عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-08-2002, 09:36 PM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي تكملة الموضوع

أما أدلة أهل الرأي الثالث من السنة، فقد وردت أحاديث صحاح كثيرة، تدل دلالة واضحة، على مشروعية تصدق المرأة من مالها، بدون إذن زوجها.

منها قصة إعتاق ميمونة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وليدتها بدون علمه، وإقراره لها على ذلك.

قالت ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنها:
"إنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ( لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )" [صحيح البخاري (2/)915 وصحيح مسلم2 (/)694]

ومنها قصة أم الفضل بنت الحارث، قالت:
"إن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم، فأرسلت إليه، بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة، فشربه" [صحيح البخاري (2/701)و مسلم(2/791)]

فقد تصرفت أم الفضل في هذا اللبن، وهو من مالها، فأرسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقرها وشربه، ولو كان تصرفها غير شرعي، لبين ذلك.

قال النووي رحمه الله – وهو يعدد بعض فوائد هذا الحديث -:
"ومنها أن تصرف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إذن الزوج، سواء تصرفت في الثلث أو أكثر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرف فيما فوق الثلث، إلا بإذنه، وهو موضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، لم يسأل: هل هو من مالها ويخرج من الثلث، أو بإذن الزوج أم لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل". [شرح النووي على صحيح مسلم (8/3)]

ومن الأحاديث الواضحة الدلالة على حق المرأة في تصرفها في مالها، بدون إذن زوجها.

حث الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة، واستجابتهن لذلك، وتصدقهن بحليهن، كما روى ذلك جابر رضي الله عنه، قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر، فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس.

فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم، نزل وأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، و بلال باسط ثوبه، يلقين النساء صدقة، قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا ولكن صدقة يتصدقن بها حينئذ، تلقي المرأة فتخها ويلقين" [صحيح مسلم (2/603) وروى البخاري نحوه من حدبث ابن عباس البخاري (2/525)] ويراجع شرح النووي على صحيح مسلم (6/173)]

وأجاب أهل الرأي الثالث عن أدلة أهل الرأيين الأول والثاني، بأربعة أجوبة:

الجواب الأول:
ضعف الأحاديث الواردة في منع المرأة من التصرف في مالها، بخلاف أدلتهم التي لا مطعن في ثبوتها ولا دلالتها.

الجواب الثاني:
أنه لو فرض أن الأحاديث الواردة في المنع صالحة للاستدلال، لا يمكن أن تعارض الأدلة المبيحة، لقوتها ثبوتاً ودلالة، والقاعدة أنه إذا تعارض دليلان ولم يمكن الجمع بينهما قدم أقواهما، واجتماع دلالة القرآن والسنة الصحيحة على حق المرأة في التصرف في مالها، لا يقوى على معارضتها أحاديث ضعيفة، أو مختلف في ثبوتها.

الجواب الثالث:
حمل أحاديث المنع – لو صحت – على أن ذلك محمول الأدب والاختيار، و حسن العشرة واستطابة نفس الزوج، وليس على سبيل التحريم.

الجواب الرابع:
حمل المنع على المرأة السفيهة، التي تتصرف في مالها تصرف السفهاء، فتكون محجوراً عليها حجر سفه، ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة على الصحيح من أقوال العلماء، لأن السفه هو علة الحجر.

عملا بقوله تعالى: (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً )) [النساء (5)].

ولقوله تعالى في اليتامى: (( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم )) [النساء (6)].

فقد أمر الله باختبار اليتيم بعد بلوغه، وقيد دفع المال إليه برشده، ومعنى هذا أن غير الرشيد، لا يدفع ماله إليه، ولو كان جاوز سن البلوغ [يراجع كلام المفسرين لهذه الآيات، كتفسير القرطبي وابن كثير وغيرهما، وكذا كتاب الحجر في كتب الحديث وكتب الفقه]

واختار هذا المعنى الإمام البخاري رحمه الله، فقال في صحيحه: "باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها" إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز.

قال الله تعالى (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )) [وساق الأحاديث الصحيحة الدالة على مشروعية تصرف المرأة في مالها البخاري (2/915) ويراجع فتح الباري فتح الباري (5/218)]

وأشار الإمام الشافعي رحمه الله إلى ضعف أحاديث المنع، أو حملها عن صحتها على معنى حسن الأدب والعشرة.

قال البيهقي رحمه الله بعد أن ساق أحاديث المنع:
.. أنبأ الربيع قال: قال الشافعي: "يعني في هذا الحديث سمعناه، وليس بثابت فيلزمنا نقول به، والقرآن يدل على خلافه، ثم السنة، ثم الأثر، ثم المعقول" وقال في مختصر البويطي والربيع: "قد يمكن أن يكون هذا في موضع الاختيار.

كما قيل ليس لها أن تصوم يوماً وزوجها حاضر إلا بإذنه، فإن فعلت فصومها جائز، وإن خرجت بغير إذنه فباعت فجائز، وقد أعتقت ميمونة رضي الله عنها قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب ذلك عليها".[سنن البيهقي الكبرى[ 6/60]

[COLOR= crimson]وبهذا يعلم أن للمرأة الحق في تصرفها في مالها، مالم تكن سفيهة، وأنه لا فرق بينها وبين الرجل في ذلك.[/color]
__________________
الأهدل
الرد مع إقتباس