عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 06-11-2006, 11:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الديمقراطية .. لعبة لها أصول ..

قد يمتعض البعض من وصف الديمقراطية أو إلصاق صفة اللعبة بها، لكن لم أكن الأول من ابتدع لها هذه الصفة، فقد وضع الكاتب الأمريكي (مايلز كوبلاند) كتابا بعنوان (لعبة الأمم) صدر في لندن عام 1969 وترجمه للعربية (مروان خير) عام 1970 ونشرته مكتبة الزيتونة في بيروت.

وإذا سلمنا ولو مؤقتا بتلك الصفة، وحاولنا رؤية مدى صحتها ومطابقتها لأصول اللعبة، فسنجد أن كما هناك في اللعب احتراف ومحترفين، فإن للديمقراطية لاعبيها ومحترفيها، وكما أن هناك من يتعهد تزويد الملاعب والأندية بلاعبين، وهناك من ينتقي أبطالا يمثلون بلادهم بالمسابقات الدولية، فإن الديمقراطية كونها الصيغة التي توصل هيئات الحكم في البلاد التي تنادي بذلك الأسلوب واعتماده كصيغة مطروحة لتناقل مواقع السلطة في مختلف مستوياتها ..

لكن من يهتم بالديمقراطية؟ وما علاقة ذلك بما أسلفنا بما يخص علاقات الإنتاج ؟ هل هم عموم الشعب الذين يتأثروا بما يصنع من قرارات عليا ترسم سياسات البلاد، أم أن الذين يهتموا هم من على رأس المصالح الاقتصادية من صناعات كبرى ورؤى لتوسيع مصالحهم خارج حدود البلاد؟ أم من هم على رأس الحكم، والذين لا يبتعدون كثيرا عن أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى؟

لقد مررنا على عصر بدايات النهضة الصناعية في أوروبا، وما أفرزت تلك الثورة من فكر أوصل أوروبا الى تفصيل كيانات تستطيع التعامل مع موضوع علاقات الإنتاج تعاملا دقيقا حساسا. فتشكيل النقابات وجعلها مخازن هامة للرأي العام ويمثل نسبيا عموما طبقات الشعب الدنيا، وما وصل الى صيغ تعايشية مع إدارة الحكم في البلاد، من خلال الصيغ البرلمانية ..

لقد كانت الصيغ الديمقراطية المبتكرة في أوروبا، عبارة عن حلول مواكبة للتطور شيئا فشيئا، وما جرى عليها من كتابات و تعديلات دستورية، جاء نتيجة فحص الإخفاقات التي تواجه ممثلي الشعب بكياناته (مخازن الرأي العام)، تماما كما يجري على تعديل لوائح لعبة كرة القدم أو غيرها من الألعاب ..

فقد كان العمال يعانون من طول ساعات العمل فتقلصت من أربعة عشر ساعة الى عشر الى ثمان الى أربعين ساعة في الأسبوع. وكان أصحاب المواقع السياسية العليا أو الطامحون بتحسين مواقعهم السياسية يتفاعلون مع قضايا العلاقات الإنتاجية لأسباب تتعلق بتحشيد وتجميع القوى من حولهم، فانتزاع مكسب في تحسين قواعد اللعبة كان يمر بممرات صعبة، ولا يمنح منحا بلا ثمن أو دون صراع سلمي أو حتى عنيف، وكلنا يتذكر الإضرابات العمالية التي عصفت بأوروبا والولايات المتحدة والدول الصناعية في مطلع القرن العشرين حتى آلت أوضاع العالم المتقدم الى ما آلت إليه.

لقد أفرز الصراع السلمي والعنيف، دساتير وقوانين، كانت بمثابة عقود بين من هم في أعلى موقع للحكم، وبين عموم الشعب في كل بلد من البلاد التي خاضت مثل ذلك الصراع، وكان أمام دافع الضرائب أن يطمئن على ما يدفعه من مال لتسيير أمور الدولة التي هي بمثابة (مجلس إدارة) للشعب بكل أصنافه (الجمعية العامة للشركة الكبرى) .. فكانت صياغة القوانين تضغط باتجاه مراقبة صرف الأموال وإحقاق الحق لكل أفراد الشعب .

فكانت الصيغ التي لم تأت دفعة واحدة، بل على دفعات متعاقبة أكلت في بعض دول أوروبا أربعة أجيال تواصلت جهودها وارتبطت مع بعض باتجاه الوصول لما وصلت إليه .

بالمقابل فإن الدول التي تبنت الخط الاشتراكي، ركنت لمخزون النضال اللفظي، في حين غرقت في وضع بيروقراطي، جعل أجمل ما عندها من أفكار في حوزة الدول التي حسنت أساليبها الديمقراطية، فكانت دول مثل الدول الاسكندينافية تتفوق باشتراكيتها الهادئة على الاتحاد السوفييتي و منظومته التي كانت تطبقها منقوصة بفعل نظام مركزي، كما أن أرباب العمل التي وضعت مبادئ الثورات ضدهم، قد اختفوا من الظهور الواضح وراء لعبة الأسهم والمساهمين، فكان العامل الذي يجب أن يثور شريكا في أسهم شركة يفترض أن يثور على أصحابها ولكن كيف سيثور وأصبح أحد المساهمين بها؟

أغفل المثقفون العرب، سواء كانوا في المعارضة أو في الحكم، مسألة تطور علاقات الإنتاج وحذفوها من أدبياتهم، باعتبارها مسألة ترف فكري! وهم اليوم وبالأمس ينشدون التحول الديمقراطي، وكأن التحول يأتي بالشهوة والرغبة وبالوصفة الطبية التي تشترى، مغفلين الضرورة والوظيفة التاريخية للصيغ القانونية التي تتصل و تتكئ على ما قبلها من خطوات ..

وهذا ما سنذكره في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران