الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #72  
قديم 06-04-2004, 09:20 AM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

أجل أنا روز!

العادات.. التقاليد.. مبادئي.. قيمي.. وجهات نظري.. الناس.. اخوتي.. كل شيء تضارب في عقلي وأنا أفكر بما أريد فعله.. ولكني ضربت بهم جميعا عرض الحائط.. فوقتها لم يحكم العقل.. إنما القلب هو الذي أتخذ السيادة على الموقف.. هو من أمسك بزمام الأمور.. فأصبح الآمر والناهي في جميع المسائل.. المتحكم في جميع الأمور.. أمرني قلبي أن أفعل ذلك.. ولن أنتظر عقلي حتى يصدر قراره سواء بالرفض أو الإيجاب.. لأني أعلم أنا لرفض سيكون نصيبي.. إلا أني لن أسمح له بالتدخل هذه المرة.. ليس هذه المرة..
كنت قد وضعت حقيبتي على سريري.. ذهبت إليها.. وبأصابع مرتجفه فتحتها.. وباستماته أخرجت هاتفي المحمول.. لمسته أول مرة ولكأني لمست جمرة فتركته بسرعه.. إلا أني عدت واستدعيت شجاعتي التي فرت مني فأخذته بسرعه وأطبقت يدي عليه.. نظرت إليه وأنا أمسكه بقوة أخاف أن أسقطه مني يدي لشدة خوفي.. أخذت نفسا عميقا وقلت: هيا يا روز.. تستطيعين فعلها هيا..
وبالفعل فعلتها.. أخذت الهاتف.. وأدرت الرقم.. كنت أضغط رقما ثم أقف لثوان.. أخاف أن أكمل.. حتى وصلت للرقم الأخير.. هنا أحسست بعد أن ضغطته بأن حمل كبير انزاح.. هم انقضى ومات.. ولكن هم آخر ابتدأ..
لم أنتظره حتى يرن.. فلقد أقفلته بالفور.. لا أستطيع.. يجب أن أعرف.. لذلك عدت وطلبت الرقم ذاته.. ولكن هذه المرة جعلته يرن.. كانت دقات الهاتف أشبه بنعوات لي.. تصرخ بموتي..
رغم أني تركته يدق فترة من الزمن لكن أحدا لم يجبني.. أعدت المحاولة مرة واثنتان وثلاث.. ولكن لا جدوى..
يأست من الإجابة لذلك رميت الهاتف جانبا وابتعدت قليلا عنه.. سرت بجسدي رجفة عنيفة رغم كون الجو دافئا جدا في غرفتي.. ولكني أحسست بأني أرتجف ولكأن ضلوعي تصطك ببعضها..
مرت عشر دقائق تقريبا وإذا بهاتفي المحمول يدق.. قفزت بسرعة.. نظرت إلى الرقم..أجل إنه هو.. رددت بسرعه ولكني لم أتكلم..
- ألو..
أتاني صوت قوي من الطرف الآخر.. صوت بدا على أذني وكأنها ألفته منذ زمن رغم أنها لم تسمعه من قبل.. صوت أحبته ولكأنها تعرفه..
وبعد تكرر نداءاته أجبت بصوت مرتعب خائف: ألو
- السلام عليكم..
- وعليكم السلام ورحمة الله
سكت وكأنه بانتظاري أن أفصح عن هويتي وعندما لم أفعل استطرد الحديث قائلا:
- أختي إذا سمحت هل لي أن أعرف إن كان أحد قد اتصل علي من هذا الرقم؟ فلقد وجدت في هاتفي عدد من المكالمات التي لم يرد عليها وكانت من هذا الرقم.. فاعتقدت أنه ربما يكون شخصا يعرفني..
تلعثمت ولم أعرف ماذا أرد.. إلا أني أجبت وبشجاعة أستغرب منها: أنت نواف؟
سكت برهة ولكأنه لم يتوقع أن أكون أعرفه ثم قال: أجل.. من المتحدث؟
أجبت: لا أعرف..
- من أنت؟؟ وكيف تعرفيني؟
- لا أدري..
- هل أنت؟
صمت ثم قال: روز؟
عجبت أنه عرفني.. لم أعتقد أن يعرفني ولكنه فعل.. فياللغرابة..
همست: لا أدري.. ربما..
- بلى.. أنت روز أليس كذلك؟
- قلت لك ربما.. أجل قد أكون هي..
- آه لا أصدق.. روز؟؟ أنت روز؟؟
- أجل أنا روز!
- كيف حالك يا روز؟؟ طمنيني عن أخبارك؟
- أنا؟؟ أوتسألني عن حالي؟ أنا في عداد الأموات ومنذ ساعات..
- لماذا يا روز؟ ماذا أصابك؟
- أتجهل ما أصابني؟؟ كيف تجهله وأنت سببه؟؟ كيف تجهل مقتلي وأنت قاتلي..
- أنا يا روز؟ أنا قاتلك؟
- آه يا نواف.. أجل قاتلي ومعذبي الأول.. لم فعلت بي هذا؟؟ لم ترحل؟ هكذا.. ودون مقدمات.. لم تريد أن تتركني وحيدة؟؟ أما تعلم أني لا أعيش بدونك؟ أما تدري أنك كل ما لي في هذه الحياة؟ أنسيت أنك الهواء الذي أتنفسه؟ أم أغفلت عن كونك الحياة لهذا القلب التعس؟ إذا لم تنس ولم تغفل فلماذا تتركني إذا؟؟ أعلمني السبب.. أريد أن أعرفه.. لا يمكن أن ترحل وبهذه البساطة.. أبهذه السهوله؟؟ بهذه البساطة.. إلى اللقاء يا روز.. بكلمات باردة أصابتني بمقتل؟ قلي لي أرجوك وأرح فؤادي.. دعني أعلم السبب الذي يبعدك عني.. السبب الذي يمنحك حق الرحيل عن حياتي.. حق الإبتعاد عني وهجر قلبي.. أرجوك يا نواف.. أخبرني.. وعدتني أنك لن ترحل بدون سبب.. فأعلمني بهذا السبب.. أرجوك يا نواف.. أتوسل إليك..
تغيرت نبرة صوته فبدا وكأنه يعاصر حزنا كبيرا فهمس: روز.. أنت تعذبيني بكلامك هذا.. أنت تعلمين من أنت بالنسبة لي.. أنت لي كل شيء.. وأغلى شيء.. وكما قلت.. لن يجعلني أرحل عنك إلا سبب قوي.. قوي جدا.. وإلا لما تركتك أنا أبدا.. أقسم لك أني ما كنت لأتركك أبدا..
- إذا ما السبب يا نواف؟ أرجوك قل لي.. وأعدك أني سأقفل الخط ولن أزعجك في حياتك مرة أخرى.. فقط دعني أعرف قبل أن أختفي من حياتك..
- لا يا روز.. لا تقولي أختفي من حياتك.. أنا مجرد التفكير أننا لم نعد معا يدمرني.. فكيف لي أن أفكر في الدنيا من دونك؟؟ آه يا روز.. ليتني لست أنا.. لكنت أستطيع أن أبقى مع من أحب طوال عمري.. لا يفرقني عنها سوى الموت.. إنما الحياة ظالمة يا حبيبتي.. ظالمة ولا ترحم أبدا.. فكما قلت لك لا تدعنا نفرح لدقائق دون أن تبكينا أضعاف حفنة الدقائق هذه..
- نواف.. أريد أن أعرف.. أرجوك..
- لا أقدر يا روز.. لا أجرؤ.. وإلا كنت أخبرتك في الرساله.. ولكني لا أجرؤ على نطقها أقسم لك..
تمالكت نفسي ولملمت شتات نفسي وقلت بوجل: هل.. هل ستتزوج؟
تنهد بعمق ثم قال: أجل..
وكأن صفعة قوية هوت على صدغي هويت بسببها في الفراغ.. رددت ما قاله ببلاهة: أجل؟
قال بألم: أجل سأموت يا روز.. سأموت قريبا.. لذلك أتركك.. ليس بإراداتي وإنما غصبا عني.. أنا مغصوب على تركك.. فكيف لا أفعل وبعد أيام قليلة سأكون مسؤولا عن حياة جديدة..
ظل يتكلم ويبرر إنما أنا لم أكن أعي ما قاله.. فبعد أن قال لي (أجل)! أحسست بأني غبت عن الوعي..
بعد طول صمت قلت له: نواف..
- آمريني يا عيون نواف..
- هل عندك قلم وورقة؟
- أجل ولماذا؟
- أحضرهم وأريدك أن تكتب شيئا.. ولكن أرجوك..أرجوك أن تحتفظ به ما دام لي معزة بقلبك..
- أي قصدين طوال العمر؟
- أجل بالضبط..
- انتظري دقائق..
غاب ثوان ثم قال: أجل هاهم معي.. ماذا أكتب؟
- أكتب.. سأظل..
- سأظل..
- أحبك..
تنهد ولم يتكلم.. سألته: هل كتبتها؟
- أجل..
- حسنا أكتب.. ما امتدت..
- ما امتدت..
- بي الحياة..
- بي الحياة..
- أقسم أني سأظل أحبك ما امتدت بي الحياة.. أرجوك يا نواف أحفظ هذه الورقة عندك.. وكلما رأيتها تذكرني.. وكذلك سأفعل أنا..
- أعدك يا روز.. سأحافظ على هذه الورقه أكثر مما أحافظ على نفسي.. ولن أذكرك لأنك دوما شاغلة القلب والتفكير..
لم أعرف كم أمضينا من الوقت نتحدث..تحدثنا كثيرا.. وفي أمور كثيرة.. أمور حصلت معنا في الماضي.. عاتبته على بعض الامور وكذلك فعل.. سألته عن أشياء عديدة..حتى عن عطره المفضل.. وفي نهاية حديثنا قلت: نواف.. هل لي أن أطلب من بعض الأمور؟؟
- بالتأكيد يا حبي.. تفضلي..
- نواف.. أوصيك بنفسك..ثم نفسك.. ثم نفسك.. وكذلك بأهلك.. رغم أنك لا تحتاج توصية على ذلك.. ولا تنس.. احفظ الله يحفظك.. ولا تفرط بـ(الفضيلة)..القصة التي جمعتنا سوية..فكانت وكأنها قصتنا أنا وأنت.. وأرجوك..وعدتني أن أحضر زفافك فأرجوك لا تحرمني من ذلك.. دعني أرى من فازت بك في النهاية..سعيدة الحظ التي ملكتك.. وأخذتك مني.. وأبناءك يا نواف..إن رزقت بأطفال فاعتن بهم جيدا.. هبهم قلبك وروحك.. أرهم من أنت بالحقيقة ولا تبعدهم عنك أبدا.. وأخيرا لا تنساني.. أرجوك..
- وكذلك أنت يا روز.. اعتني بروز..وبقلبي الساكن بين ضلوعك.. لن أسترده منك..أبدا.. دعيه بين ضلوعك حتى يموت بينها.. روز.. عيشي حياتك وانسيني.. رزقك الله بمن يمحو ذكرياتي من بالك.. وسيتبدلها بذكرياته..
- لن يجرؤ أحد على فعل ذلك.. أجل قد تجبرني الحياة على القبول بحب جديد.. ولكن ليس من حقه أن يمس ذكرياتك.. لن يجرؤ على تغييرها.. أنت صاحب القلب.. أنت مالكه.. أنت كل الحب.. ومهما تجبرني الدنيا.. لن يحب القلب سواك.. أعدك بذلك.. اعذرني الآن يا نواف.. يجب أن أغلق الخط..
- افعلي ما تشاءين يا روز..واعلمي أني ميت من بعد تلك اللحظة.. وزواجي سيكون بعد أربعة أيام من الآن.. او ربما خمسة لا أدري.. أنا أعرف منزلكم.. سأمر لأحضر البطاقات.. أحبك يا روز.. ولن أحب سواك..
- وأنا كذلك.. اعتن بنفسك..
- وأنت يا روز.. اعتن بنفسك يا حبيبتي.. أحبك يا روز..
- أحبك يا نواف..وداعا أيها الحبيب..
- وداعا يا أرق من خفق لها الفؤاد.. وداعا يا حبي الوحيد.. وداعا يا حبي السرمدي..
لم أحتمل كلماته أكثر فأغلقت الخط.. ضممت الهاتف إلي.. وشرعت بعدها في بكاء هستيري.. وقتها فقط أدركت الحقيقه.. أدركت الكيان ككل.. لقد فقدت نواف.. وللأبد..


يتبع...
الرد مع إقتباس