عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 05-05-2007, 06:20 AM
خاتون خاتون غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2006
الإقامة: المغرب
المشاركات: 246
إفتراضي

في معنى الطرح القومي في الظرف الراهن


يجب التفكير في المسألة القومية بالأساس على أنها واقع راهن تشمل سلطته الجميع بما في ذلك الذين لا ينظرون إلى أنفسهم كقوميين. يبدو مثال الرئيس جمال عبد الناصر بالغ الأهمية في استكشاف السلطة البالغة للطرح القومي على الواقع السياسي العربي، حيث انطلق الزعيم المصري في البداية كصاحب مشروع متركز في القطر المصري ولم تكن له رؤية دقيقة في علاقة بالمشروع القومي على الشاكلة العملية التي أصبح عليها المشروع الناصري خاصة إثر العدوان الثلاثي. واكتشف الرئيس المصري بعد كثير من الصراع أن مشروعه الوطني المصري لا يمكن أن يتحقق خارج الوعي الدقيق بإطار قومي عربي وبمفهوم استراتيجي مثل الأمن القومي العربي. وبمعنى آخر أصبح الزعيم المصري زعيما قوميا تحت ضغط الواقع. لقد أصبح عبد الناصر قوميا ليس لشعاراتية متأصلة فيه، كما يحاول الإشارة بعض المتوترين من "الليبراليين العرب الجدد"، بل لأنه كان واقعيا. لا يجب أن يكون ذلك مفاجأة بأي شكل من الأشكال: جوهر الرؤية القومية ليس عقيدة إيمانية بمشروع مستقبلي بل هي قبل ذلك إدراك دقيق لهوية المنطقة وطبيعة الصراع القائم فيها.

وبهذا المعنى ليس الأمن القومي العربي مشروعا للتحقيق بقدر ما هو واقع قائم. وسواء كان ذلك الأمن منتهكا أو مخترقا فإن ذلك لا يعني البتة عدم إدراك الأطراف العربية في جملتها، بما في ذلك النظام الرسمي القائم، لأهمية ارتباط أمنهم بالأمن القومي. ولهذا حتى تلك الأطراف العربية التي تموقع نفسها لأسباب عديدة ضمن استراتيجيا الأمن القومي الأمريكي فهي تعرف جيدا أهمية الحفاظ على حد أدنى من الأمن القومي العربي. غير أن طبيعة الالتزامات التي انخرطت فيها تكبح الامتداد الطبيعي لمعاني أمنها القطري الى الحد الذي تتفادي فيه حتى النظر لأمن القطر المجاور كأي طرف مجاور لا يجمع بينهما الرابط القومي. وهكذا تنظر دولة مثل تركيا بجدية أكبر إلى طبيعة الوضع في العراق أو سوريا ولتأثير ذلك على مصالحها القومية مقارنة بما تقوم به مثلا أنظمة مثل الأردن والذي يبدو أحيانا كثيرة مهتما بالمصلحة الأمريكية أكثر حتى من مصالحه القطرية عند تعامله مع الوضع في القطرين المذكورين.

ورغم ذلك فإن تهور الاستراتيجيا الأمريكية خاصة في مرحلتها النيومحافظة دفع الكثير من المتموقعين ضمنها الى الاحتراز والتخوف حيث فهموا أنه لا يوجد ما يكفي من الضمانات لعدم امتداد آثار الحروب الأمريكية إلى الداخل القطري الذي اعتقدوه محصنا بعيداعن تهديد "القومجيين". وفي هذا السياق يعيد من تبقى فيهم بعض الحكمة من الراهن العربي الرسمي اكتشاف مزايا الحفاظ على حد أدنى من الأمن القومي العربي ولو أن ذلك يتم الآن من خلال تكتلات عربية إقليمية موضعية وظرفية ومن خلال تمثل هذا الحد الأدنى ضمن معايير غير دقيقة تحور طبيعة الأمن القومي لتصل ضمنيا حتى إلى مستوى الحديث عن أمن عربي سني في مواجهة "هلال فارسي شيعي".

وبشكل عام وبالرغم من كل هذا القصور في التصور والممارسة فإن الحقائق الأكثر بداهة للرؤية القومية، أي أساسا تلك المتمحورة حول مفهوم الأمن القومي العربي، لا زالت حقائق شديدة العناد وتجاهلها بالتحديد وما ينشأ عن ذلك من فراغات هو الذي يوفر الأرضية لانفلاتات التنظيمات القاعدية والتي تقدم مفاهيم واستراتيجيات بديلة مقوضة للأمن القومي.

القاعديون والتهديد بالحروب الطائفية والأهلية: التقويض الآخر للأمن القومي
حسب الاستراتيجيا العملية والمعلنة للتنظيمات القاعدية فإن مسألة "حاكمية الشريعة" تتبوأ مكانة مركزية. وبمعنى آخر فإن "أمن الشريعة"، بما يتضمن ذلك من المعاني الطائفية الضيقة للـ"سلفية الجهادية"، يحتل المكانة العليا التي يتم على أساسها الفرز العام لقائمة "المؤمنين" و"المرتدين". وتستبدل هذه المنظومة ذلك المعطى الواقعي المتمثل في الأمن القومي.

إن جوهرالتنظيمات القاعدية هو استرجاع لمقولة إسلامية سابقة مفادها رفض الواقع الراهن القائم بالأساس على رئيسية المرجعيتين الوطنية والقومية للعمل السياسي من خلال اعتبار هذه المعايير ببساطة معايير "جاهلية". لكن الوضع العراقي، على سبيل المثال، يؤكد، من جهة أخرى، معطى غير قابل للتجاهل: أن الحفاظ على شعبية التنظيم المسلح المناهض للاحتلال غير ممكن خارج شروط التركيبة العراقية شديدة الحساسية تجاه نعرات الحرب الطائفية وهكذا فإن هذا الشرط الأساسي للحل المسلح الناجع، أي العلاقة المتينة بين المسلح ومحيطه الشعبي، سيفرض على التنظيم القاعدي الانقسام ومن ثمة تخلي البعض عن جوهر الرؤية القاعدية أي التخلي عن القول بعلوية ماهو سني سلفي على ما هو وطني.[i]

وفي الواقع فإن هذا التهديد للصيغة الوطنية والمغامرة بتفتيتها بدعوى "جاهلية العصبية الوطنية" (يقع تمثيلها بالعصبية القبلية) لا يتجه إلى تقويض الدول القطرية في مصلحة دولة جامعة بقدر ما يسعى لإقامة دولة جامعة تحت النفوذ الاستبدادي للطائفة "السنية" في محيطها العقائدي الأقل انفتاحا. وهو ما يؤدي إلى إشعال سلسلة من الصراعات الأهلية على أساس "الهوية" ليس فقط بين الفصيل "السني" والآخر الشيعي أو حتى الطوائف النصرانية العربية بل حتى في خضم المحيط "السني". فلا يجب الوقوع هنا في المغالطة القاعدية التي تدعي الدفاع عن "أهل السنة والجماعة" حيث يقع الدفاع عن فصيل أقلي ضمن الساحة الشاملة للسنة العرب. إن المؤشر الآخر الباعث على الاهتمام هو الالتقاء على مستوى الرؤية الاستراتيجية بين التنظيمات القاعدية المؤججة للصراع "السني-الشيعي" وبعض الأطراف العربية الرسمية التي تتحدث عن تهديد "الهلال الشيعي". فتقييم الجانبين يتجه عمليا للالتقاء حول استهداف "غير السني" العربي بوصفه تهديدا ضروريا. إن ذلك يؤكد مقولة أساسية في علاقة ببداهة الطرح القومي من جهة الواقع القائم: تفتيت الصيغ الوطنية القائمة في إطارها القطري الراهن تهديد مباشر للأمن القومي العربي. وهنا، ورغم ما يبدو لذلك من مفارقة بالنسبة للخطاب القومي الحركي، فإن الدفاع ضد تفتيت الدولة القطرية على أساس الصراعات الطائفية والأهلية يصب مباشرة في إطار الدفاع عن الأمن القومي العربي.

يتبع