عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 04-12-2006, 07:51 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الحركة الوطنية في ظل الاحتلال الفرنسي :

دخلت القوات الفرنسية تونس من ثلاث محاور في أيار/مايو 1881 وأجبرت الباي على توقيع معاهدة تلزم تونس بعدم عقد اتفاقيات مع دول أخرى دون علمها كما منعت عليها إدخال السلاح، وعينت وزيرا مقيما فرنسيا، تدخل في كل المناحي حتى أجبر التونسيين تعلم الفرنسية والكتابة وحتى التفكير بها، والابتعاد عن العربية، وتدهورت الصناعات التونسية التي كانت مزدهرة في بعض فروعها. وذكر (شارل أندري جوليان) في كتابه (المعمرون الفرنسيون وحركة الشباب التونسي): " أن الإقامة العامة لم تعط أية عناية لحماية الصناعات التقليدية من مزاحمة المنتوجات الصناعية المستوردة، وأن الاستعمار الرسمي أدى الى إقصاء عدد كبير من صغار الفلاحين، وجعلهم أجراء، وأن الوجود الفرنسي في تونس قضى على الهياكل التقليدية للحياة الاقتصادية، وأن ظروف عمل الأهالي كانت تقودهم حتما الى الموت السريع!"

هناك مسألة، تتعلق بنشأة الحركة الوطنية التونسية، وهي أن نشأتها كانت تأخذ خطين يختلفان في فلسفتهما، فالخط الأول هو الذي ارتبط بالباي والإدارة التي كانت تابعة للفرنسيين، حيث كانت جهود هذا الخط تميل الى المفاوضات والحوار والرجاء من تحسين صلاحيات الحاكمية المحلية، وتلك التي قادت في النهاية لبروز الحزب الدستوري كقوة هي التي حققت الاستقلال. في حين انتهج الخط الثاني خط المقاومة والنضال من أجل تحرر تونس، وقد برز قادة من كل مناطق تونس، وإن كان الإعلام الحديث والتاريخ لم ينصفهم حقهم.

بدأت المقاومة الشعبية عنيفة منذ الاحتلال.. ولكنها كانت لا تقوم على أسس تنظيمية واضحة.. وكان أول من بادر الى مقاومة سلطات الاحتلال الاستعماري هو الشيخ محمد السنوسي الذي قاد الحركة الوطنية وشكل وفودا شعبية ذهبت لمقابلة الباي تطالبه بإيقاف الفرنسيين عند حدهم. فما كان من السلطات الفرنسية إلا تنفي الشيخ السنوسي الى خارج تونس، وقاد بعده المقاومة الشعبية الشيخ (المكي بن عزُوز) أحد شيوخ الزيتونة الثوريين، وقد توفي بعد نفيه الى المشرق العربي، لكن أفكاره لم تمت فكان لها مريدوها ومن بينهم الشيخ (عبد العزيز الثعالبي)، فسارعوا لإصدار جريدة باللغة الفرنسية تدافع عن المصالح الوطنية وكان اسمها (المستقبل التونسي) .. وأخرى باللغة العربية اسمها (حبيب الأمة) وأخرى (سبيل الرشاد) .. والى جانب الثعالبي كان بعض عناصر وطنية أمثال علي كاهية والشيخ زروق وغيرهم.

تطور حركة النضال الوطني:

لم تنتظم المقاومة التونسية في تنظيم ذي محتوى سياسي إلا في عام 1907 بعد تجارب مريرة، ففي ذلك العام تأسست أول حركة سياسية منظمة لمقاومة الاستعمار الفرنسي بقيادة (علي باش حانبة) ومعه الشيخ الثعالبي ومحمد باش حانبة . وكانت متأثرة بحركة (تركيا الفتاة) وقد التف حولها قطاعات جماهيرية واسعة حيث تجمع المتأثرون بالثقافة الفرنسية مع المتأثرين بالثقافة العربية. وقد أصدرت جريدة باسم (التونسي) باللغة الفرنسية وبعد نجاحها صدرت باللغة العربية إضافة لبقاء الطبعة الفرنسية.

الحركة الوطنية التونسية والتدخل الإيطالي الى ليبيا :

في عام 1911 هاجمت إيطاليا أرض ليبيا، فهب الشعب العربي في تونس لنصرة أخوانهم في ليبيا ومدوهم بالسلاح والمال وكانت القيادة في حركة تونس الفتاة هي التي تنظم ذلك، وتهرب الضباط الأتراك القادمين من مرسيليا الى ليبيا لمقاومة المستعمرين الطليان، وقامت القبائل التونسية بحمل السلاح والوقوف الى جانب الليبيين، فانتبه الطليان لذلك، فدارت معارك بين الطليان والتونسيين في الأراضي التونسية، كان آخرها معركة ( الجلاز) والتي تلتها انتفاضات كثيرة، جعلت الفرنسيين يتخوفون من هذا التطور، فقمعت فرنسا الانتفاضات واعتقلت كل من علي باش حانبة وعبد العزيز الثعالبي والشاذلي درغوث ومحمد العروي ومحمد نعمان والمختار كاهية ..


التنظيمات السياسية للحركة الوطنية 1920ـ1952

بالرغم من الإبعاد المستمر لقادة المقاومة التونسية، فإن ذلك لم يمنع من اندلاع المقاومة بعد كل إبعاد.. فقد اندلعت ثورة مسلحة بين عامي 1915و 1918 بقيادة المناضل الشعبي الحاج سعيد بن عبد اللطيف ..

الثعالبي والحزب الدستوري

أثناء انعقاد مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 بعث الثعالبي للمؤتمر بمذكرة تتعلق باستقلال تونس وتطالب بتطبيق مبادئ ويلسون الأربعة عشر، ونشر كتابا في باريس بالفرنسية باسم (تونس الشهيدة) يفضح فيه ممارسات الاحتلال، فتلقفته جماهير المغرب العربي الكبير.. مما جعل الفرنسيين يعتقلوه ويعيدوه لتونس ليرموه في أحد سجونها..

ثارت الجماهير عند سماعها نبأ اعتقاله وهاجمت المصالح الأجنبية داخل تونس مما اضطر الفرنسيين لإخلاء سبيله. فالتفت حوله الناس مطالبة إياه بتأسيس حركة منظمة، فأسس الحزب الدستوري الحر وتم انتخابه رئيسا للحزب والمحامي أحمد الصافي أمينا عاما له ( وقد أختير اسم دستوري للحزب، باعتبار تونس أول بلد عربي كان بها دستور عام 1865 يمنح نواب الشعب حق المشاركة وخلع الباي) ..

لقد تعاون الباي (محمد الناصر ) مع الحركة الوطنية، فتضايقت فرنسا منه وقيل أنها قتلته بالسم في عام 1923، وبعد وفاته أبعد الشيخ الثعالبي الذي كان إسلاميا عروبيا، يربط نضال المشرق بنضال المغرب في الوطن العربي، وعاش متنقلا بين بغداد والقاهرة والقدس (إذ حضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس) ..

وبعد ذلك شعر التونسيون بفراغ كبير إثر ابتعاد الثعالبي ورفاقه، فأخذت جماعات تلتف على مفهوم ومبادئ الحزب الدستوري لتحوله لحزب يحمل نفس الإسم ولكن ضمن رؤية جديدة مختلفة ...

وهذا ما سنتطرق إليه في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس