عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 30-08-2006, 11:32 AM
*سهيل*اليماني* *سهيل*اليماني* غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,467
إفتراضي

كما اشرنا سابقا انه يجب ان يكون الدين كاملا ومرنا لضمان استمراره وتقبله من فطرة البشر التي وافقهتها سياسته كما انه يجب ان يكون المبلغ لهذا الدين مجبولا على صفات يقوم عليها هذا الدين وتطابق تعاليمة وتكمل هي حاجتها منه لتعرف به جاهلية واسلاما فلا تتنافى قيمهم مع اعتقاداته وعقيدتهم مع متطلباته ..

فاختار الله سبحانه وتعالى لهذا الدين القويم خير المرسلين وخاتمهم ليكون من العرب سلالة اسماعيل بن ابراهيم الخليل .. عليهم الصلاة والتسليم .. وكيف كانت صفات العرب ومعتقداتهم واخبارهم .. فلنتامل هذه المناظرة بين ملك كسرى والنعمان بن المنذر ..

فلما قدم النعمان بن منذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم وبلادهم فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها فقال كسرى واخذته عزة الملك : يانعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم علي من وفود الأمم فوجدت للروم حظا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها وان لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها مع كثرة انهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها وقيق حسابها وكثرة عددها وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات ايديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وان لها ملكا يجمعها والترك والخزر علة ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وماهو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر امرهم ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ومع ان مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون اولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فافضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الابل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وان قرى أحدهم ضيفا عدها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك اشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما خلا هذه التنوخية التي اسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك الى يومنا هذا وان لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وامورا تشبه بعض امور الناس يعني اليمن ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا ان تنزلوا فوق مراتب الناس قال : النعمان اصلح الله الملك حق لأمة الملك منها أن يسمو أفضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها الا ان عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له فان امنني من غضبه نطقت به قال : كسرى قل فأنت آمن ...

فقال النعمان ...
اما امتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها واحلامها وبسطة محلها وبحبوحة عزها وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك واما الأمم التي ذكرت فاي أمة تقرنها بالعرب الا فضلتها ..
قال كسرى : بماذا ..
قال النعمان بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها فأما عزها ومنعتها فانها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الارض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر اذ غيرها من الأمم انما عزهامن الحجارة والطين وجزائر البحور

واما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحفة والروم والترك المشوهة المقشرة.

وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم الا وقد جهلت آباءها واصولها وكثيرا من أولها حتى إن احدهم ليسأل عمن وراء أبيه ذنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب الا يسمى آباءه ابا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب الى غير نسبه ولا يدعى الى غير أبيه واما سخاؤها فإن ادناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزي بالشربة فيعقرها له ويرضى ان يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الاحدوثة وطيب الذكر

واما حكمة ألسنتهم فان الله تعالى أعطاهم في اشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم الأشياء وضربهم للأمثال وابلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم افضل الخيل ونساؤهم اعف النساء ولباسهم افضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر
وأما دينها وشريعتها فانهم متمسكون به حتى يبلغ احدهم من نسكه بدينه ان لهم اشهر حرما وبلدا محرما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل ابيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثاره وادراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى.

وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الايماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها الا خروج نفسه وان احدهم يرفع عودا من الارض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وان احدهم ليبلغه ان رجلا استجار به وعسى ان يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي اصابته او تفنى قبيلته لما اخفر من جواره وانه ليلجأ اليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون انفسهم دون نفسه واموالهم دون ماله واما قولك ايها الملك يئدون اولادهم فانما يفعله من يفعله منهم بالاناث انفة من العار وغيرة من الأزواج

واما قولك ان افضل طعامهم لحوم الابل على ما وصفت منها فما تركوا مادونها الا احتقارا لها فعمدوا الى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع انها اكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وارقها ألبانا واقلها غائلة واحلاها مضغة وانه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها الا استبان فضلها عليه

واما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فانما يفعل ذلك من يفعله من الأمم اذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها اليها بالزحف وانه انما يكون في المملكة العظيمة اهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون اليهم امورهم وينقادون لهم بأزمتهم

واما العرب فان ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا ان يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من اداء الخراج والوطث بالعسف.

وأما اليمن التي وصفها الملك فانما أتى جد الملك اليها الذي أتاه عند غلبة الجبش له على ملك متسق وامر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال الى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار منغلبة العبيد الأشرار فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال انك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل اقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه الى موضعه من الحيرة ..
__________________
]