عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 11-06-2004, 03:42 AM
علي علي2 علي علي2 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 156
إفتراضي من هو الشيعي؟ عباس بيضون

من هو الشيعي؟
عباس بيضون


مقدمة من علي علي:
مقال عباس بيضون هذا نشر في جريدة السفير اللبنانية في 11-6-2004.
هو وجهة نظر جديرة بالمفكرين أن يقرؤوها ليروا كيف يفكر بعض المثقفين خارج الأطر السياسية المألوفة التي تحتكر أو تكاد تحتكر تمثيل الجماعات الطائفية الكبرى عندنا.
ها هنا مثال لتفكير كاتب من عائلة شيعية في الطريقة التي تفكر فيها حركة أمل وحزب الله وهما التنظيمان الكبيران اللذان جل بل كل محازبوهما من شيعة لبنان.
بالمثل أعتقد أننا نستطيع نحن االمنتمين لأهل السنة أن نفكر في الأشكال التي تريد احتكار تمثيلنا!.
وهو كما قلت موجه مني لأهل التفكير في الخيمة وهم موجودون ولله الحمد وهو ليس بأي حال موجهاً للناس المحترمين الذين يريدون بكل سرور وحماسة تأجيج نيران الصراعات المذهبية!

المقال:

من الصعوبة بمكان تعريف من هو الشيعي. سؤال لا يقل صعوبة عن ذلك الذي يطرح في إسرائيل: من هو اليهودي. أحسب أننا مع امل وحزب الله لا نستطيع إلا ان نضع شروطا. إذ لا يكفي، في ما اظن، ان يولد المرء شيعيا او لأب شيعي (ليست الأم بحسب العقيدة والتقاليد شرطاً فيما احسب). لنقل اولا ان اسئلة من هذا النوع ليست في اي وقت سهلة. لا يخفى ان من الصعب تعريف الماروني والسني والدرزي والاصعب تعريف اللبناني. التعريف يخضع بالطبع للمعرّف. لنتجاوز عن السؤال التقليدي عما اذا كان الامر مناطاً بالولادة او الإيمان. فإن الولادة التي تكفي قانونا تبدو بلا محكات ولا لوازم. احسب ان حركة امل وحزب الله اللذين يتصدران الواجهة الشيعية لا يكتفيان بها. لا اعرف كيف يكون جواب السيد محمد حسين فضل الله مثلاً. لكني افهم ان امل وحزب الله لا يتصوران <<الشيعي اللبناني>> موجوداً خارج دائرتهما. لا بد انهما، على نحو، شرط للشيعي. امل لا تتصور الشيعي خارج حركة الإمام الصدر وهي حركة مزدوجة، للدخول في المجتمع والدولة اللبنانية والتميز ضمنهما. امل تتصور ان الشيعي اللبناني يولد بدءا من هذا التاريخ ولا يمكنها ان تتصوره كليا خارجها. اليساري والاسعدي مثلا يدخلان بصعوبة في هذا التعريف، فهما لم يواكبا حركة الصدر ولا نضاله لإيجاد كيان شيعي. بقيا خارج ذلك وأحيانا كثيرة ضده. أما وقد انتصرت الحركة فإنها تملك اكثر من غيرها الحق في تعريف الشيعي، والشيعي الخائن، الشيعي القاعد. الشيعي المضاد، اقل شيعية بالطبع من المواكب والمشايع المنخرط. ذلك ان ولادة الشيعي على هذا النحو لا تزال جديدة نسبيا ولا تزال ملابسات الولادة حاضرة، لكن هذه الولادة كانت مزدوجة او منقسمة، فهي تتطلع الى انخراط لبناني مع ميل الى سوريا، وهي نضال ضد الجار الفلسطيني التبس في ما بعد بمقاومة اسرائيل. وهي نزاع دموي مع الاحزاب القومية والعلمانية الحليفة للفلسطينيين لم ينته ببناء فكري. فعلى طريق هذا الصراع وبعده تحررت الحركة من منطلقاتها الفكرية وربما ساعدها انسلاخ حزب الله في أصله عنها، فقد ذهب الحزب بكل الإرهاصات الفكرية التي بدأت في الحركة فلم يعد في وسع الحركة قبالته أن تكون تنظيما دينيا. لا شك في أن انسلاخ حزب الله واستقلاله فكا التباساً لم يكن في وسع الحركة احتماله طويلاً، التباس اللبنانية والدينية. بذلك غدت الحركة ما هي عليه إطاراً شيعياً في التركيبة اللبنانية. تحررت من التبعية الايرانية، وتطابقت مع العلاقات الشيعية، واندمجت في النظام اللبناني بشروطه التي توازن بين انكفاء وانفتاح، ومحاصصة وصراع ضمن المحاصصة، وتورط داخلي مع ظهير خارجي. لقد ولدت <<حركة امل>> في مخاض شيعي لبناني طبيعي إذا جاز التعبير. صراع النخب والهوامش ضد الاحتكار الاسعدي السياسي. صراع العامة الشيعية ضد تحكم وتفوق الجار الفلسطيني. صراع الهوية الشيعية ضد التعاليات القوموية والأممية على هذه الهوية. صراع الجماعة الاقل حظوة والأجد انخراطاً لفرض نفسها داخل المجتمع والدولة، أي الانخراط من داخل الصراع وفي اثنائه، وأخيراً صراع ضد الاحتلال الاسرائيلي.
لنقل انه مسار طبيعي ومن داخل جدل المجتمع والدولة اللبنانيين. لكن ما بعد الحرب لم يترك شيئا طبيعيا، التبس الانخراط بالإغارة والنهب والتسلط والامتياز الانكشاري.
حزب الله ليس أقل إصراراً على احتكار تعريف من هو الشيعي ولو بلغة اكثر تعالياً، فحزب الله الاممي يحاذر ان ينطلق من الداخل، من وضع لبنان او الشيعة في لبنان. يعرّف حزب الله الشيعي بالمقاوم كما الحزب الشيوعي يعرف الناس بأبعادهم الطبقية الواعية او غير الواعية. اذا عرفنا ان الشيعي تحقق في المخاض ضد المقاومة الفلسطينية التي اعتبرته مقاوما بالقوة فإن الامر نفسه عند حزب الله. الشيعي مقاوم بالقوة حتى حين لا يجد موضوعا واضحا لمقاومته كمزارع شبعا. انه مقاوم بالقوة قبليا ومبدئيا، فبعد تحرر لبنان ثم تحرر الشريط الحدودي لا يزال التعريف نفسه. انه تعريف ليس سوى حزب الله يملك حقاً حصرياً به. وحده يضع التعريف ويتثبت من مطابقته. طبعا تلعب الرطانة السياسية اللبنانية الديبلوماسية والصحافية والرطانات العربية دوراً في التواطؤ مع ذلك كله. هكذا يستطيع مختار ان يترشح باسم النهج المقاوم. حزب الله يقرر وحده من هو المقاوم، وهذا من مصادر ضعف امل في معركة البلديات الاخيرة. حزب الله من كليشيه المقاومة حتى المركزية الايرانية حتى الدور الفلسطيني والسوري خارج المخاض اللبناني. انه موجود بدرجة من الاصطناع الايديولوجي والاصطناع الاقليمي والأممي، لكن انفراط الوضع اللبناني وانهيار كل مقوّماته وصوريته الحالية وتفتت الدولة والمجتمع، كل ذلك يتيح لطرف كحزب الله أن يوجد بلا مقوّم داخلي كاف، وأن يستفيد من انهيار التركيبة الداخلية واليأس منها وفقدان اي شروط داخلية للممارسة السياسية.
من هو الشيعي. إنه هكذا بحسب امل وحزب الله. من يقف خارج هذا التعريف هو تقريبا بلا مكان. هكذا يبدو افضل الكتّاب وألمع الاساتذة الجامعيين وجانب كبير من النخب المثقفة ورجال الاعمال والشيعة المتوسطين، خارج هذا التعريف، الذي بدونه لا مجال للنفاذ الى الحياة العامة. هكذا تدخل حركة أمل الجمهور الشيعي في فساد الدولة العارم بينما يخرجه حزب الله الذي هو شبه دولة قائمة بذاتها من أي التزام داخلي.
الشيعي خارج حزب الله وحركة امل ليس شيعيا حقا وليس له اي من الحقوق التي يحتكرها الطرفان، حقوق دولتية او سياسية او ايديولوجية. انه غير موجود، لا وجود في الواقع إلا للسائب العامي او المنتظم العسكري في الجيش الخاص. الاعتراف ببعض الذيول الحزبية في معركة البلديات لأسباب انتخابية مؤخراً مؤقت بالطبع، فالشيعي هو إما الذي يتخذ من الدولة ومن الطائفة نفسها غنيمة حرب او هو المنشغل بحربه الخاصة. فقدان الدولة والمجتمع يجعل كلا الامرين ممكناً وطبيعياً. هكذا بدت مجزرة الضاحية مفاجئة وكأنها إعلان فظ ومسرحي عن وجود الدولة. لكن ذلك قد يكون استرسالاً في غيابها، فالقتل على هذا النحو قد يعني دخولا صريحا وميلشياويا في عملية التقاسم والاغارة العامة او قد يعني تصرفا كجيش خاص. لكن مع احتكار أمل وحزب الله لتقرير من هو الشيعي، لن يقدم الشيعة للبنان او المنطقة إلا اسوأ ما عندهم، الجمهور الذي تكوّن في غضون الحرب، فوضاها وحزازاتها، والارث البارانويي المستعد ليظهر في قوالب عسكرية، هذا مع الاثرة والاستئثار وعقلية القطيع والقبيلة تحت شعارات متعالية.