الموضوع: شظايا ذاكرة ..
عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 19-09-2007, 01:46 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

لا تاريخ محدد لتلك الشظية

يستحيل على أصدقاءه أو من تعرف عليه في مناسبة ما، أن لا يسرد كل ما سأسرده عن (نعمان) بتواصل .. ويستحيل على من يريد إعادة إنتاج صورته وهيئته، أن يتذكره إلا بأنف محمر لامع، وكأن الزكام لا يفارقه نهائيا، كان اللمعان والحمرة تتفشى على جوار أنفه وأسفل خديه، وأطراف ذقنه المحلوق بنعومة مستمرة ..

عندما ذهب لدراسة الهندسة في جامعة دمشق، رجع ببعض المشاهدات الغريبة. عندما كان يرويها بصوته الخافت والذي كانت تختلط الحروف فيه بفعل الرشح المزمن، كان الجميع يصغون لتمييز مخارج تلك الحروف، لينعموا على إثرها بحكاية لم يستطع ـ حتى من تعرف عليه بعمق ـ أن يتوقع نهايتها ..

قال: اشتكيت من ألم في بطني .. فراجعت طبيبا، فكان تشخيصه لي أنه يشك في وجود ديدان معوية تعيش في أحشائي.. يتوقف عندها .. ثم يضيف : كنت أذهب الى المطعم وأطلب طبقا من الرز والفاصوليا البيضاء، وعندما أتأكد من أن الدود قد شبع .. أطلب لنفسي طبقا من اللحم المشوي!

ويحكي قصة أخرى، يقول : كنت أذهب الى كازينو لبنان في بيروت، في نهايات الأشهر، وفي مرة من المرات كنت أجلس أتناول عشائي، فكلما رفعت رأسي لأنظر أمامي تصادف عيناي وجه رجل يبتسم لي، فأبادله الابتسامة، وأتساءل: من يكون هذا الرجل؟ قد يكون معلم في مدرستي الابتدائية ولم أتذكره. ثم أعاود إكمال تناول وجبتي وتتكرر الابتسامة من الرجل، فأقلب ذاكرتي .. من يكون؟ قد يكون رئيس بلدية قديم وقد نسيته .. وتكررت الابتسامات والتساؤلات واحتمالية من يكون .. حتى استعنت بمن كان يجلس جانبي، فسألته أتعرف ذاك الرجل؟ فأجاب على الفور: إنه فريد الأطرش!

كان المهندس(نعمان) لا يبذل جهدا هندسيا هائلا، فقد عمل بكل شيء عدا الهندسة، وكانت أرباحه من أعماله كبيرة جدا، فقد روى أنه ربح ما يقرب من العشرين ألف دولار من عمل لم يكلفه أكثر من خمسين دولارا، حيث نفذ مكانا لاستراحة من قصب البردي حرق أطرافها بخدعة (ديكورية) .. كما أنه عمل بالأطراف الصناعية وربح منها أرباحا طيبة .. كان لا يمكث بعمل بعينه طويلا، فما أن يكتشف أن هناك من أسس مصلحة عمل تشبه مصلحته حتى يترك تلك المصلحة وينتقل لعمل آخر، استطاع أن يبني (عمارة) من ستة طبقات في موقع هام، فأصبح دخله عاليا جدا، وقيمة العمارة زادت عن مليوني دولار .. ومع ذلك كان يردد لأصحابه بأنه رجل (تافه) لا أحد ينتظره حتى زوجته وأطفاله .. ويبالغ في القول : (لو أنني أتحلل وأصبح نفطا لما افتقدني أحد!)

من قصصه التي حفظها عنه أصدقائه، أنه عندما كان في قريته (قبل الكهرباء)، كان في القرية (كلب أحمر) عرفته القرية بشراسته وخاف منه الأطفال وحتى الكبار .. فيقول : بليلة خرجت من سهرة عند أصحابي، فداست قدمي بطن (الكلب الأحمر) الذي كان مستغرقا في نومه، فذعر الكلب هاربا وترك عادة إخافة الآخرين .. فلما رأيته بذعره هذه .. صحت فرحا .. أي أنا من زمان وأنا أشتهي أن أدوس بطن هذا الكلب!

وقصته الأخيرة التي حكاها لأصحابه: أن امرأته سمعت صوتا في الليل، فتأكدت أن لصا يحاول سرقة الملابس المغسولة والمنشورة على الحبل .. فأيقظت (نعمان) .. فأجابها أن تحضر بنطلونه والقميص الأبيض وربطة العنق الحمراء والجوارب الرمادية .. كانت امرأته تستغرب منه تلك الطلبات وتستنكرها عليه حاثة إياه على الإسراع بالخروج واللحاق باللص قبل أن يسرق كل شيء من على حبل الغسيل .. في حين ظل يصر هو على طلباته حتى تأكد أن اللص قد أخذ ما يريد وولى هاربا .. في صباح اليوم التالي اكتشف هو وجيرانه أن أحد جيرانه اعترض اللص في الليل، فضربه اللص بسكين كان يحملها في أسفل عنقه .. وأن جاره لا يزال في العناية الحثيثة .. يكمل حديثه بابتسامة كأنه نموذج عن (بابا نوئيل) ولكن بدون (لحية بيضاء) .. ويضيف (مو قلة عقل لو تصديت للص و شمطني سكينا من الخاصرة للخاصرة .. مشان شوية هدوم؟) ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس