عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 08-09-2004, 08:44 AM
المشرقي الإسلامي المشرقي الإسلامي غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 637
إفتراضي نحو تربية أفضل

اختلال الفكر التربوي
من المشاكل التي نجدها الآن في كثير من الدول العربية والتي لها تأثير مباشر على السلوك والأخلاق للأبناء لا سيما في عمر المراهقة ، فسنجد أن كثيراً من الآباء لا يعي جيداً معنى كلمة التربية ، ودون الغوص في معنى هذه الكلمة ، ودون خوض في التعريفات والاصطلاحات أقول باعتباري طالباً يدرس في كلية التربية قسم اللغة العربية أقول أن كثيراً من الآباء يفهمون كلمة الأبوة على أنها الإنفاق فحسب دون الالتفات لما يضطرب بعقل المراهق أو الشاب في هذه المرحلة من أفكار، وما تسفر عنه من نتائج لذلك يمضي الأب سواد ليله وبياض نهاره عاكفاً على تحصيل المال لكي ينفق على أبنائه ، ظاناً أن ذلك فقط هو دوره في عملية التربوي كما يتبادر لديه الاعتقاد بأنه بهذا العمل يكون قد ضمن ولاء الابن له ، دون أن يعي حقيقة هامة ، وهي أن ذلك يقطع العلاقة بين الأب والابن حتى يصبح دور الأب كما درج بعض المصريين على تسميته "الممول" ، فهو يفرح عندما يرى الابتسامة على وجه ابنه حينما يأخذ المال المسمى "المصروف" ويفرح بهذه الكلمة كلمة الشكر ، ولا ينظر ما وراء ذلك، على سبيل المثال لا نجد الأب يجلس مع أبنائه ويسألهم عن أصدقائهم و أخلاقهم ، وأين يسكنون وما هو مستواهم الدراسي وما هي البيئة التي يأتون منها ، ولا يحدثه عن مرحلة البلوغ وما يصير بها من تخبطات على الأقل من الناحية الجسدية.
هذ ا النموذج من الأب هو الأب المدلل أو التربية المدللة ، فهي تأتي من الأب ومن الأم معاً ، ومصدرها ربما في الدرجة الأولى الحالة الاقتصادية الميسورة التي يمن الله بها على كثير من هؤلاء الآباء ، وفي هذا النمط من الأسر ، نجد العلاقات الأبوية مفتقدة إن لم تكن مبعثرة، فالشاب في شأن ، والأب والأم كل في شأنه الذي يغنيه ، والأخوة لهم شأن آخر .. بعمق ما تعنيه الكلمة من مدلولات.
هذا النمط من الأسر – عافانا الله وإياكم- ليست هذه هي فقط ملابسات أسلوبه الحياتي .. كلا ، فإن الوضع يذهب إلى أكثر من ذلك. الأب لا يسأل الابن عن المال ماذا يشتري به ، وفي أية مدة أنفقه ، وكم تبقى معه ....... مما يعطي الشاب الفرصة المواتية للانحراف التام . ليس ذلك فحسب ، بل إن الأب لا يتأكد من المدرسة أو الجامعة من مجموع ابنه وقد – ولا أبالغ – لا يعلم الأب في أية مرحلة دراسية ابنه ، بل والأضحك من ذلك ، فإن الابن قد يوهم والديه بأنه في مرحلة غير التي هو فيها ، ولا يكتشف الأب ذلك إلا مصادفة ربما من مكالمة مواساة من أحد أصدقاء ابنه أو والد أحد أصدقائه!!!!
وقبل أن نخوض أكثر في مأساة هذه الأسر أو هذا النوع من الأسر الذي يحلو للبعض تسميته أسرة اللا أسرة حري بنا أن نعرض لنموذج من حياة هذه الأسر بغض النظر عن الدولة أو الدين أو أي اعتبار آخر إذ هذا النمط سائد في أكثر دول العالم الثالث لا سيما العربية ولا يختلف كثيراً عنه بالنسبة للمسلمين أو غيرهم وإن كانت الأغلبية مسلمة بالطبع..
الأسرة مكونة من أب وأم وأربعة أبناء ذكرين وأنثيين.
في الصبح يخرج الأب من بيته ويتناول وحده الإفطار في الساعة السابعة صباحاً ثم يستيقظ الابن الأكبر "توتي" وهو في مصر اسم يرمز للمدللين والكسالى...يستيقظ "توتي " في الساعة العاشرة ويفرك عينيه من شدة السهر ثم يتأفف ويأخذ المال الموجود فوق المنضدة والذي تركه أبوه له ، وفي تأفف ، راح ليشتري إفطار له ، وذهب الجامعة متأخراً أما أخته "فوفو"، فهي ما تزال تلميذة في الثانوية اتصلت بها صاحبتها لكي توقظها للحديث في بعض الشئون الخاصة لا سيما و أنها لا تذهب للمدرسة لأنها لا تتعلم فيها شيئاً أما فوفو الابن الثاني فهو قد ركب في حافلة المدرسة أو ذهب على رجليه للمدرسة إن كانت قريبة والأخت الثانية الأصغر " نونو" فهي تذهب للروضة مع أخيها الذي يوصلها المدرسة. يرجع الأب ولم ترجع الأم فيتناول الغداء وحده الساعة الثالثة ، ثم ترجع الأم وتنام بعد زوجها بعد أن أتت وحضرت لها الإفطار في الرابعة ، وبعد ذلك يرجع الأبناء من بعد الخامسة(عدا الصغيرين الذين عادا ولم يجدا شيئا ًيأكلانه فاشتريا من السوبر ماركت شيئاً ثم ناما) كل واحد يتناول الغداء ثم يذهب لحاله للهو مع أصدقائه أو أي شيء من ذلك ، ثم تتكرر الدورة في العشاء وتتوالى مواعيد النوم كمواعيد القطار الثانية عشرة ، ثم الواحدة فالثانية وأخيراً من ينم بعد الساعة الثالثة والنصف.
حينما ننظر إلى طبيعة هذه الأسرة فإننا نجد الآتي :
أولا: ً معايير القيم هي عند الأب والأم حصول الأبناء على أكبر قدر ممكن من الرفاهية الاقتصادية والراحة المادية .. على الأقل لكي يكونوا أمام زملائهم على وجاهة معقولة أما عند الأبناء فهي حصول الواحد منهم على أكبر نصيب ممكن من الحرية الشخصية.
ثانياً : العلاقات الاجتماعية السائدة بين أبناء هذه الأسرة هي ذا ت طبيعة سلبية ، فليس هناك الشعور بالترابط والتعاطف ، بل إن البيت لا يعدو كونه فندقاً لإقامة كل فرد على حدة.
ثالثاً : التعامل مع المواقف المختلفة لا تحكمه أعراف ولا أذواق ولا قواعد وإنما هو تعامل رتيب تحكمه الظروف التي يجعلها الفرد شماعة تعامله غير اللائق مع المواقف المختلفة فمثلاً لا يحضر جميع أفراد الأسرة المناسبات المختلفة من زواج وتهاني أو أحزان وتعازي وإن حدث فيكون ذا طا بع روتيني.
رابعاً:عدم وجود هدف محدد يحكم توجهات الأسرة.
وحقيقة هذا النوع من الأسر لما ينفصل كل واحد لحاله من عمل وزواج وغير ذلك فإننا نجد الانفصال يتخذ شكلاً أكثر وضوحاً وأشد مأساوية.
في هذا الوضع المتردي يكون من الصعب أن يجد الواحد منهم غير الهموم و الغموم فيكون الهروب من هذه المشاكل عن طريق رفاق السوء أو الاعتكاف أمام التلفزيون أو خوض غمار المغامرة من إدمان وغير ذلك من تسكع في الطرق والمشاكل المتعددة التي تودي للهاوية.
وهذه الأسرة لما ينفصل أعضاؤها يكون وضوح الفشل ممثلاً في العمل والحياة الزوجية أوضح منه في نواح أخرى.
الذكور منهم يشعرون بعدم القدرة على تحمل أعباء العمل من طول الوقت وتقييد في الإنفاق وقلة الإجازة ، أما الإناث فيشعرن في الغالب بنفس المشاعر إن كن يعملن ويزيد عليها أثناء الزواج الفشل في الحياة وكثرة المشاجرات والصوت المرتفع .. والشعور بالعصبية كما أن بيئة هذا النمط ذكوراً وإناثاً تجعلهم يشعرون بحساسية مفرطة قوامها التخنث عند الذكور و الضعف عند الإناث ، فالحياة الزوجية حياة تحكمها حالة من الندية والصراع بين الطرفين لإثبات كل منهما ذاته وينتفي تحقيق معنى المودة والرحمة المذكور في سورة الروم"خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" حتى يستقر عند وصف سورة التغابن " العداوة والفتنة "قال تعالى:" إن من أزوجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم" و" إنما أموالكم وأولادكم فتنة". وهكذا تستمر عجلة التدهور المنزلي والتي هي جزء ومكون أساسي ومباشر من عوامل تدهور المجتمع.
وهنا لابد لنا توضيح حقيقة يجب ألا تغيب عن الأذها ن، وهي أن نقطة البدء تكون من عدم وجود أفق تربوي للمربي أباً كان أم أماً، بمعنى أن الحياة الزوجية أو التربوية تسير وفقاً لنزوات الأفراد ووفقاً لما تلح عليهم ظروف الحياة من غنى أو فقر، أو جوع أو شبع، وفي الواقع نجد الأفراد لا فهم لهم بمبتغى الحياة الزوجية إلا أنها طبيعة فطرية في الإنسان لا يمكنه الاستغناء عنها أو العيش بدونها ، وفي ظل هذا الفكر يكون الغرض هو إطعام الأفراد وسقايتهم، لكي يعيشوا حياة آدمية ( بالمعنى الجسدي البيولوجي لا المعنى الحقيقي ) وفي طاحونة هذا الفكر لا يكون هنالك فرصة للتأمل في معنى وجود الإنسان وأحقيته باستخلاف الأرض وما يفرقه عن سائر الكائنات الحية، وفي هذا الفكر لا يوجد في معجم أو قاموس هؤلاء الأفراد معنى لكلمات الجد والكفاح والصبر والترابط إذ أن الكلمات نفسها لا وجود لها . في هذا النمط من الأسرة يكون الأسلوب الخاص بالحياة أسلوباً جامداً متصلباً لا يمكن للمربي أو الأبناء استخلاص أي دلالة له إلا عند الارتطام بالمواقف الصعبة والتي يكون الفشل فيها وفي التعامل معها بشكل سليم أمراً لا شك فيه . لذلك هذا النوع من الأسر يضع معنى واهماً للمستقبل ، فهو عنده يعني الحياة المزدهرة المفروشة بالورد والخضرة، ويكون كل تحد أو موقف لاختبار القدرة على التعامل مع الحياة شيئاً يفضل عدم الحديث فيه أي يسود فكر الهروب من المشكلة لا اقتحامها وخوض غمارها.
ولا شك في أن هذا الجو تنعدم فيه المقدرة على الإبداع لتراكم عناصر التنفير وصد الرغبه عنه.
وهذ الكلام الذي يكتب بين يديكم ليس هو بالكلام المثالي الذي يبتغى به التنظير لأساليب نظرية وأفكار عقيمة إن صلحت في وقت لا تصلح في آخر .
لا وشك أن التطور الذي يشهده المجتمع في شتى المجالات والتي منها الاقتصادي الذي له الانعكاس الثقافي في أهداف التربية ومبتغاها ، ولما نحاول الوصول إلى حلول وسط نجد أن البدء يكون من إدراك الواحد منهم لغايته في الحياة ومن بعدها نستطيع التحدث عما يمكن تحقيقه في المستقبل.
كثير من الناس لأنهم عاشوا فترات متعددة تميزت بالاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي صاروا بعد التنمية لا يريدون أن يعاني أبناؤهم معاناتهم ، فصاروا يدللونهم رغبة في تحقيق ما لم ينالوا أيان كانوا في عمر أبنائهم ، وفي ظل هذا النظام لا يمكن للأب أن يعرف ابنه بالواجبات والمسؤليات لطالما أنه لا يحرمه شيئا ً ولا يرفض له طلباً ، وأبناء هذا الجيل الذي نشأوا فيه نشأة لم تعرفهم بمعنى وجودهم وجوهر الكفاح في الحياة يصعب عليهم مخالفة ما تمليه عليه طبيعة الظروف.
تكون القدرة على الإصلاح من تعريف الأبناء بأهمية تحمل المسؤلية منذ الصغر متدرجة مع مراحل العمر المختلفة ، ففي الطفولة مثلاً يتعلم الطفل كيف ينظف فراشه وكيف يحافظ على أدواته ونظافة غرفته ولا يتدخل الوالدان إلا للضرورة ولا يقومان بالعمل نيابة عنه إلا لضرورة ويقومان بتوجيهه إلى الاهتمام بنظافة المكان الذي يتواجد فيه ، ويثيبانه ويعاقبانه على الاهتمام أو الإهمال. وبعد ذلك يكون على المربي تعريف الطفل كيف يمكنه القيام ببعض الأعمال المنزلية كربط وفك المسامير وتشغيل بعض أدوات المنزل وإصلاحها إن أمكن ذلك ، ولما يكبر بعد ذلك تكون المسؤليات الملقاة على عاتقه مثل توصيل بعض المبالغ من المال للأقارب أو الأصدقاء أو الذهاب للبنك لدفع المبالغ أو ..........وهذا هو الأساس ، وعملية غرس القيم يجب أن تحتوي على أسلو ب جذاب يعتمد على ضرب الأمثال والقصص الواقعية ، ومن ضمن القيم التي يجب على المربي غرسها في الفرد الصبر بمعنى أن يفهمه أنه من الممكن والوارد جداً أن يستغرق وقتاً طويلاً ليجد عملاً يحصل به على المال ويعرفه كيفية التفاعل مع هذا الوضع واستغلال المهارات ووجود مرونة بمعنى أن يكون لدى الفرد القدرة على العمل في مجال ليس بمجاله وكيفية التفوق فيه حتى يصير للعمل في المجال المحبب إليه، فليس عيباً على الطالب الذي تخرج من كلية الهندسة – مثلاً – أن يعمل موظفاً في أي مكان أو بائعاً في محل تجاري في سبيل أن يصل في النهاية إلى الوضع الذي يرتضيه لنفسه مادياً ومعنوياً.
على المربي أن يفهم ابنه أنه ليس من العيب أن يدعم الأب ابنه في أول مشوار حياته بعد التوظف ، وإنما العيب أن يعرض الفرد عن العمل لأنه لا يجد العمل أو الوظيفة كافية لحاجاته الشخصية......
من الضروري للمربي أن يستقطع وقتاً لأبنائه أسبوعياً يناقش فيه كل المستجدات على الساحة الأسرية ويقيس كيفية تعاملهم معها وكيف هي نظرة كل فرد للآخر وكيف يعامل كل فرد غيره داخل الأسرة وخارجها لكن ليتم ذلك على المربي أباً كان أم أماً ألا يظهر في مظهر العسكري الذي لا يقبل النقاش ويرفض الاعتراض ، ولا يعامل أبناءه باعتبار الفرق السني ، بل يتخذ العمل التربوي شكلاً أصح بحيث أن يستطيع الأب أو الأم إقناع الابن أو الابنة بأنه هو الأخ الأكبر له ، فيمزج المناقشة بالأسلوب التربوي ويتغاضى عن بعض ما لا بأس في التغاضي عنه ولا يتغاضى عما يكون من الخطاُ التغاضي عنه. وإذا ظن القائم بالتربية أن الخوف على الأبناء يتخذ شكل القسوة فقط أو التدليل فقط فهو على خطأ إذ ليس هذا ولا ذاك من أساليب التربية الناجحة.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي الخاص المتواضع، وسبحان من تفرّد بالكمال
الرد مع إقتباس