عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 13-09-2007, 07:49 PM
sbhhbs sbhhbs غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2007
المشاركات: 255
إفتراضي

ما يستخلص من الآيات [44-48]:

1- الصدق مع الناس من الصفات الأساسية التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومِنْ مقتضى هذا الصدق أن يكون قوله مطابقاً لفعله حتى يؤثر في الآخرين، ومَنْ خالف ذلك فهو ممقوت عند الله لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3] خصوصاً إذا كان هذا المُخالِف مِنَ العلماء.

2- لا بد للطاعة من صبر، ولا بد لترك المعصية من صبر، وخير معين على ذلك الدخول على الله تعالى وطلب العون منه أثناء الصلاة بكل خضوع وتذلل وافتقار، لأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد في صلاته.

3- موازين الآخرة غير موازين الدنيا، فالمجرم في الدنيا يمكن تخليصه وتبرئته بالوساطات والشفاعات عند مَنْ لا يخافون الله تعالى، وأما في الآخرة فهو خاضع لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.

4- الشفاعة المرفوضة يوم القيامة هي شفاعة الكافرين، فقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ…} النفس الكافرة، لا كل نفس. أما المؤمنون فتنفعهم الشفاعة بإذن الله تعالى لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقوله: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد ذلك.

5- تفضيل بني إسرائيل على العالمين ليس على إطلاقه.

فمن حيث الزمان فهو مرتبط بفترة زمانية سابقة لالتزامهم بشرع الله تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وغضب عليهم ولعنهم.

ومن حيث الأشخاص، لا تقتضي هذه الأفضلية بأن يكون كل فرد منهم أفضل من كل فرد من غيرهم، فهو تفضيل من حيث الجملة لا من حيث التفصيل.


نِعَمُ الله العشر على بني إسرائيل

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(49)وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(50)وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ(51)ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53)وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(54)}



المنَاسَبَة:

لَمَّا قدّم تعالى ذكر نعمه على بني إِسرائيل إِجمالاً، بيَّن بعد ذلك أقسام تلك النعم على سبيل التفصيل، ليكون أبلغ في التذكير وأدعى إِلى الشكر، فكأنه قال: اذكروا نعمتي، واذكروا إِذ نجيناكم من آل فرعون، واذكروا إِذ فرقنا بكم البحر... إِلى آخره وكل هذه النعم تستدعي شكر المنعم جل وعلا لا كفرانه وعصيانه.



{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} أي اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم حين نجيت آباءكم {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} أي من بطش فرعون وأشياعه العتاة، والخطاب للأبناء المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم إِذ أنّ النعمة على الآباء نعمة على الأبناء {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي يولونكم ويذيقونكم أشد العذاب وأفظعه. والسوء هو المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والأعمال الشاقة ونحوها.

{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} أي يذبحون الذكور من الأولاد {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي يستبقون الإِناث على قيد الحياة للخدمة {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أي فيما ذكر من العذاب المهين من الذبح والاستحياء، محنة واختبارٌ عظيم لكم من الله تعالى بتسليطهم عليكم ليتميز البرُّ من الفاجر.

قوله تعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ورد في موضع آخر بـ {وإذ أنجيناكم من آل فرعون…}، وهناك فرق كبير بين كلمة "نَجَّى" وكلمة "أَنْجى"، فكلمة نَجّى تكون وقت نزول العذاب، وكلمة أَنْجى تمنع عنهم العذاب، الأولى للتخليص من العذاب والثانية لإبعاده نهائياً ففضل الله عليهم كان على مرحلتين: الأولى أنه خلّصهم من عذاب واقع عليهم، والثانية أبعدهم عن آل فرعون فخلّصهم منه نهائياً.

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي اذكروا أيضاً إِذ فلقنا لكم البحر حتى ظهرت لكم الأرض اليابسة فمشيتم عليها {فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أي نجيناكم من الغرق وأغرقنا فرعون وقومه، وذلك أن موسى عليه السلام عندما رأى فرعون وجيشه يتّجهون إلى البحر ليعبروه أراد أن يضرب البحر ليعود إلى السيولة، فلا يلحق بهم آل فرعون، أوحى الله تعالى إليه: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ} أي اتركه كما هو حتى يتبعكم فرعون وجيشه ليهلكوا {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} أي وأنتم تشاهدون ذلك فقد كان آية باهرة من آيات الله في إِنجاء أوليائه وإِهلاك أعدائه.

والله تعالى أراد أن يرى بنو إسرائيل آل فرعون وهم يغرقون ليذهب غيض قلوبهم على أعدائهم، وتحتمل معنى آخر وهو أن ينظر بعضكم إلى بعض وأنتم غير مصدقين أنكم نجوتم من هذا البلاء وفي نفس الوقت تطمئنون إلى أن عدوكم لن يطاردكم مرة أخرى لأنكم رأيتم مصرعه بأُمّ أعينكم.

وفرعون: لقب لكل مَنْ ملك مصر قبل البطالسة، مثل قيصر لملك الروم، وكسرى لملك الفرس، وتُبّع لملك اليمن، والنجاشي لملك الحبشة.

{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة وكان ذلك بعد نجاتكم وإِهلاك فرعون {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} أي عبدتم العجل {مِنْ بَعْدِهِ} أي بعد غيبته عنكم حين ذهب لميقات ربه {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} أي معتدون في تلك العبادة ظالمون لأنفسكم.

أصل هذا الذهب الذي صنع لهم السامريُّ منه عجلاً من الحليّ التي أخذوها خِلسة من نساء آل فرعون أثناء خدمتهم لهن، ولذا فتنهم الله بالمال الحرام، لأن المال الحرام لا يأتي منه خير، بل ينقلب على صاحبه شراً ووبالاً، فلا بد من أخذ العبرة مما حصل لهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الله طَيّب ولا يقبل إلا طيّباً" [رواه مسلم].

{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي من بعد ذلك الاتخاذ المتناهي في القبح {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم وتستمروا بعد ذلك على الطاعة.

{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل وأيدته بالمعجزات {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام.

والكتاب: هو التوراة. وأمّا الفرقان: فقد اختلفوا في تفسيره، فقيل هو مرادف للكتاب من باب التأكيد، وقيل هي الأشياء التي يُفَرق الله بها بين الحق والباطل ولقد عَلَّمها الحق تعالى لموسى عليه السلام، وتطلق هذه الكلمة على كل ما يُفَرق بين الحق والباطل ولذلك سمى الله يوم بدر بقوله: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}.

ثم بَيَّنَ تعالى كيفية وقوع العفو المذكور بقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ} أي واذكروا حين قال موسى لقومه بعدما رجع من الموعد الذي وعده ربه فرآهم قد عبدوا العجل يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} أي بعبادتكم للعجل {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} أي توبوا إِلى من خلقكم بريئاً من العيب والنقصان {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} أي ليقتل البريء منكم المجرم {ذَلِكُمْ} أي القتل {خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره خير لكم عند الخالق العظيم {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} أي قبل توبتكم {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} أي عظيم المغفرة واسع التوبة.

وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} جزاء لها على عبادة غير الله، فكان تكفير الذنب أن ترد هذه النفس إلى بارئها بالقتل، وقد أوقفهم موسى عليه السلام صفوفاً وأمر الذين لم يعبدوا العجل بقتل الذين عبدوا العجل وعندما قتل منهم قرابة سبعين ألفاً استصرخ موسى وهارون ربهما وقالا: "البكية البكية، أي: أبكوا عسى أن يعفوا الله عنهم، ووقفوا يبكون أمام حائط المبكى فرحمهم الله.



ما يستخلص من الآيات [49-54]:

1- لكل ظالم متكبر نهاية وخيمة، ففرعون كان هلاكه بالإغراق، وقارون بالخسف وغيرها بشتى أنواع البلاء الذي ذكره القرآن {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الذين جاؤوا من بعدهم إلى يوم القيامة.

ولكل مستضعف مظلوم فرج قريب ونصر محقق طال الزمن أو قصر، كما جاء في الحديث القدسي: "وعزتي وجلال لأنصرنك ولو بعد حين".

2- نصرة المظلوم على عدوه نعمة إلهية تستوجب الشكر، ولذا اتخذ بنو إسرائيل يوم عاشوراء الذي أنجاه الله فيه من الغرق عيداً يتقربون فيه إلى الله بالصيام، وعندما قدم رسول الله صلى اللهعليه وسلم المدينة ووجدهم على ذلك، قال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه بصيامه [رواه مسلم]. وقال الترمذي: وروي عن ابن عباس أنه قال: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود"، واحتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد وإسحاق.

والشكر هو: الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية، كما قال سهل بن عبيد الله.

3- المبادرة إلى التوبة هي السبيل إلى التخلص من المعصية، والله جل جلاله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر: 3]، بل إنه تعالى يغفر جميع الذنوب {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].

4- الصبر هو مفتاح الفرج، قال القشيري: من صبر في الله على قضاء الله عوضه الله صحبة أوليائه، هؤلاء بنو إسرائيل صبروا على مقاساة الضر من فرعون وقومه فجعل منهم أنبياء وجعل منهم ملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين [البحر المحيط 1/194].

إلا أن الصبر لا يعني أبداً الرضا بالضيح، فالمسلم لا يعرف الذل والخنوع، بل عليه أن يقاوم الظلم والاستبداد بالوسائل التي شرعها الله له {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

5- إن الله تعالى ذكر لنا في هذه الآيات طريقة تخلص بني إسرائيل من أوزارهم بالقتل ليظهر عظيم فضله على هذه الأمة المحمدية حيث إنه تعالى خَفَّف عنها ووضع عنها الأغلال التي كانت على الأمم السابقة، قال تعالى في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] استجابة لدعاء عباده الذي علمهم إياه في سورة البقرة {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286].

فمن ارتكب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وِزْراً لا يتعلق بحقوق الآخرين أجزأته التوبة النصوح بينه وبين الله تعالى.