم هو سعيٌ في سبيل الشرّ والفساد؟ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76].

إنَّ من يسعى في الإفساد ويدعو إلى الفساد وإلى سفك الدماء وإلى تدمير الممتَلَكات وإلى نشرِ الرّعب في البلاد ليس بحقٍّ مصلِحًا، ولكنّه المفسد مهما أراد، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204، 205].

أجل، إنّ الله لا يحبّ الفساد، ولا يحبّ المفسدين، ولا يصلِح حالَ المفسدين، بل المفسدون مصيرهم العذاب الأليم، وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

إنَّ أولئك المجرمين لو تعقَّلوا أمرَهم حقيقة لعلِموا أنَّ مسعاهم باطل، وأنهم يسعَون في باطلٍ لا في خير، وأنَّ حياتهم شقاء، وأنهم والعياذ بالله ارتضَوا لأنفسهم بهذه الحياة السيّئة وهذه الحياة الشقيّة؛ لأنهم لا يريدون بالأمة خيرًا، ولأنهم لا يدركون حقيقةَ ما أمِروا به ووجِّهوا إليه، لا يدركون، لو أَدرَكوا حقًّا لتصوَّروا الخطأ على حقيقة، لكن عمَى البصائر أحدَث فيهم هذا البلاءَ العظيم.

فلنتَّق الله شبابَ الإسلام، ولنعُد إلى رشدنا، ولنتمسَّك بديننا، ولنكُن دعاةً إلى الخير بأساليبِ الخير الذي شرِع لنا، ولنحذَر من أن نكونَ مطايا لغيرِنا أو يتَّخذنا غيرُنا لضربِ أمّتنا من غير أن نفهمَ ونفقَه، فإنَّ المسلم من يتصوَّر الأمور على حقائقها، ولا يقدم خطوةً إلا وقد علِم ما وراءَها بتوفيقٍ منَ الله والأخذ بالأسبابِ النافعة، أما الانخداع بالآراء المضلِّلة والدّعايات المغرِضة التي وراءها عدوٌّ يريد بالأمّة شرًّا.

كم نسمَع اليومَ في بلاد الإسلام هنا وهناك ماذا يحصُل على أيدي بعض أبناءِ المسلمين، ما المصلحة؟! وما الهدف؟! الهدفُ إرضاء غير المسلمين، الهدف فتحُ المجال لأعداء الإسلام ليتَّخذوا ذلك ثغرةً حتى يلِجوا منها لديار الإسلام بما يُوحون من أباطيلهم وأكاذيبهم. فلو كان الشبابُ واعيًا حقًّا ومدركًا حقًّا وفاهمًا حقًّا لرفض تلك الآراءَ المضلِّلة ولم يقبلها ولم ينقَد إليها، وأصبح فاهمًا واعيًا مدرِكًا، لا تخدَعُه الآراء الضالّة، ولا تغرِّره الأفكار المنحرِفة، بل هو يتبصَّر ويدرك، وقد بيَّن الله في كتابه أنّه يُعاقب من انصرَفَ عن الحقّ بالعقاب الأليم: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].

كم نَصح أولئك النّاصحون، وكم حذَّرهم العلماء الصّادقون، وكم نبَّهوهم من أخطائهم، لكن المصيبة أنَّ القلوبَ في عمى وصدود عن السبيلِ المستقيم، نعوذ بالله من حالِ السوءِ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبها حيث يشاء، إذا أراد أن يقلِب قلبَ عبد قلبَه، فعياذًا بالله من زيغِ القلوب ومن تتابُع الذّنوب ومن مضِلاّت الفتن ما ظهَر منها وما بطن.

بارَك الله لي ولَكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولَكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغَفور الرحيم.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه مسلم في البر (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] رواه البخاري في الإيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.