عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 20-05-2005, 03:28 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي تتمه

[size=5][font=Arial Black]ولإخفاء صدام حقيقة أنه سلّم الفاو ، بادر بإعدام كبار ضباط الوحدات العراقية التي كانت مرابطة في الفاو بتهمة التقصير والخيانة . ومن أجل ذرّ الرماد في العيون حشد حاكم العراق ثلاثة فيالق في مواجهة الفاو ، متظاهراً بأنه مصمم على استعادتها . ولم يَطُل الأمر حتى سحب هذه الفيالق متذرعاً بالعوائق الطبيعية التي تجعل الهجوم على الفاو بالغ التكلفة . وقال صدام يومها بعد أن قرر الانسحاب (( هم بقاعهم واحنا بقاعنا )) ( أي هم في أرضهم ونحن في أرضنا ) .


ومرة أخرى توافد المسؤولون الأميركيون على الكويت يعرضون الحماية ، ويطالبون بمنحهم تسهيلات على أرض الكويت لتخزين العتاد والأسلحة اللازمة للقوات الأميركية التي ستهب لنجدة الكويت عندما يحدق بها الخطر . وتزحف نحوها القوات الإيرانية .


غير أن أمير الكويت عرض على أميركا بدلاً من ذلك إقامة جزيرة صناعية في البحر لتخزين هذه الأسلحة والمعدات ، بحجة أن إعطاء واشنطن قاعدة في البر الكويتي من شأنه أن يثير سخط الشعب . وكان طبيعياً أن ترفض أميركا الفكرة ، لأن هدفها الحقيقي الحصول على موطئ قدم على البر الكويتي .


وبعد أن فشلت أميركا في تحقيق هدفها من خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية ، رغم استمرارها سنوات عديدة ، وفي ضوء تقارير طبية تحدثت عن تدهور صحة الخميني ودنو أجله ، أخذت ترتب الأمور لإنهاء الحرب قبل موته . إذ من المعلوم أنه لو مات الخميني قبل انتهائها فلن يجرؤ خليفته كائناً من كان على إنهائها قبل تحقيق الهدف الذي حدده الخميني لها ، ألا وهو إسقاط نظام صدام ، وإقامة (( جمهورية إسلامية )) في العراق .


ومع أن تمويل هذه الحرب تحملت عبئه السعودية بالدرجة الأولى ثم الكويت ، إلا أن أميركا قدّمت للعراق قروضاً زراعية بلغت خمسة مليارات دولار كانت تودع في بنك (( انترناشيونالي )) في أطلنطا بجورجيا ، حيث تُحوّل لشراء لوازم عسكرية من الولايات المتحدة . ولعلّ أهم ما اشتراه العراق من السوق الأميركية في ذلك والوقت (( الكمبيوتر العملاق )) ، الذي كان له الأثر الحاسم في تطوير الصواريخ العراقية ، والتحكم في مساراتها ، إلى جانب قراءة الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية .


وهكذا قررت واشنطن إنهاء الحرب ، واستصدرت القرار 598 من مجلس الأمن . وطلب القرار من الدولتين وقف الأعمال الحربية تمهيداً لإنهاء الحرب والتوصل لمعاهدة سلام . غير أن إيران رفضت القبول بالقرار في البداية بحجة أنه لا يرتب على العراق الذي أشعل الحرب أية تَبِعات . أما العراق فأعلن على الفور أنه يقبل القرار ، ومستعد لتنفيذه فور إعلان الطرف الآخر عـن قبوله له .


وبعد أشهر من صدور هذا القرار أوعزت أميركا للخميني بإنهاء الحرب . وكان لا بد من (( سيناريو )) يليق بالخميني . فصدر القرار بتولية رافسنجاني العميل الأميركي العريق المسؤولية عن الحرب كوكيل للخميني . وبالفعل رتّب رافسنجاني الأمور ، فسحب قوّاته من الفاو ومن منطقة (( جزر مجنون )) لتحتلها القوات العراقية بهجوم خاطف خلال أقل من يومين ، وأخذت القوات العراقية تتوغل في الأراضي الإيرانية ، وكأنه لا يوجد مدافعون عن هذه الأراضي . ورفع رافسنجاني تقريراً عن هذا الوضع للخميني ، مما جعله يعلن إنهاء الحرب بطريقة دراماتيكية ، قال فيها إنه لأهون عليه أن يتجرّع السمّ من أن يعلن قبوله بقرار مجلس الأمن ( رقم 598 ) ، ولكن استمرار الحرب ، حسبما فَهِمَ من المسؤولين عنها ، فيه دمار للبلاد والعباد .


وهكذا انتهت الحرب ، وظهر صدام بمظهر البطل المنتصر ، مع أن هذه الحرب الآثمة ، التي أشعلها خدمة لأميركا ، كلفت شعبي العراق وإيران المسلمين ما يقارب المليوني قتيل ، كما كلّفت العراق بوجه خاص عشرات مليارات الدولارات من الديون ، وهوى الدينار العراقي إلى عُشر قيمته أو أقل ، ولم يبقَ في العراق إلا وقد فُجِعَ بقتيل أو أسير أو مقعد .


وكما هو معروف ، فإن الدول الحيّة ذات المطامح لا تكفّ عن رسم الخطط لتحقيق أهدافها ، فهي كلما فشلت خطة وضـعت غيرها . والدولة التي تقعد عن رسم الخطط لتحقيق أهدافها ، حتى لو كانت دولة كبرى ، هي دولة آذنت شمسها بالزوال . أما الدولة الأولى في العالم ، سواء أكانت متفردة أو متفوقة ، فإنها كلما فشلت خطة رسمت غيرها حتى تحقق ما تطمع إليه أو تطمع فيه .


وكانت خطة أميركا الأخيرة لتحقيق هدفها في الهيمنة على منطقة الخليج ، بل والشرق الأوسط بأسره ، هي دفع العراق لاحتلال الكويت ، دون المس بالعائلة الحاكمة ، حتى تكون إعادة هذه العائلة إلى سلطانها درساً لغيرها من دويلات الخليج ، فترتمي كلها في حضن واشنطن ، كما حصل الفعل .


وعلى أية حال ، ما كانت أميركا لتسمح لقطر إسلامي بضم قطر آخر بالقوة ، حتى لا يكون ذلك سابقة توقظ الأمل في نفوس المسلمين بإمكانية تحقيق وحدتهم ولو بالقوة ، عندما يتحررون من نير الكفار ويقيمون الخلافة .


وبعملية الكويت ، ورضوخ حكامها ، ومعهم حكام باقي دويلات الخليج ، للهيمنة الأميركية ، وعقدهم اتفاقات أمنية ودفاعية مع واشنطن ، وقبولهم بتمركز قوات برية وبحرية وجوية في أراضي دولهم ومياهها ، صارت لأميركا الكلمة الفصل في قرارات هذه الدول السياسية والاقتصادية والعسكرية ، كما سيطرت على نفط الخليج كله ، بدءاً من إيران وانتهاء بالإمارات العربية المتحدة ، مروراً بكل من العراق ، والكويت ، والسعودية ، والبحرين ، وقطر .


وبهذه السيطرة صار بوسع أميركا التحكم حين يلزم في الدول الأخرى التي تعتمد على نفط الخليج كاليابان ودول أوروبـا الغربية . وبالطبع ذلك مرهون باستمرار هيمنتها على دول الخليج لا سمح الله .


ولضمان استمرار سيطرتها على هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للكثير من الدول في العالم ، فإن واشنطن تبنّت نظرية (( الاحتـواء المزدوج )) . وظاهر هذه النظرية أنها لحماية دول الخليج من الخطرين : العراقي والإيراني . ولكن حقيقتها هي الاستعانة بالعراق وإيران في تمكين سيطرتها على باقي دول الخليج . ولعب ويلعب صدام في هذا الإطار دوراً بشعاً آخر ، على حساب إدامة الحصار على بلاده ، وتجويع شعب العراق ، وحرمانه من أبسط أساسيات الحياة .


فهو لا يكفّ عن مشاكسة فرق التفتيش التي تعمل في العراق للتأكد من خوله من أسلحة الدمار الشامل . وتتخذ الولايات المتحدة من هذه المشاكسة ذريعة لحشد القوات بمختلف أنواعها في منطقة الخليج ، بحجة ضرب العراق لتأديبه على مشاكساته أو ثنيه عنها . ويدبّ الرعب في هذه الأثناء في دول الخليج نظراً لأنها تخشى أن يطالها رد صدام على الضربات الأميركية . وهذا بدوره يساهم في إضعاف موقف هذه الدول إزاء أميركا ، مما يجعلها تقبل باستقبال طائراتها وأساطيلها البحرية ، وتحمّل نفقات نشر هذه القوات في أراضيها ومياهها .أمّا إيران فإنها تظل ترفع شعار التصدي لقوات (( الشيطان الأكبر )) في الخليج ، وتقوم بإجراء المناورات في مياه الخليج وعلى شواطئه ، وتثير مخاوف دول الخليج من وقوع صدام مسلح بينها وبين القوات الأميركية ، مع ما يترتب على ذلك من أخطار على هذه الدول التي تتمركز فيها القوات الأميركية . وذلك بالإضافة إلى توتير علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة حول الجزر الثلاث التي احتلتها إيران في الخليج أيام الشاه .


ومع أن أهداف نظرية (( الاحتواء المزدوج )) لم تعد تخفى على أحد ، بمن في ذلك حكام الخليج أنفسهم ، إلا أن إدراك الأمـور شيء ، واتخاذ موقف على أساسها شيء آخر ، وخصوصاً إذا كان هذا الموقف يعني التصدي للدولة الأولى في العالم ، التي يتصور الجميع أنها قادرة على إلحاق الأذى بكل من يتصدى لها .


ولم يقتصر تأثير الدور الذي لعبه صدام في خدمة أميركا على منطقة الخليج وحدها ، بل كان له تداعيات إقليمية أوسع مدى ، إلى جانب التداعيات الدولية .

فعلى الصعيد الدولي ، استغلت أميركا احتلال العراق للكويت ، وأنشأت تحالفاً دولياً واسعاً لإخراج العراق من الكويت ، ضمّ دولاً كبرى كبريطانيا وفرنسا ، كما ضمّ دولاً أقل شأناً من مختلف بقاع العالم ، بما في ذلك دول عربية وأخرى قائمة في العالم الإسلامي . وجعلت واشنطن هذا التحالف يجسّد زعامتها الدولية وانفرادها بالموقف الدولي ، خاصة وأن مناورة الكويت تزامنت مع تصدّع الاتحاد السوفيتي الذي كان على وشك الانهيار .


وأما على الصعيد الإقليمي ، فإن ما قام به صدام من قصف تل أبيب بالصواريخ كان رسالة أميركية لإسرائيل هدفها إفهام الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية أن المراهنة على دوام التفوّق العسكري على العرب وهم ، وأن الحدود الآمنة لا تقام على أسس جغرافيـة . وبذلك تهيأت إسرائيل لما أعلنه بوش ، عقب انتهاء الحرب مباشرة ، من أنه سيشرع بحل (( قضية الشرق الأوسط )) وفق أسس معينة . ودخلت إسرائيل بالفعل في عملية مدريد .


هذه هي أهم الأهداف التي مكَّن صدام واشنطن من تحقيقها ، على صعيد الخليج ، وعلى صعيد النزاع العربي ـ الإسرائيلي ، وعلى صعيد الموقف الدولي . وكل ذلك تمّ ويتم على حساب جماجم أبناء العراق ، وعلى حساب جوع العراقيين ، وفقدهم أبسط مقوّمات الحياة . ولكن صدّاماً لا يهمّه شيء من ذلك . فكل ما يهمّه رضا أسياده ، ظنّاً منه أن هذا الرضا كفيل بإبقائه في سدة الحكم . وما درى أن الكثيرين من عملاء أميركا ، وغير أميركا من الدول الغربية ، الذين قدّموا لأسيادهم الكثير ، خلعهم أسيادهم كما يُخلع الحذاء القديم ، وألقوا بهم في مزابل التاريخ ، حين وجدت هذه الدول أن مصلحتها في إزالتهم ، دون أن يكون لخدمات هؤلاء العملاء السابقة أي اعتبار .