عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 10-08-2001, 12:41 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وأما النص الثالث وهو احاديث الولاية ، فان هذه الاحاديث بهذه الالفاظ لم يخرجها الشيخان البخاري ومسلم. على ان هذه الاحاديث لو صحت عند من يحتجون بها على استخلاف علي، فان النصوص التي اوردوها لا يمكن ان يستنبط منها الاستخلاف. لان جميع الفاظها لا تخرج عن " ولي كل مؤمن بعدي " " وليكم بعدي " " انت ولي كل مؤمن بعدي " ولي المؤمنين من بعدي " " فمن تولاه فقد تولاني " " فان ولايته ولايتي " " وال من والاه " . فهذه الالفاظ وامثالها من سائر الروايات لا تخرج عن لفظ الولي ، والمولى ، والموالاة، ولذلك سموها احاديث الولاية. وتفسرها جميعها روايتهم في حديث غدير خم " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فالمراد منها نصرتهم ، وان يكونوا معهم وان يحملوا لهم الولاء والمحبة. وقد وردت كلمة ولي ووالى وتولى في القرآن ، قال تعالى { وهو يتولى الصالحين } { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } { انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } { إنما سلطانه على الذين يتولونه } { الله ولي الذين آمنوا } { والله ولي المؤمنين } { ليس لهم من دون الله ولي } { ومن يتخذ الشيطان وليا } { لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء } { فقد جعلنا لوليه سلطانا } { ان وليي الله } { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم } .
وفي اللغة : الولي ضد العدو . يقال منه : تولاه . والمولى الناصر، والسيد، والموالاة ضد المعادة، والولي : من يلي امر الصغير كالأب والجد . وولي النكاح وولي المال وولي اليتيم الذي يلي امره ويقوم بكفالته . وفي معجم لسان العرب " الولي من اسماء الله تعالى هو الناصر وقيل المتولي لامور العالم والخلائق القائم بها " وقال " والولي الصديق والنصير التابع المحب ". قال ابو العباس في قوله صلى الله عليه وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " اي من احبني وتولاني فليتوله. وكلها في غير معنى الحكم والسلطان.
حتى ان شراح هذا الحديث ممن يقولون بانه ينص على خلافة علي لم يستطيعوا ان يأتوا بأي معنى صريح من اللغة بأن كلمة مولى معناها لغة الحكم والسلطان. فمثلا يقول الشيخ عبد الحسين احمد الاميني النجفي في كتابه ( الغدير ) في شرح حديث الغدير ما نصه : " الى هنا لم يبق للباحث ملنحد عن البخوع لمجيء المولى بمعنى الاولى بالشيء وان تنازلنا الى انه احد معانيه وانه من المشترك اللفظي ". وقد اورد لكلمة المولى سبعة وعشرين معنى ولم يذكر منها الحكم والسلطان فقال : بعد ان علمنا ان شيئا من معاني المولى المنتهية الى سبعة وعشرين معنى لا يمكن ارادته في الحديث الا ما يطابقهما من المعاني ألا وهي : : 1- الرب 2- العم 3- ابن العم 4- الابن 5- ابن الاخت 6- المعتق 7- المعتِق 8- العبد 9- المالك 10 – التابع 11- المنعم عليه 12- الشريك 13- الحليف 14- الصاحب 15- الجار 16- النزيل 17- الصهر 18- القريب 19- المنعم 20- الفقيد 21- الولي 22- الاولى بالشيء 23- السيد غير المالك والمعتق 24- المحب 25- الناصر 26- المتصرف في الامر 27- المتولي في الامر ". هذه هي المعاني التي اوردها ولم يورد اي معنى صريح لكلمة مولى بمعنى الحكم والسلطان. ولذلك فانه حين شرح هذه المعاني بالنسبة للحديث توصل الى معنى منها اختاره فقال " على ان الذي نرتأيه في خصوص المقام بعد الخوض في غمار اللغة ومجاميع الادب وجوامع العربية ان الحقيقة من معاني المولى ليس الا الاولى بالشيء وهو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء ومأخوذ في كل منها بنوع من العناية ".
ومن ذلك يتبين انه لم يرد الولي بمعنى الحاكم، ولم ترد الموالاة بمعنى الحكم، لا في القرآن ولا في الحديث ولا في اللغة. والالفاظ تفسر اما بمعناها اللغوي او بمعناها الشرعي ، فمن اين يأتي تفسير هذه الاحاديث بان الولي والموالاة ، معناها اعطاء الخلافة لعلي ولآل البيت ؟ واننا لو سرنا مع الذين يستدلون بهذه الاحاديث بكل معنى من معاني ولي ومعاني مولاة فانه لم يرد لها معنى تولي الحكم مطلقا ولا في نص من النصوص. نعم حين نقرن كلمة ولي بكلمة امر فحينئذ يصبح معناها الحاكم فيقال " ولي الامر " . وفي الاحاديث التي يسمونها احاديث الولاية لم ترد كلمة الامر مع كلمة ولي لا في روايات من رواياتهم، ولا من روايات غيرهم، وحينئذ ينتفي من الاحاديث معنى تولي الخلافة بعد رسول الله .
نعم ان كلمة ولاية فقط – لا كلمة مولى ولا كلمة ولي ولا كلمة موالاة – لفظ مشترك له عدة معاني ، منها النصرة ومنها السلطان اي الحكم. وورد في الاحاديث التي يروونها حديث ذكره كنز العمال ، جاءت فيه كلمة ولاية فقد يقال ان هذه تعني الحكم بحسب ما نصت عليه اللغة . والجواب هو ان هذه الكلمة وردت في الحديث بمعنى تولى، ونص الحديث يدل عليها. فنصه كما يرويه المحتجون به هو ( اللهم من آمن بي وصدقني فليتول علي بن ابي طالب فان ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله تعالى ) وهذا النص يعين ان المراد منها النصرة، اذ الرسول يدعو من آمن به ليتولى علي بن ابي طالب، لان من يتولاه يتولى الرسول ومن يتولى الرسول يتولى الله. هذا هو معنى كلمة ولاية، ولذلك جاء التعبير بالفاء " فان ولايته ولايتي " ولا يمكن ان يفهم " فان اخذه السلطان هو اخذي " بل الذي يفهم فقط هو ان نصرته نصرتي . وبذلك يظهر ان جميع الاحاديث التي ورد فيها ان عليا ولي المؤمنين بعد الرسول ومولاهم، وان عليهم موالاته ، وان يتولوه لان ولايته ولاية للرسول، جميع هذه هذه الاحاديث مهما جرى تفسيرها حسب اللغة وحسب نصوص القرآن فانه لا يمكن ان تعطي تولي الحكم لا بحسب معنى الكلمة ولا بحسب وضعها في الجمل التي وردت في الاحاديث المذكورة. فلا تصلح لان تكون دليلا على ان الرسول استخلف عليا بالخلافة من بعده فيسقط حينئذ الاحتجاج بها .

وهنا لا بد ان ننبه الى مسألتين : احداهما ان كون الكلمة مشتقة من مادة معينة لا يعني ان جميع مشتقات هذه المادة تتحد في المعنى وان احداها تعطي معنى الاخرى. بل قد تعطي اللغة اكثر من كلمة للمعنى وقد لا تعطي للكلمة الا معنى واحدا وضعت له ولا يعطي هذا المعنى غيرها، وذلك كله حسب وضع العرب. فاتحاد الكلمات بالاشتقاق لا يعني الاتحاد في المعنى ، بل تأخذ الكلمة معناها الذي وضعه لها العرب بغض النظر عن مادة الاشتقاق. فكلمة جاء وكلمة أجاء هما من مادة واحدة ومع ذلك فجاء معناها أتى وأجاء معناها ألجأ، والنضو بكسر النون معناها البعير المهزول وبضم النون معناها الثوب الخلق. وكلمة مولى لا يعني كون من معانيها المتصرف بالامر والمتولي للامر وأولى الناس، ان يكون ذلك يعني الحكم والسلطان لان كلمة ولي الامر تعني الحكم والسلطان لانهما من اشتقاق واحد . فالمولى غير ولي الامر في المعنى ، والمتصرف في الامر والمتولي للامر ايضا غير ولي الامر في المعنى. فولي الامر خاصة بالحاكم. ومولى لها عدة معاني ليس منها الحكم. والمتصرف في الامر تعني المتصرف في كل امر ولا تعني الحاكم بخصوصه، ولا يفهم منها انها تعني الحكم، لان اللغة لم تضع ذلك لها. والمسألة مسألة توقيفية على ما وضع العرب للكلمة من معنى لا حسب ما يفهم الشخص من مجموع الكلمات او من مجموع المدلولات . وعليه فان كلمة مولى ما دام لم يضع لها العرب معنى الحكم والسلطان صراحة فلا تفسر بها مطلقا. هذه واحدة. أما المسألة الثانية ، فهي ان القرائن في الجملة مهما كانت لا تعطي الكلمة معنى غير معناها الذي وضعها له العرب في صريح أقوالهم. فالقرائن تعين معنى من المعاني المشتركة او المتضادة للكلمة وتصرفه عن غيره ولا تجعل هذه القرائن للكلمة معنى جديدا لم يضعه لها العرب. فكلمة مولى لفظ مشترك والجمل التي وردت فيها تعين لها معنى من هذه المعاني ولكنها لا تعطيها معنى جديدا. فكون كلمة مولى جاءت في الحديث الذي يقال له حديث الثقلين او حديث الغدير جاءت قرائن من الجمل تدل على الحث على اعتبار المسلمين لعلي بناء على اعتبارهم للرسول لا يعطيها معنى جديدا وهو ان يكون علي حاكما بعد الرسول، ما دامت اللغة لم تضع لها هذا المعنى. ومن هنا يظهر ان حديث الغدير وغيره مما جاءت فيه كلمة مولى وولي من الاحاديث لا يستنبط منها ان عليا خليفة لعدم وضع العرب هذا المعنى لهذه الكلمات صراحة .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله