عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 25-10-2001, 11:55 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وكما أن الحكم في الاسلام ليس ديكتاتوريا ليس هو أيضا ديموقراطيا، فإلى جانب أن القيادة في الاسلام فردية وليست جماعية كما في النظام الديموقراطي فإن التناقض والاختلاف بين الاسلام والديموقراطية يبرز في عدة مسائل أعرض أبرزها على النحو الآتي :

السيادة في الاسلام للشرع لا للشعب كما هي الحال في النظام الديموقراطي، فالشعب في النظام الديموقراطي هو الذي يمارس إرادته، ويقيم عنه من يشاء، ويعطيه حق تسيير إرادته. فالأمر كله في النظام الديموقراطي للشعب، فالشعب عندهم هو المرجع الأعلى في كل شيء. وأما في الاسلام فإن المسير لارادة الفرد والأمة هو الشرع، فالأمر في الاسلام كله للشرع، فالشرع هو المرجع الأعلى في كل شيء. ولأن السيادة في الاسلام للشرع وليست للشعب ، نجد أن الخليفة لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد كما هي الحال في النظام الديموقراطي، وإنما يبايع الخليفة من الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، لينفذ كتاب الله وسنة رسوله، أي لينفذ الشرع، لا لينفذ ما يريده الناس، حتى لو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا .
والشعب في النظام الديموقراطي هو مصدر السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، فهو الذي يشرع القوانين ويعين القضاة ويقيم الحكام. بخلاف الاسلام إذ أن سلطة التشريع في الاسلام هي لله تعالى لا للناس، فالله وحده هو الذي يشرع الأحكام في كل شيء، سواء في العبادات أم المعاملات أم العقوبات أم غير ذلك ، ولا يجوز لأحد من الناس أن يشرع ولو حكما واحدا. والشعب إنما يملك السلطان أي الحكم، فهو الذي ينتخب الحاكم وينصبه، فهو مصدر السلطة التنفيذية فحسب، يختار من يتولى السلطان والحكم. والسلطة القضائية إنما يتولاها الخليفة أو من ينيبه عنه في ذلك. فالخليفة هو الذي يعين القضاة ويعين من يعين القضاة، ولا يملك أحد من الشعب لا أفرادا ولا جماعات تعيين قاض من القضاة بل هو محصور بالخليفة ومن ينيبه.

ومن أوجه الاختلاف أن الشعب في النظام الديموقراطي هو الذي يملك حق عزل الحاكم متى شاء كما أن له حق اختياره، واما في الاسلام فإنه وإن كانت الأمة هي التي تختار الخليفة ولا يصبح الشخص خليفة إلا إذا بايعته الأمة بالرضا والاختيار إلا أن الأمة لا تملك عزله متى تم انعقاد بيعته على الوجه الشرعي. إلا أن الشرع قد بين متى ينعزل الخليفة من غير حاجة لعزل، ومتى يستحق العزل ، وهذا كذلك لا يعني أن عزله للأمة .

والاختلاف بين الاسلام والديموقراطية حاصل أيضا في أحكام الشورى، ذلك أن رأي الأكثرية في النظام الديموقراطي ملزم في كل شيء، وأما في الاسلام فإن رأي الأكثرية لا يكون ملزما إلا في حالة واحدة فقط هي في المسائل التي ترشد إلى عمل ، ففي الأحكام الشرعية، وكذلك في الآراء التي تؤدي إلى فكر، والآراء الفنية والتعاريف رأي الأكثرية ليس ملزما. صحيح أن الشورى تكون في كل شيء إذ هي أخذ الرأي مطلقا لكن تداول الرأي او أخذ الرأي شيء ، والالزام به شيء آخر. فليس معنى أن الشورى تكون في كل شيء أنها تكون ملزمة في كل شيء.
فبالرجوع إلى الأدلة الشرعية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسل قد رفض آراء الأكثرية بالتشريع وتمسك بما نزل به الوحي، أي تمسك بالحكم الشرعي، وذلك في صلح الحديبية حين رفض رأي جميع المسلمين وقال: ( إني عبد الله ورسوله ولن أخالف أمره )، ونجده صلى الله عليه وسلم قد نزل عند رأي الواحد وترك رأيه ولم يرجع لرأي المسلمين وذلك في بدر، فإنه حين نزل عند أدنى ماء من بدر لم يرض الحباب بن المنذر بهذا المنزل وقال للرسول : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال الرسول : ( بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) فقال يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ، ثم أشار إلى مكان ، فما لبث الرسول أن قام ومن معه وتبع رأي الحباب. ففي هذين الحادثين لم تكن لآراء الأكثرية قيمة في تقرير الأمر مما يدل على أن ما كان من التشريع لا يؤخذ فيه بآراء الأكثرية ، وعليه لا يؤخذ بآراء الأكثرية في الأحكام الشرعية ومثلها التعاريف الشرعية ، وكذلك ما كان من قبيل ( الرأي والحرب والمكيدة ) أي من الفكر الذي يحتاج إلى بحث وامعان نظر ، ومن الأمور الفنية التي تحتاج إلى خبرة لا يؤخذ فيها بآراء الأكثرية، ومثلها التعارف غير الشرعية . ولكن إلى جانب هذين الحادثين يوجد حادثة أخرى تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد التزم بالشورى أي أخذ برأي الأكثرية، ففي غزوة أحد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأي الأكثرية وترك رأيه ورأي كبار الصحابة. فخرج لملاقاة العدو خارج المدينة وهو رأي اكثر المسلمين وكان رأيه ألا يخرج إليهم ، مما دل على أنه في مثل حادثة أحد يرجع فيه لرأي المسلمين ويلتزم برأيهم، وهذا في الأعمال التي لا تحتاج إلى بحث وامعان نظر، أي في غير التشريع ، وفي غير التعاريف، وفي غير الفكر الذي يحتاج إلى بحث وامعان نظر. وعليه فالفرق بين الاسلام والنظام الديموقراطي واضح جلي من هذه الناحية، ففي النظام الديموقراطي رأي الأكثرية ملزم في كل شيء، وأما في الاسلام فإن رأي الأكثرية يكون ملزما في حالة واحدة فقط هي الأعمال التي لا تحتاج إلى بحث وامعان نظر كحادثة أحد.


والتناقض بين الاسلام والديموقراطية يبرز في ناحية أخرى هي :
" ان الدولة في النظام الديموقراطي عدة مؤسسات وليست مؤسسة واحدة، فالحكومة مؤسسة وهي السلطة التنفيذية ، وكل نقابة من النقابات مؤسسة تملك صلاحية الحكم والسلطان في الأمر الذي قامت عليه. فنقابة المحامين مؤسسة لها السلطان والحكم في شؤون المحامين كلها، من السماح بمزاولة مهنة المحاماة ومن منعه من مزاولتها ، ومن محاكمة المحامين، وغير ذلك من جميع ما يتعلق بالمحامين من السلطان والحكم . وكذلك نقابة الأطباء، ونقابة الصيادلة ، ونقابة المهندسين، وغير ذلك. فإنها تملك في الأمر الذي قامت عليه النقابة كل السلطة في هذا الأمر فهي كالوزارة سواء بسواء من حيث السلطة بالنسبة لما يتعلق بالنقابة . والوزارة نفسها لا تملك السلطة فيما هو من سلطة النقابة. بخلاف الاسلام فإن الدولة والحكومة شيء واحد، هي السلطان وهو الخليفة، وهو وحده صاحب الصلاحية ولا يملكها أحد سواه مطلقا، قال صلى الله عليه وسلم : ( الامام راع وهو مسؤول عن رعيته ) ، ( وهو ) هنا أداة حصر وهي ضمير الفصل ، فقوله ( وهو مسؤول ) حصر للمسؤولية به. ولهذا لا يوجد أحد في الدولة أفرادا أو جماعات يملك شيئا من السلطان والحكم من ذاته بأن يكون من صلاحياته أصالة سوى الخليفة " .


" وفي النظام الديموقراطي يوجد ما يسمى بالحريات العامة : فهناك الحرية الشخصية، وحرية الملك، وحرية العقيدة، وحرية الرأي. فلكل إنسان أن يفعل ما يشاء، ولذلك لا توجد عقوبة على الزنا بل لا يجوز أن توضع عقوبة على الزنا لأن وضعها يعتبر تدخلا في الحرية الشخصية، ولكل إنسان أن يملك بأي وسيلة أي شيء يريد، فيملك بالقمار والغش والاحتكار. ولكل إنسان أن يعتنق العقيدة التي يريدها ، وأن يقول الرأي الذي يراه. وهذا خلاف الاسلام. فإن الاسلام لا توجد فيه حرية بمعنى عدم التقيد بشيء عند القيام بالأعمال، بل الاسلام يقيد المسلم بالأحكام الشرعية، فكل عمل من أعمال المسلم يجب أن يتقيد به بالأحكام الشرعية ، ولا يحل لمسلم أن يقوم بعمل إلا بحسب الأحكام الشرعية . وما يسمى بالحريات العامة لا وجود له في الاسلام، فلا توجد حرية شخصية، فالزانية والزاني يجلد كل منهما أو يرجم. ولا توجد حرية الملك، فالمال الذي يكسب بالقمار أو بالعقود الباطلة لا يملك. والمال الذي يحرم الشرع أخذه كالربا لا يملك. ولا يجوز للمرء أن يملك بالتدليس والاحتكار. وكذلك لا توجد حرية عقيدة، فالمسلم إذا ارتد يقتل إن لم يتب. وأما ما يسمى بحرية الرأي فإن الاسلام أباح للمسلم أن يقول الرأي الذي يراه ما لم يكن إثما، وأوجب قول الحق في كل مكان وكل زمان، ففي حديث عبادة بن الصامت في بيعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) . وأوجب مجابهة الحكام بالرأي ومحاسبتهم على أعمالهم، قال صلى الله عليه وسلم : ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله ) . وهذا ليس حرية رأي بل هو تقيد بأحكام الشرع وهو إباحة قول الرأي في حالات ووجوبه في حالات. ولهذا كان الاسلام مخالفا للديموقراطية فيما يسمى بالحريات العامة. فلا توجد حريات في الاسلام اللهم إلا الحرية بمعنى تحرير الرقيق من الرق ".


ومن هنا يتضح أيضا وجود فرق بين الاسلام والديموقراطية بالنسبة لمحاسبة الحاكم، إذ أن محاسبة الحاكم في الاسلام فرض، ووجود حزب سياسي يقوم بالدعوة إلى الاسلام، ويأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ومن ذلك أمر الحاكم ونهيه فرض أيضا. فالمحاسبة ، ووجود أحزاب سياسة تقوم بعمل المحاسبة هو قيام بحكم شرعي، وليس هو من قبيل حرية الرأي كما في النظام الديموقراطي. وأيضا المحاسبة في الاسلام هي لأجل استقامة الحكم لا لأجل المعارضة كما في الديموقراطية.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله