عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-06-2006, 08:33 AM
عربي سعودي عربي سعودي غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
الإقامة: السعودية - الرياض
المشاركات: 2,185
Exclamation القيمة الحقيقية لقمر التجسس الإسرائيلي

عميد مهندس ركن/سبأ عبدالله با هبري

أعلنت "إسرائيل" مؤخراً عن إطلاق قمر صناعي للتجسس على كل من إيران وسوريا ولبنان، وكأن "إسرائيل" تحتاج إلى ذلك أو أن ذلك سيزودها بمعلومات غير معلومة لها حتى الآن، والحقيقة التي يعرفها العسكريون أن دولة مثل "إسرائيل" لديها طيران مسيطر ومتفوق (يمارس حرية الطيران بشكل شبه مستمر فوق لبنان وعند الحاجة فوق سوريا)، تستطيع أن تحصل من خلال طائرات الاستطلاع على صور أفضل بكثير وذات تفاصيل أدق من تلك التي توفرها الأقمار الصناعية، وما إعلان "إسرائيل" عن ذلك إلا حلقة في سلسلة إجراءات الحرب النفسية التي تمارسها ضد العرب لتذكيرهم بتخلفهم والتأكيد على تفوقها التقني، ومن ناحية أخرى فإنني أعتقد أن الإعلان جاء أيضاً ضمن إجراءات الخداع والتمويه إذ يبدو أن "إسرائيل" تمارس التجسس على الأراضي الإيرانية بالطائرات المسيرة لاسلكياً وتحصل على صور واضحة الدقة عما يجري وأعتقد أن هذه الطائرات تنطلق إما من جنوب العراق، أو المناطق الكردية أو حتى سفن الأسطول الأمريكي في منطقة الخليج وحيث إن "إسرائيل" قد تضطر إلى نشر بعض تلك الصور فإنها بادرت إلى صرف الأنظار عن مصدرها الحقيقي حتى لا ينشط الإيرانيون في البحث عن تلك الطائرات الصغيرة الحجم جداً (والتي لا تكشفها معظم الرادارات الأرضية) وبذلك يستطيعون حماية مصدر معلوماتهم الحقيقي القابل للاعتراض والإسقاط من قبل الدوريات الجوية بصرف أنظار الإيرانيين إلى الأقمار الصناعية التي لا حيلة لدول العالم الثالث في اختراقها لخصوصياتهم وتطفلها على أسرارهم.

وهذا القمر الذي طنطنت به وسائل الإعلام الإسرائيلية ليس فيه أي جديد فدقة التصوير التي أعلن عنها كانت متوفرة منذ عام 1970م. بل إن الاستطلاع الفضائي التجاري من خلال الشركات المتخصصة والمتاحة للجميع يقدم خدمة أفضل ودقة أكثر برسوم زهيدة جداً مقارنة بتكاليف بناء وإطلاق قمر صناعي. ولم تكن "إسرائيل" بحاجة إلى تحمل تلك النفقات (مع الأخذ بعين الاعتبار مدى حرص اليهود على المال)، بل إن إحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في تقديم خدمات الاستطلاع الجوي عرضت قبل فترة على شبكة NBC ملفاً كاملاً عن المواقع الإيرانية وتطور العمل فيها مشيرة إلى أن المتابعة المبكرة للنشاط الإيراني جعلتهم قادرين على التمييز بين المنشآت الحقيقية وتلك المنشآت الهيكلية التي بناها الإيرانيون للتمويه وتصعيب المهمة على أعدائهم.

ولتخفيف الضغوط النفسية على الغيورين على الدول العربية فإني أود أن يعلموا أن معظم الدول العربية لديها فرص الحصول على صور الاستطلاع الجوي من مصادر شتى ومتعددة وأنه كان من الحكمة فعلاً عدم إجهاد النفس وإنفاق الموارد في الحصول على تلك التقنية الفضائية بعد أن أصبح الاشتراك فيها ميسوراً حتى عن طريق شبكة الإنترنت. وأن الجيشين المصري والسوري كانا يحصلان بانتظام على صور المواقع الإسرائيلية من حلفائهم السوفيت منذ عام 1969 وقد أورد ذلك الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية المصري الأسبق في مذكراته التي نشرها تحت عنوان "حرب الثلاث سنوات" في الفصل العشرين (الدعم السوفيتي لمصر). كما أن مدير مخابرات صدام حسين العسكرية تحدث بعد انشقاقه وهربه عن قيام الولايات المتحدة بتمكين العراقيين من الاطلاع على الصور الجوية لانتشار القوات الإيرانية بشكل دوري خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وكذلك قيام الاتحاد السوفيتي بإطلاع صدام حسين على انتشار قوات التحالف ضده قبل ثلاثة أيام من بدء "عاصفة الصحراء" لإقناعه بالانسحاب من الكويت، وعندما أذعن صدام وقرر الانسحاب لم يمهله الأمريكيون، فقد كان قرار تهشيم الجيش العراقي وإذلال قيادته قد اتخذ.

إذا لا شيء جديد في ترسانة "إسرائيل" يثير القلق، كما أن رقعة "إسرائيل" الجغرافية المحدودة تمكن العرب من استطلاعها بالطائرات المتخصصة عند الحاجة دون اللجوء إلى الأقمار الصناعية، فقيمة أقمار التجسس تكمن في أنها أفضل الوسائل لاستكشاف المساحات الشاسعة في الدول التي ترتبط بعلاقات سلمية ظاهرياً بينما هي تضمر الشك الشديد في نوايا بعضها تجاه بعض، مثلما كان الأمر بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إبان فترة الحرب الباردة، ولذلك فإن مرور الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي لا يعكر تلك العلاقات مثل انتهاك الأجواء بطائرات الاستطلاع وفي نفس الوقت يحول دون وقوع المفاجآت المزعجة. كذلك من المفيد أن نعلم أن الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ومصر لم تغفل تطوير قدراتها العلمية في مجال دراسة تقنيات الاستطلاع الفضائي للأغراض السلمية، وللسعودية برنامج علمي متطور تشرف عليه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية متخصص في مجالات استخدامات الأقمار الصناعية يتابعه سمو الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد الذي كان لي شرف مزاملته في الدراسة وأعرف عن كثب مدى سعة علمه ومعرفته بتفاصيل وأسرار التطبيقات المختلفة للأقمار الصناعية في مجالات الاتصالات والاستطلاع والجهات المتفوقة في تصميمها وبنائها وإطلاقها إلى مداراتها. كما أن دور مصر في بناء واستثمار أقمار الاتصالات الفضائية ملموس وواقعي واستطاع أن يحرم الإسرائيليين من فرصة السيطرة على هذه الفرصة الاستثمارية المربحة.

لكن الأمر الذي يستحق الانتباه واليقظة هو قدرات "إسرائيل" على الاستطلاع من خلال شبكات الاتصال الهاتفي والحاسوبية عن بعد، وهو أمر تبالغ "إسرائيل" في كتمانه ومنع الخوض فيه إعلامياً أو حتى في الندوات العلمية. إذ إن معظم المعلومات الإسرائيلية حول العالم العربي يتم جمعها من خلال اعتراض الاتصالات الهاتفية الداخلية والدولية بأساليب متقدمة. وهي لا تمارس ذلك ضد أعدائها فقط بل تمارسه حتى في الأراضي التي لها فيها سفارات على كبار السياسيين والمسؤولين لغرضين: الأول هو التعرف على حقائق اتجاهات الأمور، والثاني: هو إمكانية استخدام المعلومات للضغط عليهم وابتزازهم عند الضرورة، ولذلك فإن إطلاق أقمار الاستطلاع الإسرائيلية حري به ألا يثيرنا ما دمنا نستطيع الحصول على ذلك من مقدمي الخدمة التجاريين عند الضرورة، خاصة وأن الصين والهند مرشحتان لدخول مجال تقديم خدمات الاستطلاع الجوي بتشعباته المدنية والجيولوجية، والبيئية في المستقبل القريب ومنافسة الشركات الفرنسية والبريطانية والأمريكية والسويدية الموجودة في السوق حالياً. وبالطبع وكما هو معروف فإن انتقال أي خدمة تقنية حديثة إلى المشغلين الآسيويين يعني بصورة عامة أن رسوم الخدمة ستخفض بقدر كبير.

صحيفة الوطن السعودية 24/5/2006