كان صلى الله عليه وسلم يمشي مع المسكين والأرملة إذا أتياه في حاجة ما، يفعل ذلك من غير أنفة. وكان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ولا يعيبه ذلك، ويكون في مهنة أهله، وكان يردف خلفه عبده أو خادمه أو قريبه يفعل ذلك على دابته، وكان يجالس الفقراء والمساكين والعبيد والإماء ويعُودهم ويزورهم، ويتفقد حالهم، ويشهد جنائزهم، وما سُئل عليه الصلاة والسلام شيئا من متاع الدنيا يباح إعطاؤه فقال لا، وكان يجلس في الأكل مع الفقراء والمساكين، وكان لا يعيب طعاما قط بل إن أحبه أكله وإن كرهه تركه، وكان يلبس من الثياب ما وجده من إزار وقميص وجبة صوف، وربما يلبس الإزار وحده ليس عليه غيره، وربما كان عليه مِرط [أي كساء] من صوف أو خز، ففي سنن أبي داود: [خرج علينا رسول الله وعليه مِرط مرحل [مرحل: فيه صور تشبه الرحل، والرحل ما يوضع على البعير للركوب]. وربما صلى بثوب واحد ملتحفا به بغير زائد عليه، وكان لا يسيل القميص ولا الإزار أي لا يرسلهما إلى الأرض بل يجعل الإزار والقميص فوق كعبيه، بل ربما كان إزاره وقميصه لنصف الساق، يفعل ذلك تواضعا، وربما نام على العباءة يثنيها ثنيتين، وربما نام على الحصير ويؤثر الحصير في جنبه الشريف، فقد اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو راقد على حصير من جريد وقد أثر في جنبه، فبكى عمر فقال له: [ما يبكيك؟] قال: ذكرتُ كسرى وملكه، وهرمز وملكه، وصاحب الحبشي وملكه، وأنت رسول الله صلى الله عليك وسلم على حصير من جريد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أما ترضى أن لهم الدنيا ولنا الآخرة]. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، والوارد عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك كثير. وقد قال عليه الصلاة والسلام: [كن في الدنيا وكانك غريب او عابر سبيل]، وقال: [ما لي وللدنيا، وما للدنيا ومالي، ما أنا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة، ثم راح وتركها]. فعلى هذا كان سيدنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله