عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 30-01-2003, 07:54 PM
السلفيالمحتار السلفيالمحتار غير متصل
لست عنصريا ولا مذهبيا
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 1,578
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى السلفيالمحتار
إفتراضي

هل هي أحجية سعودية لم نشهد لها مثيلاً من قبل، أن تتقدّم دولة متخلّفة من حيث التنمية السياسية عن كل جيرانها العربيات وغير العربيات، بمشروع إصلاح سياسي داخلي علي نطاق عربي عام؟ أليس مستغرباً أن يدعو أكثر النظم العربية والإسلامية محافظة ومعاداة للتغيير ـ خاصة في جانبه الثقافي والسياسي ـ أن يدعو أنظمة أخري هي في أغلبها أكثر تطوراً منه من حيث هامش الحريات السياسية والمدنية ووجود المؤسسات الدستورية الي الإصلاح السياسي؟
أم هي مصادفة أن يصف الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، الدواء للآخرين قبل أن يعالج العلل التي تلمّ ببلاده؟ ألم يكن الأولي بتبنّي هذا الأمر، وتلك الدعوة والمبادرة، أنظمة الحكم الأكثر ولوجاً في التغيير والإصلاح، والتي قطعت شوطاً قليلاً أو كثيراً في مضماره؟
هل عني رجل السعودية الأول الإصلاح السياسي فعلاً، أم كان يقصدُ أمراً آخر؟ ولماذا لم يبدأ بما سبقه إليه آخرون، حتي تكون هناك مصداقية للدعوة أو المبادرة السعودية؟
أسئلة كثيرة تتري لتعكس الإهتمام الكبير بتصريحات الأمير عبد الله الأخيرة والتي أثارت فضولاً كبيراً لدي رجال الصحافة والإعلام في الداخل والخارج، ولدي المواطن العادي الذي يترقب بين اليوم والآخر إعلاناً من الحكومة السعودية يفتح آفاق التغيير ويعلن بداية مرحلة جديدة من تاريخ المملكة، من خلال إشراك المواطن في صناعة القرار السياسي، والتمتع بحرية التعبير والتشكّل والإنتخاب.
من الخطير للغاية أن يشعر المواطن بانسداد آفاق التغيير، ومن الخطير ـ في المقابل ـ الإستغراق في الوهم والأحلام العريضة بناء علي تصريحات هنا وهناك.. طالما تعودنا سماعها أو سماع أمثالها. وبالرغم من أن تصريح الأمير عبد الله مثيرٌ في عباراته، ومع أننا لا نريد أن نشكّك في نواياه، لكننا أما تحليل الأحجية السعودية التي استدعت التساؤلات آنفة الذكر.

هل توفّرت إرادة الإصلاح؟

هل يريد الأمير عبد الله الإصلاح؟ نعم، ونضيف للجواب كلمة أخري: (ولكن)!
إن تاريخ العوائل الملكية عبر الأزمنة المختلفة والأماكن المتنوعة وضع الملكيات في معظم الأحيان مقابل التغيير والإصلاح. الأنظمة الملكية بطبعها تميل الي المحافظة، وتميل الي معاداة التغيير، ولا توجد إلاّ شواهد نادرة علي أن تلك العوائل قبلت بالإصلاح طواعية فضلاً عن أن تدعو إليه وتتبنّاه. بعبارة أخري: الإصلاح السياسي لم يكن ـ في الغالب ـ خياراً للنظم الملكية، وهي إذ تقبل به فإنما عن (وعلي) كره واضطرار. وفي كثير من الأحيان ـ كما يدلنا تاريخ الشرق الأوسط والعالم الثالث الحديث ـ تساقطت الأنظمة الملكية عبر ثورات عنيفة في أكثرها بسبب طبيعتها المحافظة وإصرارها علي مقاومة تيارات التغيير.
وحين يأتي الأمر الي العائلة المالكة في المملكة، فإن دوافعها لمقاومة التغيير أكبر من غيرها، لطبيعة نشأة الدولة السعودية ودخول العامل الديني في شرعنتها، وكذلك للطبيعة الفسيفسائية للمجتمع السعودي، الأمر الذي يعزّز السياسات المحافظة، والقناعات المشوّهة بشأن مشروعية الدولة ونظام الحكم واعتبارهما حقّاً خاصاً مطلقاً لا حقّ لأحدٍ فيه.
لغة الخطاب السياسي الملكي السعودي بدأت في الآونة الأخيرة بالتغير، دون أن يعني ذلك بالضرورة الشروع في الإصلاح أو القناعة به، وإنّما من أجل الإلتفاف عليه وعلي دعاته. في العقد الماضي كان هناك خلط متعمد بين مفهومي (الحداثة) و (التحديث)، أي بين التنمية السياسية والتنمية الإقتصادية والإجتماعية. فالتحديث موجود وهذا صحيح، ولكنه بلا حداثة، أي بلا تغيير سياسي. وكان الأمراء يتحدثون عن نظام الحكم ـ ولازال بعض جهلة المدافعين عنهم في الخارج يفعلون ـ وكأنه أرقي ما وصلت إليه البشرية، وأن (سياسة الباب المفتوح) أعرق من كل الديمقراطيات وأفضل، وحين تسأل عن الديمقراطية يقولون إن هناك شوري، والدستور هو القرآن، وبالتالي ليس هناك شيء ينقص الشعب السعودي.
الخطاب السياسي اليوم يقول: "نعم نحن بحاجة الي الإصلاح"، بمعناه العام، أو "الإصلاح مطلوب"، أو كما قال أحدهم: "الإصلاح مفيد!" و"ضروري في كل زمان ومكان"! ومثل هذه العبارات تكافئ وتساوي (=) لا للتغيير ولا للإصلاح. إن موجة الدعوة الي الإصلاح والتغيير القادمة من مختلف شرائح المجتمع السعودي والتي تطالب بتعديل شامل لكل مجالات الحياة السياسية منها والإقتصادية والإجتماعية والدينية والقضائية وغيرها.. هذه الدعوات، بما فيها الدعوة الي احترام حقوق الإنسان، دفعت بالعديد من الأمراء الي عدم الإصطدام بل والترحيب بها من أجل استخدامها ضد الإصلاح وضد حقوق الإنسان ودعاتهما.
إننا أمام محاولة لتفريغ كل المعاني والمفاهيم من محتواها الحقيقي. مثلما حدث من قبل وآخرها ما زُعم من إصلاحات عام 1993 حين أُعلنت الأنظمة الثلاثة (نظام الحكم ـ أي الدستور ـ، ونظام المقاطعات، ونظام مجلس الشوري) فماذا استفاد المواطن من هذا كله؟ لا شيء تقريباً.
أراد الأمراء القول بصورة من الصور للمواطنين: حسن! هاكم ما تريدون! دستور مثلما هو عند الآخرين لا قيمة له، وبرلمان لا يحل ولا يربط ولا يناقش أمراً ذا قيمة ومفتاحه بيد الملك وإخوته الكبار، ونظام المقاطعات يخفف من المركزية التي تزعمونها! هذا بالأمس، واليوم يقولون: أنتم تريدون الإصلاح؟ فليكن! نحن أيضاً مصلحون! وتطالبون بحقوق الإنسان: ونحن مع حقوق الإنسان! كيف لا ونحن نطبق الشريعة؟! وتبدأ اللعبة كسابقتها حيث تفرغ الإصلاحات، إن قامت، من محتواها.
يتساءل المواطن اليوم: لماذا أعلن الأمير نايف وزير الداخلية عن (عزم) المملكة تشكيل لجنة حقوق الإنسان، بل لجنتين!! قبل نحو عامين في حين لم يريا النور حتي اليوم؟!
ولماذا يعود النفخ اليوم في تأسيس لجنة أهلية لحقوق الإنسان يتمّ تسويقها عبر رجل مباحث يتوقع له أن يرأسها؟! ولماذا أُعيد عدد غير قليل من رجال الإستخبارات العريقين الذين طردوا من مناصبهم بضغط من الأمير عبد الله بتهم الفساد، أعيدوا للعمل من جديد ليطوفوا الساحات الأوروبية والأميركية ليتحدثوا مع الصحافة الغربية كدعاة مصلحين بل ومعارضين؟!
نحن هنا، إذن، نتحدث عن بيت النجار صاحب الباب المخلوع أو المكسور، وعن أضحوكة تصدير الديمقراطية من السعودية الي كوريا الشمالية وكوبا!
والسؤال: أين تصريحات الأمير عبد الله أو مبادرته من هذا كلّه؟ وهل تعني شيئاً؟
نعم تعني شيئين أساسيين هما:
أولاً ـ بالرغم من أن الأمير عبد الله وهو الرجل الأول في الدولة مع إصلاحٍ من نوعٍ ما لا نعلم حدوده ولا مداه الزمني، وإن كنّا نستكنه غايته، وهو البحث عن الإستقرار السياسي الداخلي، ومنع البلاد من الإنفلات نحو الأسوأ (خاصة وأن الحرب ضد العراق توشك أن تقع) وكذلك محاولة امتصاص الضغوط الأميركية الخارجية.. بالرغم من هذا، فإن تصريحات الأمير تعني أنه (غير قادر علي الإصلاح)! أو بعبارة مخففة: إنه غير قادر علي مواجهة التيار الأقوي المعارض له داخل العائلة المالكة، والذي يقوده تحديداً وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز وأمير الرياض سلمان. كأنّ وليّ العهد أراد إيصال رسالة مغلّفة كأحجية في صورة مبادرة تفيد بأنه مع الإصلاحات، إذ لا يُعقل أن يدعو إليها الدول الأخري وهو لا يعمل بها، وسيواجه بذات الأسئلة التي عرضت في بداية المقالة. خاصة وأن الأمير يعلم كم هي مهلهلة مؤسسات الجامعة العربية وأنها غير قادرة علي الإتفاق بشأن قرار كهذا، وهي التي فشلت فيما دونه بكثير.
فهل أراد الأمير بمبادرته إبلاغ الشعب السعودي بأنه مع الإصلاحات ولكن في فمه ماء؟
ثانياً ـ أم أن الأمير أراد إصلاح الوضع السياسي السعودي الداخلي، ولكن طريقة إخراج الإصلاحات استدعت إظهارها في إطار (عربي) أوسع؟ أي أنه أراد إخراج الإصلاحات في السعودية وكأنها استجابة لقرار عربي، وليس لضغط أميركي غربي، أو داخلي شعبي، فالأمراء يمنحون المكرمات (جمع مكرمة) ولا يستجيبون الي ضغوط الشعب، وما يعطونه (تفضلاً) وليس (حقّاً). إذا كان الجواب بـ (نعم) فهذا يفترض أن أمراء العائلة المالكة الكبار توصلوا الي إجماع بشأن الإصلاحات وبحدودها عبر مفاوضات شاقّة وطويلة، نظراً للخلافات الواسعة بين الأجنحة المختلفة، والتي ما فتئت تظهر علي السطح بين يوم وآخر، وصارت معلومة للقاصي والداني.



ہ باحث وكاتب من الكويتالعظيمة
__________________
من روائع شعري
يمامتي
ابيحوا قتلي او طوقوا فكري سياجا
فان قتلي في دجى الليل سراجا
EMAIL=candlelights144@hotmail.com]لمراسلتي عبر الإيميل[/email]