الموضوع: (( الأمثال ))
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 01-12-2006, 04:37 AM
جنات عدن جنات عدن غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
الإقامة: سينين/ العريش
المشاركات: 526
إرسال رسالة عبر MSN إلى جنات عدن إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى جنات عدن
إفتراضي

الآية رقم ‏(‏155 ‏:‏ 156‏)‏
‏{‏ واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ‏.‏ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك ‏}‏
قال السدي‏:‏ إن اللّه أمر موسى أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعداً، ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا‏}‏ على عينيه ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان قالوا‏:‏ ‏{‏لن نؤمن لك‏}‏ يا موسى ‏{‏حتى نرى اللّه جهرة‏}‏ فإنك قد كلمته فأرناه، ‏{‏فأخذتهم الصاعقة‏}‏ فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو اللّه، ويقول‏:‏ يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم‏؟‏
‏{‏رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي‏}‏ روي مثل هذا عن عباس وبعض السلف ‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً‏:‏ الخِّير فالخير، وقال انطلقوا إلى اللّه فتوبوا إليه مما صنعتم، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سيناء لمقيات وقّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم،
فقال له السيعون - فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه - لموسى، اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال‏:‏ أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم‏:‏ ادنوا، وكان موسى إذا كلمه اللّه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام، وقعوا سجوداً فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره وانكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم فقالوا يا موسى‏:‏ ‏{‏لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فأخذتهم الرجفة‏}‏ وهي الصاعقة فالتقت أرواحهم فماتوا جميعاً، فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول‏:‏ ‏{‏رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي‏}‏ قد سفهوا، أفتهلك من ورائي بني إسرائيل‏؟‏
وقال ابن عباس وقتادة‏:‏ إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل ولا نهوهم، ويتوجه هذا القول لقول موسى‏:‏ ‏{‏أتهلكنا بما فعل السفهاء منا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، يقول‏:‏ إن الأمر إلا أمرك، وإن الحكم إلا لك فما شئت كان، تضل من تشاء وتهدي من تشاء ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لمن منعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك والحكم كله لك، لك الخلق والأمر، وقوله‏:‏ ‏{‏أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين‏}‏ الغفر هو الستر وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر يراد بها أن لا يوقعه في مثله في المستقبل‏:‏ ‏{‏وأنت خير الغافرين‏}‏ أي لا يغفر الذنب إلا أنت، ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ الفصل الأول من الدعاء لدفع المحذور، وهذا لتحصيل المقصود ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ أي أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة، وقد تقدم تفسير الحسنة في سورة البقرة ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك والسدي وقتادة وغيرهم ‏.‏ عن علي قال‏:‏ إنما سميت اليهود لأنهم قالوا‏:‏ ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن جرير قال ابن كثير‏:‏ وفيه جابر الجعفي ضعيف‏"‏‏.‏
‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ‏}‏ يقول تعالى مجيباً لموسى في قوله‏:‏ ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ الآية، ‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ أي أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك سبحانه لا إله إلا هو، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ آية عظيمة الشمول والعموم، كقوله تعالى إخباراً عن حملة العرش ومن حوله إنهم يقولون‏:‏ ‏{‏ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‏}‏‏.‏ عن جندب بن عبد اللّه البجلي قال‏:‏ جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها ثم صلى خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى راحلته، فأطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى‏:‏ اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أتقولون هذا أضل أم بعيره، ألم تسمعوا ما قال‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى، قال‏:‏ ‏(‏لقد حظرت رحمة واسعة، إن اللّه عزَّ وجلَّ خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها، وأخرّ عنده تسعاً وتسعين رحمة، أتقولون هو أضل أم بعيره‏)‏‏؟‏ رواه أحمد وأبو داود، وقال الإمام أحمد أيضاً عن سلمان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن للّه عزَّ وجلَّ مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخرّ تسعة وتسعين إلى يوم القيامة‏)‏ عن أبي سعيد قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏)‏للّه مائة رحمة فقسم منها جزءاً واحداً بين الخلق، به يتراحم الناس والوحش والطير‏)‏ ‏"‏رواه ابن ماجه والإمام أحمد‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ الآية، يعني فسأوجب حصول رحمتي منة مني وإحساناً إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏للذين يتقون‏}‏ أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات وهم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الذين يتقون أي الشرك والعظائم من الذنوب، قوله‏:‏ ‏{‏ويؤتون الزكاة‏}‏ قيل‏:‏ زكاة النفوس، وقيل‏:‏ الأموال، ويحتمل أن تكون عامة لهما، فإن الآية مكية ‏{‏والذين هم بآياتنا يؤمنون‏}‏ أي يصدقون‏.‏
الآية رقم ‏(‏157‏)‏
‏{‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ‏}‏
‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏ وهذه صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم، كما روى الإمام أحمد عن رجل من الأعراب، قال‏:‏ جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما فرغت من بيعي قلت‏:‏ لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه قال‏:‏ فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود، ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي‏(‏ فقال‏:‏ برأسه هكذا أي لا، فقال ابنه‏:‏ أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أنك رسول اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏أقيموا اليهودي عن أخيكم‏)‏، ثم تولى كفنه والصلاة عليه ‏"‏أخرجه أحمد عن الجريري عن أبي صخر العقيلي قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح‏"‏‏.‏ وروى ابن جرير عن عطاء بن يسار قال‏:‏ لقيت عبد اللّه بن عمرو فقلت‏:‏ أخبرني عن صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التوراة قال‏:‏ أجل، واللّه إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏}‏ وحرزاً للأميّين، أنت عبدي ورسولي، اسمك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه اللّه حتى يتم به الملة العوجاء، بأن يقولوا‏:‏ لا إله إلا اللّه،
ويفتح به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً‏.‏ وقد رواه البخاري في صحيحه وزاد بعد قوله ‏(‏ليس بفظ ولا غليظ‏)‏ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‏}‏ هذه صفة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد اللّه بن مسعود إذا سمعت اللّه يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، ومن أهم ذله وأعظمه ما بعثه اللّه به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه‏.‏ عن أبي حميد وأبي أسيد رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الحديث عني ممّا تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ رواه أحمد بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة‏"‏‏.‏ وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهنى، والذي هو أتقى‏)‏ ‏"‏رواه الأمام أحمد‏"‏‏.‏ وفي رواية قال‏:‏ إذا حدثتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ أي يحل لكم ما كانوا حرموه عن أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام، ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث، قال ابن عباس‏:‏ كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها اللّه تعالى، قال بعض العلماء‏:‏ فكل ما أحل اللّه تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين، وقوله‏:‏ ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ أي أنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طرق عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏بعثت بالحنيفية السمحة‏(‏ وقال صلى اللّه عليه وسلم لأميريه معاذ و أبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن‏:‏ ‏(‏بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا‏)‏، وقد كانت الأمم الذين من قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع اللّه على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏، ولهذا أرشد اللّه هذه الأمة أن يقولوا‏:‏ ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه‏}‏ أي عظموه ووقروه، ‏{‏واتبعوا النور الذي أنزل معه‏}‏ أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس ‏{‏أولئك هم المفلحون‏}‏ أي في الدنيا والآخرة‏.‏