الموضوع: هل فشلنا
عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 16-11-2002, 05:00 PM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي دكتور تتوقع ليش ادخلت هذا في موضوعك

بؤس الأنسان وبؤس الثقافة

بقلم: نوري بطرس



القرن العشرين وبالذات في بداياته كانت ثمة نظريات عالجت بؤس الإنسان ومصيره وشغلت أذهان الناس طوال مائة عام وما زال صداها يرن في الآذان، فقد شهدت المعمورة حربان عالميتان الأولى والثانية راح ضحيتها الملايين، وملايين أخرى تشردوا، وقد بحث هذا البؤس في مؤلفات عديدة فقد كتب ماركس بؤس الفلسفة قبل 150 عاما تقريبا نتيجة ما خلفته اقتصاديات البلدان من فقر وبؤس وشقاء فكانت تلك الفلسفة قد بحثت أصل المشكلة وجدلياتها، وجاءت ملائمة مع ذلك العصر بل ومطابقة مع ظروفه وسلبياته وكتب توينبي التحدي والاستجابة في نظريته التي عالجت زوال حضارات وانبعاث حضارات وبؤس الإنسان فيما بين الاثنين. ثم جاء برتراند رسل في كتابه (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة) ونادى بضرورة العودة إلى عالم تسوده العلاقات الاجتماعية وقدرا من التفاؤل في عالم كانت تسوده الحروب والمظالم التي قادت الإنسان إلى صراعات نفسية عميقة ، وكانت هناك صنوف من البؤس بسبب المعتقدات المظلمة حيث كانت من الفترات المؤلمة في التاريخ الإنساني، وفي الجانب الآخر من العالم الجديد جاءت الفلسفة البراجماتية فزادت شقاء الإنسان وبؤسه، وتزعمها فلاسفة كثيرون في الولايات المتحدة على رأسهم وليم جيمس. حيث قادت تلك البراجماتية حروبا كثيرة بعد ذلك في العالم فكانت من ثمارها الأولى القنبلة الذرية التي ألقيت على اليابان بتشجيع من قادة الولايات المتحدة وفلاسفتها، لأن البراجماتية كانت تمثل الخط الرئيس لهؤلاء، فشهد العالم بعد ذلك حروبا أخرى زادت من بؤسه وشقائه ومنها صراع القطبين المتنافرين في فترة الستينات بين العالمين الرأسمالي والاشتراكي وكادت مسألة خليج الخنازير تؤدي بالبشر إلى كارثة أخرى وهكذا غدا التاريخ البشري سلسلة من التفاعلات والأندماجات الاجتماعية والسياسية والثقافية قامت بها حضارات ذات مناشئ متعددة على الرغم من التطور العلمي والتكنولوجي الذي يسير حثيثا لتخليص الإنسان من بؤسه وشقائه ولكن الأمور تنقلب رأسا على عقب، فبعد مائة سنة من عذابات الإنسان بدأنا نستقبل عصرا جديدا، وكان أمل الإنسان الوحيد أن يرى بصيصا من النور في النفق الطويل، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور اقتصاد السوق والنظام الدولي الجديد والتعددية والخصخصة، ألقت العولمة بظلالها في الأفق البعيد ولكن هل استطاعت أن تخلص العالم من ذلك العذاب والبؤس؟ لقد زادته عنفا وإرهابا فهناك الهيمنة الاقتصادية إلى جانب الهيمنة الثقافية وبات المسرح العالمي يحوم حول عالم الأساطير والأوهام والسحر والطقوس والميتافيزيقيا في عالم ما قبل الرأسمالية، واليوم يسعى إلى عالم ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية والمجتمع المدني والتسامح والتضامن إلى جانب ذلك هناك الخضوع والاستسلام والاستبداد والقهر والظلام!! فقد اخترقت العولمة الحاجز الجغرافي وباتت تدخل البيوت دون سابق إنذار وأخذت القنوات الفضائية تساهم في تكوين مدركات وعي المشاهد بالصور والأشكال تجاوزا على الثوابت القومية والوطنية، وعلى الدين والتراث المعاصر ومكانة المرأة في المجتمع فبات الإنسان في ظل تحولات العولمة يفقد توازنه النفسي والعاطفي وخلق حالة من عدم الاستقرار في مرتكزات الإنسان الثقافية والمادية التي حافظ عليها مئات بل آلاف السنين وطمست معالم التراث والفلكلور، أما في المجال الاقتصادي فأصبح الإنسان سلعة في سوق الشركات المتعددة الجنسيات فزادت من الفقر والبؤس والشقاء في العالم الثالث بل إلى أدنى درجات الفقر وخلقت العالم الرابع الذي بات يعيش في أوهام وأحلام. لقد شوهت المفاهيم الأخلاقية وأصبح الإنسان يشعر بأنه لاطائل في العمل السياسي يجدي نفعا في ظل غياب التخطيط وغياب القيم والمبادئ وضياع الهوية القومية والوطنية والصراع الطائفي وتراجع المؤسسات التعليمية قياسا بالعالم المتمدن وتراجع وسائل الإعلام لصالح المؤسسات الكبرى. وأخيرا انحسار التراث الثقافي والأدبي والفني وظهور أزمة الإبداع بسبب غياب وهجرة العقول فدخلنا من جديد في نفق مظلم ولكن هل يستسلم الإنسان لمأساته الراهنة ؟؟، البعض يقول لا!!
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)