04-03-2004, 02:19 AM
|
سجينة في معتقل الذكريات
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,996
|
|
أيها الناس اسمعوا قَولي و اعقلوه، تعلَمُنَّ أنّ كل مسلم أخ للمسلم و أنَّ المسلمين إخوة فلا يَحِلُّ لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تَظلِمُنَّ أنفسكم، اللهمَّ هل بَلَّغت ؟ فقال الناس : نعم .
فقال : "اللهمَّ اشهَد عليهم". ثم أفاض الرسول المصطفى صلى الله عليه و سلم من عرفات و عاد إلى المدينة فأقام بها ثلاثة أشهر : ذي الحجّة و المحرَّم و صَفَر، ثم هيَّأ جيش أسامة الحِبَّ ابن الحِبّ لِيَغزوا فيه أرض فلسطين في المكان الذي قُتِلَ فيه سيدنا زيد بن الحارثة و جعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة رِضوان الله عليهم في معركة مؤته.
بعد هذه الأشهر الثلاثة في وسط صَفَر-كما نقل أكثر الرواة - بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم بالشكوى من رأسه و كان ذلك بعد حجّة الوداع بإحدى و ثمانين يوماً، و أنزل الله تعالى قوله :
{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3]. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نُعِيَت إليَّ نفسي " . فلمّا قالها رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال له جبريل : يا أخي و لَلآخرة خير لك من الأولى . و جاء سيدنا جبريل يستعرض معه القرآن فقرأه معه مرتين و اجتهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعبادة حتى صار كالثوب البالي من كثرة العبادة و كان كل يوم عندما يذهب و يجيء يقول : سبحان الله و بحمده استغفر الله و أتوب إليه . فقالت له أم سلمة : يا رسول الله إنّك تدعو بدعاء لم تدعه من قَبل . فقال : " إنّ ربي أخبرني أنّني سأرى علماً في أمَّتي و أنني إذا رأيته أسبِّح بحمده و أستغفره، ثم قرأ قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله و الفتح ...} . و قبل وفاته صلى الله عليه و سلم بأيام خرج إلى قتلى أُحُد بعد ثمان سنين فوقف إليهم و سلم عليهم و حيّاهم و أكثر من الصلاة عليهم ثم عاد فصعد المنبر و جمع الناس فقال : أيها الناس إني بين أيديكم فرط و أنا عليكم شهيد و إنّ موعدكم الحوض و إني لأنظر إليه و أنا في مقامي هذا و إني قد أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض و إني لست أخشى عليكم أن تُشرِكوا بعدي و لكني أخشى عليكم أن تنافسوا فيها كما تنافسوا فيها فتُهلِكَكم كما أهلَكَتكم،ثم جلس ثم قام فقال : أيها الناس إنَّ عبداً خيَّره الله أن يؤتيه زخرف الدنيا و بين ما عنده فاختار ما عند مولاه . فقام أبو بكر و قال : فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله ! فتعجّب الناس من الصِدّيق و قالوا لِمَ فعل هذا ؟ إنّما يقول عن عبد خيَّره الله تعالى و لكن الصدّيق فَهِم مَن هذا العبد المخَيَّر، ثم قال الرسول صلى الله عليه و سلم : إنَّ أمَنّ الناس عليّ بصحبته و ماله أبو بكر، كلّ من كان له عندنا يداً كافأناه عليها إلا الصدّيق فإنا نترك مكافأته لله، لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً و لكن أخوَّة الإسلام، لا يبقى في المسجد بابٌ إلا ويُغلَق ألا باب أبي بكر.
ثم نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رُؤيَ بعدها على المنبر جالساً إلا مرة.
ثم دخل عليه الصلاة و السلام إلى بيته و في الليل خرج فرأى رجلاً من الصحابة فقال : يا فلان إني أُمِرتُ أن أستغفر لأهل أُحُد، فاخرج معي . فخرج في منتصف الليل إلى أُحُد، فاستغفر لهم و دعا لهم ثم عاد إلى البيت فدخل فإذا بعائشة قد عصبت رأسها من الألم، فقالت : يا رسول الله وا رأساه . قال : بل أنا يا عائشة وا رأساه .
ثم بدأ يدور على أزواجه حتى أتعبه المرض فاستأذن أن يُمَرَّضَ في بيت عائشة فأذِنوا له، فحمله سيدنا العباس و سيدنا عليّ و إنّ رجلاه لتخطّان على الأرض خطاً لا يستطيع الوقوف عليهما من شدة المرض، فدخل بيت عائشة فقالت : بأبي أنت و أمي يا رسول الله . ثم جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتها و اشتدَّت عليه الحمى فدعا عائشة و حفصة و طلب أن يأتوه بقُرَب من آبار متعددة لتكون باردة فجاءوا بسبع قُرَب فجلس في مخضب و وُضِعَ الماء عليه و هو يشير أن صُبوا عليّ منها . يقول العباس : و كنت إذا لمسته ضربتني الحمّى، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يُنزَعُ كما يُنزَع الرجال من الناس .
و عن عبد الله بن عمر قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يوعَك وعكاً شديداً فقلت يا رسول الله إنّك توعك وعكاً شديداً، فقال عليه الصلاة و السلام : أجل إنني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت :ذلك أن لك لأجرين قال : أجل ذلك أن ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفَّر الله بها سيئاته .
و أخرج النسائي عن فاطمة بنت اليمان أنها قالت : أتيتُ النبي صلى الله عليه و سلم في نساء نعوده، فإذا سِقَاء يقطر عليه من شدة الحمى، وضعوا وعاء ماء يقطر عليه ليبرد عنه شدة الحمى، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أشدَّ الناس بلاء: الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" .
و رُوِيَ عن عروة أنه صلى الله عليه و سلم قال : "ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُه بخَيبر من الشاة المسمومة " .
و قد تُوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم شهيداً، فهو قد نال صفات كمال البشر جميعاً، وهو سيد الكرماء و سيد العقلاء و سيد الحكماء .
و كان ابن مسعود و غيره من الصحابة يرون أنه مات شهيداً بالسُّمِّ .
|