الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #79  
قديم 14-05-2004, 01:47 PM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

أنا أتألم



يبدو أن الألم والحزن أستكثرا علي السعادة طويلا.. فلم يغفوان سوى ثوان..ثوان قليلة تذوقت فيها السعادة.. ثم سرعان ما عاد الشقاء أتجرعه بمرارة وأسى..
رحلت نورة.. وتركتني وحيدة.. أتخبط في بحر آلامي لوحدي.. أغرق وحدي.. وأعود فأطفو أيضا وحدي.. لا يد تساعدني أو تعاونني على الخروج من هذا البحر الهائج..
سقطت في ظلمة عالمي.. لا نور ليرشدني.. ولا يد حانية توصلني للخارج.. فإلى متى أظل في الظلمة غارقة ميته؟
مر يومان بعد رحيل نورة.. ولا مهنة لي سوى التظاهر بالجلد والفرح أمام اخوتي..وعندما انفرد بنفسي.. أبقى وحيدة مع روز.. أبكي.. أجل.. يومان متواصلان لم أذق خلالهما للنوم طعما.. ولا للسعادة معنى.. سوى دموع ودموع.. آهات وعبرات.. أبكي ولا أدري ماذا أبكي.. أبكي لفراق نواف؟ أم أبكي لما آلت إليه حالي؟ أم أني أبكي لأنه تركني.. فضل أخرى علي.. أجل أعلم أننا اتفقنا على ذلك.. ولكنه كان كلام.. مجرد كلمات تفوهت بها ألسنتا وندمنا عليه نحن الإثنين.. نحن الإثنين؟؟؟ وما يأكدني من ذلك؟؟ قد أكون وحدي من يتألم.. من يبكي ويتعذب..بينما هو سعيد مع زوجته.. لا لا يا روز.. لا تقولي مثل هذه التفاهات.. إنه نواف.. أتذكرين من هو نواف؟ أم الحزن أنساك من هو؟ نواف حبيبك الذي لم يبدلك بأخرى لسنتين متواصلتين.. ذلك الوفي المخلص الذي لم يجرحك مرة.. لم يخنك مرة.. فكيف تشكين به الآن؟ ليتني بقربك يا نواف.. أخففك من ألمك الذي أعلم أنه لا يقل عن ألمي.. أمحو حزنك وأساعدك على الفرح.. بدأ حياتك الجديدة بابتسامه.. ولو كانت ابتسامة ألم.. لأن السنون كفيلة بأن تقلبها من ابتسامة ألم.. إلى ابتسامة أمل..
وبينما أنا أناجي روز وأتحدث معها.. دق الباب.. سألت بوجل: من؟
أجاب الطارق: أنا سعود يا روز.. افتحي الباب.. لم بابك مقفل؟؟
ارتبكت فقلت: سأفتحه الآن دقائق..
أسرعت فغسلت وجهي ومحوت آثار الدموع المتعلقه على أهدابي فبدوت طبيعيه.. إلا أن من ينظر إلى عيني..يفضح سري الذي أحاول أن أخفيه ولكن هيهات..
فتحته له الباب فقال: روز.. ما بك؟ لم تقفلين الباب؟
قلت بتلعثم: لا شيء كنت أبدل ملابسي..
- حسنا.. رغم أني أرى أنك لم تفعلي فملابسك ذاتها التي كنت تلبسينها على الغداء.. فلا أرى أنك بدلت ملابسك.. على العموم.. أتى أخ صديقتك نورة وأعطاني هذه البطاقات لك.. يقول أنها بطاقات زفافه وأن نورة أوصته أن يحضر البطاقات لبيتنا..
- ماذا؟ هل أحضرهم أخوها؟ أي أخ فيهم؟؟
- قال لي اسمه.. دعيني أذكر؟؟
أخذ سعود يفكر بينما ظللت أردد اسمه ببالي وهمست دون أن أشعر ودون ان تسمعني أذنه: نواف..
قال سعود بعد أن تذكر: نواف.. أجل اسمه نواف.. إنه وسيم أتصدقين؟هل أخته جميله مثله؟؟ إذا كانت كذلك فلم لا تزوجيها لأخيك..
غمز لي سعود واصطنعت الإبتسامه بينما أنا أموت وينزف قلبه ألما.. قلت بألم:
- أزوجك أياها؟
- أجل وما المانع؟
- لا شيء سوى أنها..
لم أدر ماذا أقول له..هل أخبره أني لن أزوجه إياها لأنه ليست موجودة أصلا؟؟ قلت له كاذبه: لأنها مخطوبه..
- آه أجل.. لم أخبرك.. لقد دعاني نواف لحضور زفافه..
- حقا؟؟ وهل ستذهب؟
- لا أدري ربما..
- اذهب لماذا لا تذهب.. نواف رجل طيب.. وقد دعاك فلماذا لا تذهب؟
- لا أدري ربما أذهب.. حسنا أستأذنك الآن يا روز.. سأذهب لمقابلة نزار صاحبي.. هل تريدين شيئا؟
- لا أشكرك سعود.. انتبه على نفسك..
- إلى اللقاء..
رحل وأغلق الباب من خلفه.. وأنا.. بقيت واجمة في مكاني.. انظر إلى البطاقات برهبه.. نظرت إليها مطولا.. قربتها إلى أنا وشممتها.. إني أشم رائحته..رائحة نواف..رائحة يديه.. فهي التي حملتهم.. ضممتها إلي بقوة ولكأني أدخلها إلى قلبي.. أقربها منه.. دعوة مني إليه ليشتم رائحتها.. ليمييزها مابقي على قيد الحياة.. ليحفرها في جدرانه ولا ينساها أبدا.. أحفظتها يا قلبي؟؟ أعرفتها الآن؟ هل لي أن أبعدها عنك قليلا؟
حتى عبراتي أبت إلا أن تشتمها معنا.. فانسابت من عيني وتساقطت على البطاقات كحبات البرد.. فاختلطت رائحة دموعي برائحة نواف..
استأذنت قلبي.. أرجوك.. أريد أن أراهم.. فهل لي؟
سمح لي أن أراهم لثوان.. وبالفعل.. فتحت البطاقة وقرأتها..عندما قرأت.. ندعوكم لحضور حفل زفاف نجلينا نواف ودينا.. أحسست وكأني أسقط في عالم من فراغ.. فاضت عيناي بالدموع.. لا أصدق.. لا أصدق.. كنت أحسب أني في حلم.. وأني قد أستيقظ منه.. لكن ها هو.. إنه واقع.. واقع مر مؤلم.. نواف ستزوج.. سيتزوج دينا.. فما هو شكلها يا ترى؟ وهل تستحقه فعلا؟
قضيت ليلتي أنتحب في بكاء هستيري.. لم أستطع الإحتمال.. لقد حانت منيتي..فكيف لا أبكي؟ آه يا إلهي.. كيف سأفعل هذا وحدي؟ سأراه أمامي..متأبطا ذراعها هي؟ لا أستطيع سأموت.. أقسم أني سأموت.. ظللت أبكي وأبكي..لم أتوقف حتى جفت عيناي.. أحسست أني خائرة القوى.. لا أقدر على الحراك.. إلا أني نهضت من سريري.. سرت وقدماي لا تحملاني.. فتحت الباب بوهن ولكأني طفل في الثانية من عمره..نزلت للأسفل.. لا أدري ماذا أريد.. ولكني نزلت ووقفت بجانب سعود.. حيث كان واقفا يضع بعض الأغراض في المطبخ.. نظر إلي.. سألني عن بعض الأشياء ولا أدري حقا بم أجبته.. أحسست أن حروفا خرجت من فمي إلا أني لم أعي ما هي.. قطب حاجبيه واقترب مني.. سألني:هل أنت بخير يا روز؟
- أجل ولكني أحس بوهن شديد.. وبأن جسمي يؤلمني ولكأن عظامي ستتكسر..ورأسي يكاد ينفجر يا سعود..
اقترب مني..وضع يده على رأسي.. صاح قائلا: روز.. رأسك يشع حرارة.. اذهبي لترتاحي وسأحضر لك عصير البرتقال والدواء..
- لا داعي يا سعود.. سأصبح بخير..
- لا تتكلمي فقط اذهبي وارتاحي وسأحضر لك أنا كل شيء.. هل أسندك أم تستطيعين الذهاب؟
- لا لا أستطيع الذهاب..
- هيا اذهبي..
انقدت لأوامره وصعدت لغرفتي.. رميت بنفسي على سريري وكأني جثة هامدة.. أحسست وكأن جفني قد انطبقا على بعضهما إلا أني بعد فترة قصيرة أحسست بحركة الباب فعلمت أن سعود قدم.. شعرت بخطواته ففتحت عيني.. وعندما استقر بقربي حاولت أن أرفع جسدي إلا أني لم أستطع.. همس: أختي.. هاك العصير.. اشربيه وتناولي معه الدواء..
بيدين مرتعشتين أخذت منه العصير ورشفت منه قليلا إلا أني لم أشعر أني أستطيع أن ابتلع شيئا فابعدته عني قليلا..
- اشربي الدواء يا روز..
- حسنا سأفعل..
اخذت الدواء من يده.. وضعته في فمي.. ودفعته بجرعة من العصير.. ومن ثم أسندت برأسي للخلف..
كان سعود يحدق بوجهي وكأنه يبحث عن شيء.. قال لي: روز..
فتحت عيناي بانتظار ما يريد قوله فقال: وجهك متغير.. هل كنت تبكين؟
- لا لم أبك..
تمتمت وأشحت بوجهي عنه..
أمسك وجهي وجعلني أقابله وقال بحده: بلى.. أنظري إلى عينيك.. أنظري إليك.. أخبريني ما بك؟
- لا شيء يا أخي.. سوى أني مريضة.. أحس بأني تعبة كثيرا..ذلك السبب فقط..
- حقا يا روز؟؟ لا تخفي علي شيء يا أختي.. انا أخيك ومثل والدك.. فلا تخفي عني أي أمر.. اتفقنا؟
- أجل يا أخي..
- حسنا سأدعك الآن لتنامين ثم أعود لاحقا لأطمئن عليك.. نامي جيدا حسنا؟
- حسنا يا سعود..
أغمضت عيني وأسلمت نفسي للنوم.. أخذ سعود يتلو علي آيات من القرآن الكريم فشعرت بطمأنينة بالغة لا تماثلها طمأنينة وراحة.. فنمت ولم أشعر بما حولي.. رغم أني قبل ثوان كنت أشعر بأن وسادتي مصدر مشعا للحرارة.. فكانت حرارة وجهي تنعكس على مخدتي فتعود وتحرق وجهي من جديد..
عندما تأكد سعود أني نمت.. أحكم الغطاء علي وسار مبتعدا.. خرج من غرفتي وأغلق الباب بهدوء..
ذهب إلى غرفة الجلوس.. شغل التلفاز وجلس على الأريكه.. إلا أن فكره كان شاردا.. يشغل باله الآلاف الأشياء وكنت أنا من ضمنها..
دق هاتف المنزل.. فلم يجبه أحد...رغم أنه كان بقرب سعود إلا أنه لم يجب.. مرة.. اثنتان وثلاث.. ولم يتوقف الهاتف عن الرنين.. بالعكس فقد كان يصدر نغماته المزعجه التي تقطع على سعود تفكيره.. وفي الأخير اضطر لإسكاته فرفع السمعه..قال بغضب:ألو..
أتاه الصوت من الطرف الآخر قائلا: ألو..
- من معي؟
- أنا خالتك يا سعود.. ألم تعرفني؟
- أهلا يا خالتي اعذريني..فلقد كنت غافيا قليلا.. ولم أركز على الصوت..
- لا عليك يا بني.. ولكن أخبرني مابكم؟ منذ زمن وأنا أتصل ولا أحد يجيبني.. أتصلت على هاتفك وهاتف روز أيضا لا تجيبون!! فما بكم؟ وأين هي روز؟
- كلنا بخير يا خالتي لا تخافي.. روز نائمه وأنا كنت بالخارج.. ولم أسمع هاتفي حيث تركته بالبيت.. أعذريني يا خالتي.. ولكن ماذا كنت تريدين؟
- لا شيء ولكني وددت لو تأتون غدا عندي على الغداء..منذ زمن لم أرك ولم نجتمع سويه على وجبة..
- غدا؟ لا شيء لدي للغد.. سأكون عندك بإذن الله.. أما روز لا أعلم.. ولكن لا أظن أن لديها شيء.. لذلك أظننا سنكون عندك بإذن الله..
- بإذن الله.. سأدعك الآن يا بني.. اذهب وأرح نفسك.. صوتك متغير ولكأنك محزون أو تعب.. فاذهب وتوضأ وصل ثم نم يا صغيري..
- حسنا يا خالتي.. بأمرك.. تصبحين على خير.. أوصلي سلامي للجميع..
- سأفعل.. سلم لي على روز..
- يبلغ.. إلى اللقاء
- إلى اللقاء يا سعود..
أغلق سعود السماعه وكذلك مصابيح الحجره.. وذهب لغرفته.. فهو كما وصفته خالتي.. محزون تعب..محتاج للراحة..




يتبع..
الرد مع إقتباس