[بلوشستاني للأبد]

الباكستان والهند وإيران وتمرد البلوش
تكتيكات الأرض المحروقة تدفع الجيش إلي حرق الماشية ومخيمات المواطنين
سيليغ هاريسون

ترجمة جودت جالي
أن الأبادة الجماعية البطيئة التي يتعرض لها رجال القبائل في جبال وصحاري جنوبي غربي الباكستان لم تعرف لحد الآن بوصفها كارثة أنسانية مقارنة بالمذبحة في دارفور أو الشيشان . هرب البلوش ( بفتح الباء ) من قراهم ليتفادوا التعرض للقصف من قبل مقاتلات أف 16 النفاثة وطائرات هيليكوبتر الكوبرا التي زودت الولايات المتحدة بها القوة الباكستانية الجوية ، ولكن فيما ترتفع أعداد الضحايا سيكون من الصعب تجاهل التكاليف الأنسانية لصراع أستقلال البلوش (1) وأنعكاساته علي مناطق الأقليات الباكستانية الأخري متعددة الأعراق (2) . لقد شرعت مسبقا منطقة السند المجاورة ، التي تضم أنفصاليين يشاطرون البلوش معارضتهم للهيمنة البنجابية العسكرية لنظام برويز مشرف ، بأحياء حركتها عريقة الغليان من أجل دولة سندية ذات سيادة أو فيدرالية سندية - بلوشية ستمتد علي طول البحر العربي من أيران في الغرب الي الحدود الهندية .
يعبر العديد من القادة السنديون صراحة عن أملهم في أن عدم الأستقرار في الباكستان سيشجع الهند لمساعدتهم عسكريا أو أقتصاديا للأنفصال عن الباكستان كما فعلت بنغلاديش بمساعدة الهند عام 1971 .
لقد أضطر حوالي 6 ملايين بلوشي لأن يكونوا جزء من باكستان عندما أنشأت عام 1947 وهذا هو التمرد الرابع الذي حاربوا فيه للأعتراض علي التمييز الأقتصادي والسياسي . أنخرط في القتال أبان التمرد الأكثر ضراوة مابين عامي 1973 و 1977 حوالي 80000 جندي باكستاني و 55000 بلوشي . كانت أيران مثل باكستان حليفة للولايات المتحدة آنذاك . الشاه محمد رضا بهلوي الذي خشي أن يمتد التمرد عبر الحدود الي 1,2 مليون بلوشي يعيشون في شرق أيران أرسل 30 كوبرا مقاتلة مع طيارين أيرانيين لمساعدة أسلام آباد . ولكن أيران الآن ليست حليفة للولايات المتحدة وتوجد بعض المشاكل بين أيران وباكستان وتوجه أيران أتهاما بأن قوات أمريكية خاصة تستخدم قواعد في باكستان لعمليات سرية داخل أيران هدفها خلق معارضة بلوشية لنظام الرئيس محمود أحمدي نجاد .
أن معظم النقمة التي تحرك جيش تحرير بلوش مستمدة من ذكريات تكتيكات الأرض المحروقة الباكستانية في المعارك الماضية . عمدت القوات الباكستانية في معركة عام 1974 ، وهي محبطة من عدم قدرتها علي العثور علي وحدات حرب العصابات البلوشية في الجبال ، الي قصف ومهاجمة وحرق مخيمات حوالي 15000 عائلة أخذت ماشيتها للرعي في وادي شامالانغ الخصب مجبرة بذلك رجال حرب العصابات علي الخروج من مخابئهم للدفاع عن نسائهم وأطفالهم . في القتال الحالي الذي بدأ في كانون الثاني 2005 أصدرت لجنة باكستان هيومن رايتس المستقلة تقارير عن أستخدام قصف عشوائي بواسطة أف 16 والكوبرا مرة أخري لجر رجال العصابات الي الأرض المفتوحة . ستة ألوية من الجيش الباكستاني أضافة الي قوات شبه عسكرية مجموعها 25000 رجل أنتشرت في جبال كولو وماحولها حيث القتال علي أشده . يستخدم مشرف طرائق جديدة أكثر قمعية من طرائق السابقين له لسحق التمرد . كان ناشطو البلوش في الماضي عموما يعتقلون بتهم صورية ويحكمون لمدد محددة في سجون معلومة لعوائلهم . لكن الناطقين بأسم البلوش أبلغوا عن عمليات أختطاف وأختفاء علي نطاق واسع متهمين القوات الباكستانية بأعتقال المئات من البلوش الشباب بتهم غير محددة وأخذهم الي أماكن مجهولة . أن الأختلاف الكبير بين الجوانب المبكرة للكفاح البلوشي وهذا الكفاح هو أن أسلام آباد لم تعد قادرة علي تأليب القبائل علي بعضها البعض ومايتسم بأهمية مماثلة أنها تواجه حركة قومية موحدة تحت قيادة شابة ليست مستمدة فقط من الزعماء القبليين بل أيضا من طبقة بلوشية مثقفة ناشئة لم تكن موجودة منذ ثلاثة عقود . يوجد أختلاف آخر هو أن البلوش لديهم الآن قوة قتالية في BLA أفضل تسليحا من السابق وأكثر أنضباطا . يقول قادة البلوش أن مواطنين أغنياء ومتعاطفين من الخليج يزودونهم بالمال المطلوب لشراء السلاح من الأسواق السوداء المزدهرة علي طول الحدود الأفغانية . أتهم الرئيس مشرف بشكل متكرر الهند بتزويد المتمردين البلوش بالسلاح والأنفصاليين السند بالمساعدات ولكنه لم يبرز دليلا لدعم هذه التهم . أنكرت الهند هذا وفي الوقت نفسه صدرت عن نيودلهي تصريحات متكررة تعبر عن أهتمامها بالقتال الجاري وتدعو الي حوار سياسي . تنحي الهند جانبا أقتراحات قد تشجع علي مساعدة المتمردين السند أو البلوش أذا ماأستمر الوضع في التدهور في باكستان . يقول القادة الهنود بأنه علي العكس تريد الهند باكستانا مستقرة تفاوض علي تسوية سلام في كشمير لكي يخفض الجانبان سباقهما التسليحي المكلف . لكن العديد من معلقي وسائل الأعلام الهندية فرحون لرؤية مشرف مقيدا في بلوشستان ويتمنون أن تجبره الأزمة علي خفض الدعم الباكستاني للمتمردين الأسلاميين المتطرفين في كشمير . بخلاف الهند يوجد لدي أيران أقليتها البلوشية وتخشي من حركة البلوش القومية . حزب شعب بلوشستان الذي هو واحد من جماعات بلوش القيادية في أيران صرح يوم 5 آب 2006 بأن رجل الدين الشيعي المتطرف حجة الأبراهيم نيكونام الذي نصب مؤخرا كوزير عدل في مقاطعة بلوشستان الأيرانية أطلق حملة قمع عسكرية وأمنية يقودها البوليس السري الديني التابع للمرساد أعتقل خلالها مئات البلوش ، وفي حالات عديدة ، أعدموا بتهم التعاون مع الولايات المتحدة . عدا عن كونهم قليلي العدد فأن بلوش أيران ليسوا سياسيا بوعي وتنظيم بلوش باكستان وقادتهم الرئيسيون يرفضون فكرة الأنفصال عن أيران أو الأتحاد مع بلوش باكستان . أن حزب شعب بلوشستان جزء من أتحاد مع أقليات غير فاعلة أخري في أيران هم الكورد والأزريون والترك والخوزستانيون العرب يسعي الي بناء فيدرالي تحتفظ فيه الحكومة الأيرانية بالسيطرة علي الشؤون الخارجية والدفاع والأتصالات والتجارة الخارجية ولكن تمنح حكما ذاتيا في المجالات الأخري لثلاث مناطق أقليات .
في باكستان حيث جنح البلوش الي التطرف بصراعاتهم العسكرية المتكررة مع أسلام آباد يعتقد العديد من قادتهم بأن هدف التمرد يجب أن يكون أستقلال بلوشستان أن لم يقدم النظام العسكري ضمانا بحكم ذاتي للمقاطعات تضمنه دستور 1973 الذي أبطلته الأنظمة العسكرية المتعاقبة بضمنها النظام الحالي . مايريده البلوش والسند وأقلية ثالثة أكثر تعرضا للحيف هي البشتون فوق كل شئ هو وضع حد للتمييز الأقتصادي الصارخ ضدهم من قبل البنجابيين المهيمنين . أكثر موارد باكستان توجد في بلوشستان بما فيها الغاز الطبيعي واليورانيوم والنحاس وأحتمال خزين نفط غني ، رغم أن 36% من الغاز المنتج في باكستان يأتي من المقاطعة ألا أن بلوشستان تستهلك فقط قسما ضئيلا من الأنتاج لأنها المساحة التي أفقرت أكثر من غيرها في البلاد . حرمت الحكومة المركزية ذات الهيمنة البنجابية بلوشستان لعقود من قسمة عادلة لأعتمادات التطوير وتدفع فقط 12% مماتستحقه بلوشستان مقابل غازها . بالمثل جري لعقود حرمان السند والبشتون من منفذ الي مياه نهر الأندوس بسبب مشاريع السدود التي توجه حصتهم من المياه الي البنجاب . في حديث تلفزيوني يوم 20 تموز مكرس في أغلبه الي بلوشستان رفض مشرف أتهامات البلوش بالتمييز الأقتصادي وأعلن عن تخصيصات تبلغ 49,8 مليون دولار لبرنامج تطوير للمقاطعة نصفها للطرق ومشاريع متفرقة أخري . قال بأن مستغلي البلوش الحقيقيين هم الزعماء القبليون ( يعرفون بأسم سردار ) الذين سرقوها ، كما أدعي أن القوات المسلحة أرسلت الي بلوشستان لحماية البلوش من زعمائهم فيما تتواصل عمليات التطوير . يتهم مشرف السرادرة بأثارة التمرد وبشكل خاص ( أكبر بوغتي ) الذي قتل في 26 آب حين نسف الجيش كهفا كان يختبئ فيه ، ولكن التمرد الحالي لايقوده شيوخ القبائل بل جيل جديد واع سياسيا من القوميين البلوش . مايجعل المفاوضات حول الحكم الذاتي صعبة هي القضايا الناجمة عن السياسة الضريبية وأساليب تقاسم العائدات من تطوير النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخري . أ ن أستمرار الدور العسكري سيدفع تمرد البلوش وحركة حقوق السند المتنامية الي التطرف ولكن ليس من المحتمل أن يستطيع البلوش أظهار تفوق علي القوات الباكستانية وأقامة دولة مستقلة حتي مع مساعدة السند أن لم تتدخل الهند كجزء من مواجهة أوسع مع أسلام آباد . أن مشهد أواخر 2006 هو مشهد صراع مستمر غيرحاسم من قبل البلوش والسند ضد أسلام آباد سيضعف باكستان في عيون البلوش والسند ، وتتحمل الولايات المتحدة نصيبا رئيسيا من اللوم علي الأزمة الحالية لأن معدات الولايات المتحدة العسكرية تستخدم لقمع التمرد البلوشي وغزارة مساعدتها الأقتصادية لأسلام آباد منذ 11 أيلول 2001 أبقيت مشرف في مأمن . أن المساعدة العسكرية لمشرف منذئذ بضمنها بيع 36 طائرة أف 16 وافق عليها الكونغرس مؤخرا بلغت 900 مليون دولار حتي الآن و 600 مليون دولار وعد بها من قبل أيكونومك أيد ( لجنة المعونة الأقتصادية ) لم تتضمن فقط 3,6 بليون دولار بل وتسوية تكفلت بها الولايات المتحدة لديون دولية زاد تأخير دفعها من فوائدها بدلا من حث مشرف علي تسوية سياسية مع الأقليات ، وكما فعل بعض المسؤولين الأوربيين قالت أدارة بوش أن توترات باكستان الأثنية شؤون داخلية علي باكستان حلها بنفسها . دعت منظمة هيومان رايتس ووتش الي ضغط دولي علي مشرف لأقناعه بالتسوية وجادل منتقدو هذه السياسة في الولايات المتحدة بأن تحول تجهيزات الولايات المتحدة للقوات الباكستانية من الحدود الأفغانية الي بلوشستان يقوض حتي العمليات المحدودة ضد القاعدة وطالبان التي يواصلها مشرف أستجابة الي ضغط الولايات المتحدة ، والي حين مغادرة بوش لمنصبه علي كال حال فأنه من المرجح أن الولايات المتحدة ستبقي ثابتة علي وعدها لمشرف بالدعم حائلة دون أمكانية خارجية لجعله يتنازل أمام ضغط داخلي متزايد والسماح الي رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو ونواز شريف بالمشاركة في الأنتخابات الرئاسية التي تحدد موعدها في العام القادم .