عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 30-08-2006, 12:24 PM
*سهيل*اليماني* *سهيل*اليماني* غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,467
إفتراضي

فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين امرهم بعث الى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين والى الحرث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين والى خالد بن جعفر وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين والى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والحارث بن ظالم المري ..

فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب وقد سمعت من كسرى مقالات تخوفت ان يكون لها غور او يكون انما اظهرها لأمر اراد ان يتخذ به العرب خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج اليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوله فاقتص عليهم مقالات كسرى ومارد عليه فقالوا ايها الملك وفقك الله ما أحسن ما رددت وأبلغ ما حجته به فمرنابأمرك وادعنا الى ما شئت قال انما انا رجل منكم وانما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم وليس شيء احب الي من ما سدد الله به أمركم واصلح به شأنكم وادام به عزكم والرأي أن تسيروا بجماعتكم ايها الرهط وتنطلقوا الى كسرى فاذا دخلتم نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم ان العرب على غير ما ظن او حدثته نفسه ..
ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه فانه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذليل وليكن أمر بين ذلك تظهر به وثاقة حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم اخطاركم
وليكن اول من يبدأ منكم بالكلام أكثم ابن صيفي ثم تتابعوا على الأمر من منازلكم التي وضعتكم بها فانما دعاني الى التقدمة اليكم علمي بميل كل رجل منكم الى التقدم قبل صاحبه فلا يكونن ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا فانه ملك مترف وقادر مسلط ثم دعا لهم بما في خزائنه من طرائف حلل الملوك كل رجل منهم حلة وعممه عمامة وختمه بياقوته وامر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة وكتب معهم كتابا ..

أما بعد فان الملك القى الي من أمر العرب ما قد علم واجبته بما قد فهم مما احببت ان يكون منه على علم ولا يتلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها في شيء من الأمور التي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة ..

وقد أوفدت ايها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وانسابهم وعقولهم وآدابهم فليسمع الملك وليغمض عن جفاء ان ظهر من منطقهم وليكرمني باكرامهم وتعجيل سراحهم وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا الى عشائرهم فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن فدفعوا اليه كتاب النعمان فقرأه وامر بانزالهم الى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم فلما ان كان بعد ذلك بايام امر مرازبته ووجوه اهل مملكته فحضروا وجلسوا على كراسي عن يمينه وشماله ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في كتابه واقام الترجمان ليؤدي اليه كلامهم ثم اذن لهم في الكلام.
فقام اكثم بن صيفي فقال:
ان افضل الأشياء اعاليها واعلى الرجال ملوكها وافضل الملوك اعمها نفعا وخير الأزمنة اخصبها وافضل الخطباء اصدقها الصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطئ آفة الرأي الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الأمور الصبر حسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة اصلاح فساد الرعية خير من اصلاح فساد الراعي من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء شر البلاد بلاد لا امير بها شر الملوك من خافه البرئ المرء يعجز لا المحالة افضل الاولاد البررة خير الاعوام من لم يراء بالنصيحة احق الجنود بالنصر من حسنت سريرته يكفيك من الزاد ما بلغك المحل حسبك من شر سماعه الصمت حكم وقليل فاعله البلاغة الايجاز من شدد نفر ومن تراخى تألف فتعجب كسرى من أكثم ثم قال ويحك ياأكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك كلامك في غير موضعه قال اكثم الصدق ينبئ عنك لا الوعيد قال كسرى : لو لم يكن للعرب غيرك لكفى قال اكثم رب قول انفذ من وصول ..

ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال: ورى زندك وعلت يدك وهيب سلطانك ان العرب أمة قد غلظت اكبادها واستحصدت مرتها ومنعت درتها وهي لك وامقة ما تألفتها مسترسلة ما لاينتها سامعة ما سامحتها وهي العلقم مرارة والصاب غضاضة والعسل حلاوة والماء الزلال سلاسة نحن وفودها اليك وألسنتها لديك ذمتنا محفوظة وأحسابنا ممنوعة وعشائرنا فينا سامعة مطيعة إن نؤب لك حامدين خيرا فلك بذلك عموم محمدتنا وان نذم لم نخص بالذم دونها ..
قال كسرى : ياحاجب ما اشبه حجر التلال بألوان صخرها ..
قال حاجب بل زئير الأسد بصولتها ..
قال :كسرى وذلك..

ثم قام الحارث بن عباد البكري فقال: دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظها وعلو سنائها من طال رشاؤه كثر مدحه ومن ذهب ماله قل منحه تناقل الأقاويل يعرف اللب وهذا مقام سيوجف بما ينطق به الركب وتعرف به كنه حالنا العجم والعرب ونحن جيرانك الأدنون واعوانك المعينون خيولنا جمة وجيوشنا فخمة إن استنجدتنا فغير ربض وإن استطرقتنا فغير جهض وان طلبتنا فغير غمض لا ننثني لذعر ولا نتنكر لدهر رماحنا طوال واعمارنا قصار ..
قال كسرى: أنفس عزيزة وأمة ضعيفة ..
قال الحارث ايها الملك وانى يكون لضعيف عزة أو لصغير مرة ..
قال كسرى :لو قصر عمرك لم تستول على لسانك نفسك ..
قال الحارث ايها الملك ان الفارس اذا حمل نفسه على الكتيبة مغررا بنفسه على الموت فهي منية استقبلها وجنان استدبرها والعرب تعلم اني ابعث الحرب قدما وأحبسها وهي تصرف بها حتى اذا جاشت نارها وسعرت لظاها وكشفت عن ساقها جعلت مقادها رمحي وبرقها سيفي ورعدها زئيري ولم اقصر عن خوض خضخاضها حتى أنغمس في غمرات لججها وأكون فلكا لفرساني الى بحبوحة كبشها فأستمطرها دما وأترك حماتها جزر السباع وكل نسرقشعم ..
ثم قال كسرى :لمن حضره من العرب أكذلك هو قالوا فعاله انطق من لسانه ..
قال كسرى : مارأيت كاليوم وفدا أحشد ولا شهودا أوفد.

ثم قام عمرو بن الشريد السلمي فقال: أيها الملك نعم بالك ودام في السرور حالك ان عاقبة الكلام متدبرة واشكال الامور معتبرة وفي كثير ثقلة وفي قليل بلغة وفي الملوك سورة العز وهذا منطق له ما بعده شرف فيه من شرف وخمل فيه من خمل لم نأت لضيمك ولم نفد لسخطك ولم نتعرض لرفدك ان في اموالنا منتقدا وعلى عزنا معتمدا ان اورينا نارا أثقبنا وان اود دهر بنا اعتدلنا الا انا مع هذا لجوارك حافظون ولمن رامك كافحون حتى يحمد الصدر ويستطاب الخبر ..
قال كسرى : ما يقوم قصد منطقك بافراطك ولا مدحك بذمك ..
قال عمرو :كفى بقليل قصدي هاديا وبأيسر افراطي مخبرا ولم يلم من غربت نفسه عما يعلم ورضى من القصد بما بلغ ..
قال كسرى :ما كل ما يعرف المرء ينطق به أجلس.

ثم قال خالد بن جعفر الكلابي فقال: احضر الله الملك اسعادا وارشده ارشادا ان لكل منطق فرصة ولكل حاجة غصة وعي المنطق اشد من عي السكوت وعثار القول انكأ من عثار الوعث وما فرصة المنطق عندنا الا بما نهوى وغصة المنطق بما لا نهوى غير مستساغة وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعي انني له مطيق أحب الي من تكلفي ما اتخوف ويتخوف مني وقد اوفدنا اليك ملكنا النعمان وهو لك من خير الأعوان ونعم حامل المعروف والاحسان أنفسنا بالطاعة لك باخعة ورقابنا بالنصيحة خاصعة وايدينا لك بالوفاء رهينة
قال له كسرى : نطقت بعقل وسموت بفضل وعلوت بنبل.

ثم قام علقمة بن علاثة العامري فقال: نهجت لك سبل الرشاد وخضعت لك رقاب العباد ان للأقاويل مناهج وللآراء موالج وللعويص مخارج وخير القول اصدقه وافضل الطلب انجحه انا وان كانت المحبة احضرتنا والوفادة قربتنا فليس من حضرك منا بأفضل ممن عزب عنك بل لو قست كل رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا لوجدت له في آبائه دنيا اندادا واكفاء كلهم الى الفضل منسوب وبالشرف والسؤدد موصوف وبالرأي الفاضل والأدب النافذ معروف يحمي حماه ويروي نداماه ويذود اعداه لاتخمد ناره ولا يحترز منه جاره أيها الملك من يبل العرب يعرف فضلهم فاصطنع العرب فإنها الجبال الرواسي عزا والبحور الزواخر طميا والنجوم الزواهر شرفا والحصى عددا فان تعرف لهم فضلهم يعزوك وان تستصرخهم لا يخذلوك ..
قال كسرى وخشى أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه حسبك ابلغت وأحسنت.

ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال: اطاب الله بك المراشد وجنبك المصائب ووقاك مكروه الشصائب ما أحقنا اذ أتيناك باسماعك ما لا يحنق صدرك ولا يزرع لنا حقدا في قلبك لم نقدم ايها الملك لمساماة ولم ننتسب لمعاداة ولكن لتعلم انت ورعيتك ومن حضرك من وفود الأمم انا في المنطق غير محجمين وفي الناس غير مقصرين ان جورينا فغير مسبوقين وان سومينا فغير مغلوبين.

قال كسرى : غير أنكم اذا عاهدتم غير وافين وهو يعرض به في تركه الوفاء بضمانه السواد
قال قيس: ايها الملك ما كنت في ذلك الا كواف غدر به او كخافر بذمته
قال كسرى ما يكون لضعيف ضمان ولا لذليل خفارة
قال قيس: ايها الملك ما انا فيما اخفر من ذمتي احق بالزامي العار منك فيما قتل من رعيتك وانتهك من حرمتك
قال كسرى : ذلك لأن من ائتمن الخانة واستنجد الأثمة ناله من الخطأ ما نالني وليس كل الناس سواء كيف رأيت حاجب بن زرارة لم يحكم قواه فيبرم ويعهد فيوفي ويعد فينجز قال :وما احقه بذلك وما رأيته الا لي
قال كسرى القوم بزل فأفضلها اشدها.

ثم قام عامر بن الطفيل العامري فقال:
كثر فنون المنطق ولبس القول أعمى من حندس الظلماء وانما الفخر في الفعال والعجز في النجدة والسؤدد مطاوعة القدرة وما اعلمك بقدرنا وابصرك بفضلنا وبالحرى ان ادالت الايام وثابت الاحلام ان تحدث لنا امورا لها اعلام
قال كسرى وما تلك الاعلام قال مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر
قال كسرى وما الأمر الذي يذكر
قال مالي علم بأكثر مما اخبرني به مخبر
قال: كسرى متى تكاهنت يابن الطفيل
قال لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن
قال كسرى :فإن اتاك آت من جهة عينك العوراء ما أنت صانع
قال ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي وما أذهب عيني عيث ولكن مطاوعة العبث.

ثم قام عمرو بن معديكرب الزبيدي فقال:
إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فبلاغ المنطق الصواب وملاك النجعة الارتياد وعفو الرأي خير من استكراه الفكرة وتوقيف الخبرة خير من اعتساف الحيرة فاجتبذ طاعتنا بلفظك واكتظم بادرتنا بحلمك وألن لنا كنفك يسلس لك قيادنا فإنا أناس لم يوقس صفاتنا قراغ مناقير من أراد لنا قضما ولكن منعنا حمانا من كل من رام لنا هضما.
ثم قام الحارث بن ظالم المري فقال:
إن من آفة المنطق الكذب ومن لؤم الأخلاق الملق ومن خطل الرأي خفة الملك المسلط فان اعلمناك ان مواجهتنا لك عن الائتلاف وانقيادنا لك عن تصاف فما انت لقبول ذلك منا بخليق ولا للاعتماد عليه بحقيق ولكن الوفاء بالعهود واحكام ولث العقود والأمر بيننا وبينك معتدل ما لم يأت من قبلك ميل او زلل.
قال كسرى :من انت
قال : الحرث بن ظالم
قالكسرى : ان في أسماء آبائك لدليلا على قلة وفائك وان تكون أولى بالغدر وأقرب من الوزر
قال الحرث إن في الحق مغضبة والسرو التغافل ولن يستوجب احد الحلم الا مع القدرة فلتشبه افعالك مجلسك ..

قال كسرى هذا فتى القوم ثم قال :كسرى قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم وتفنن فيه متكلموكم ولولا اني اعلم ان الادب لم يثقف أودكم ولم يحكم أمركم وانه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طباعكم لم أجز لكم كيرا ما تكلمتم به واني لأكره ان اجبه وفودي او أحنق صدورهم والذي أحب من اصلاح مدبركم وتألف شواذكم والاعذار الى الله فيما بيني وبينكم وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب وصفحت عما كان فيه من خلل فانصرفوا الى ملككم فأحسنوا موازرته والتزموا طاعته واردعوا سفهاءكم واقيموا أودهم وأحسنوا أدبهم فان في ذلك صلاح العامة.
__________________
]