الموضوع: اعدام هدّام
عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 27-12-2006, 10:32 AM
amir alnur amir alnur غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2006
المشاركات: 133
إفتراضي

لماذا الهجوم على كنعان مكية والمعارضة العراقية في هذا الوقت بالذات؟

د.عبدالخالق حسين


قبل شهرين تقريباً، وجه أكثر من مائتي مثقف عراقي نداءً إلى زملائهم العرب، يناشدونهم فيه بالوقوف إلى جانب شعبهم في نضاله العسير ضد الطاغية صدام حسين ونظامه الفاشستي. وفعلاً هناك عدد غير قليل من المثقفين العرب الذين نكن لهم الاحترام لمواقفهم المشرفة، وشعبنا لم ينس دور المخلصين من أصدقائه، العرب والأجانب، الذين وقفوا إلى جانبه في وقت الشدة.
ولكن من المؤسف القول أن هناك أيضاً عدد لا يستهان به من المثقفين العرب الذي اختاروا بملء إرادتهم الوقوف إلى جانب الجلاد بدلاً من الإنتصار للضحية. وقد شاهدنا هؤلاء ممن يسمونهم بحق،(مثقفو كوبونات النفط المهرب) يتسابقون بالمئات لحضور المرابد في العراق والتغني بانتصارات النظام الوهمية وتنظيم المهرجانات الشعبية لنصرته. كما راح البعض منهم يدعون لإرسال المتطوعين إلى بغداد لتشكيل الدروع البشرية لحماية النظام من الضربة المرتقبة. ومن سخرية الأقدار أنهم يقدمون كل هذه الخدمات للطاغية بذريعة الدفاع عن الشعب العراقي بينما الواقع يؤكد أنهم يريدون حماية النظام الجائر من السقوط المحتم.
وقد فاجئنا الدكتور إدوارد سعيد بمقالة له نشرت في الحياة يوم 3/12/2002، يتهجم فيها وبلغة جارحة على المعارضة العراقية عموماً وعلى الأكاديمي العراقي المعروف كنعان مكية، الأستاذ في جامعتي هارفاد وبرنديس في بوسطن/الولايات المتحدة وصاحب عدة مؤلفات قيمة أقضت مضاجع النظام الفاشي والمدافعين عنه. وكانت المقالة مليئة بالحقد وتصفية حسابات شخصية وتوجيه تهم باطلة، مما دفع العديد من الكتاب العراقيين والعرب والأجانب بالرد عليه وتفنيد أقواله ونصحه بتجنب هكذا لغة لا تليق بأي مثقف مهما كان مستواه، ناهيك عن مثقف معروف بمثل الدكتور سعيد.
وقد اعتقدنا أن الأمر قد انتهى عند ذلك الحد، ولكننا فوجئنا ثانية بنشر مقالتين في صحيفة الحياة العدد الصادر يوم 30/12/2002، للسيدين أسعد أبو خليل، والسيد جوزيف مسعد، كلاهما أكاديميان يعملان في الجامعات الأمريكية. وعند قراءتي للمقالتين ظهرتا لي أنهما إعادة لمقالة سعيد مع بعض الإختلافات، إذ نقرأ ذات المحتوى والتحامل والتحريض على المعارضة والأستاذ مكية وبشكل فض وبلغة هابطة مما يثير استغراب القارئ العربي الذي من حقه أن يسأل هل حقاً هذا هو أسلوب أستاذ في جامعة أمريكية؟
يقول أسعد أبو خليل بعد مقدمة ضافية: ".. ولا يحتاج إدوارد لدفاعي أو دفاع غيري، فإن الحملة على إدوارد سعيد واضحة في دوافعها: فهي تمتعض من معارضته لعملية ضرب العراق, مع أنه في هذا الصدد منسجم مع نفسه ومتماسك اخلاقياً.. " ونحن إذ نسأل: إذا كان سعيد لا يحتاج إلى دفاع أحد، فلماذا هذا الدفاع المستميت عنه؟ ومن بدأ الحملة على من؟ ولماذا لم يتورع "المتماسك إخلاقياً" عن شن حملته الظالمة على المعارضة العراقية ورموزها السياسية والثقافية، موجهاً لهم مختلف النعوت والاتهامات الباطلة، وعبارات نابية مثل نعته لمكية بأنه رجل بلا قيم وأنه ظاهرة زائلة..إلى آخره ؟ لذلك نقول لهؤلاء السادة أنه كان من الأولى بهم أن ينصحوا صديقهم إدوارد بالكف عن هجومه على المعارضة العراقية وأنه هو الذي بدأ الهجوم والبادئ أظلم!
ثم يضيف الكاتب في دفاعه عن سعيد أنه " لم يحبر قصائد مديح في صدام حسين". هذا صحيح لأن سعيد لم يكن شاعراً وإلا لما تردد عن ذلك، بدليل أنه دافع عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي حبر قصائد مديح في صدام حسين، ورغم أن سعيد "كتب على امتداد سنوات ضد أنظمة القمع العربية " كما يقول أبو خليل، ولكنه صحيح أيضاً أنه لم يتعرض لنظام صدام حسين بالنقد ولو مرة واحدة في حياته، لا بل وقف ضد حرب تحرير الكويت كما يقف الآن ضد تحرير العراق والإطاحة بالنظام الجائر. ونحن نؤكد القول (أن معارضة الحرب تعني مناصرة صدام)، لأن هذا النظام الفاشي فريد من نوعه في القمع والقسوة والتدمير، لذلك لا يمكن إسقاطه إلا بإسلوب فريد من نوعه أيضاً. وإطاحة هكذا نظام دموي باتت ضرورة مطلقة ليس لمصلحة الشعب العراقي فحسب، بل ولمصلحة العالم والتضامن العربي والقضية الفلسطينية واستقرار المنطقة. ولا يمكن للشعب العراقي إزالته لوحده بقواه الذاتية، كما أثبتت التجارب المريرة الماضية، لذلك صار الدعم الدولي ضرورة لا يمكن الإستغناء عنها.
وعلى طريقة إدوارد سعيد، يوجه أبوخليل إتهامات باطلة كقوله: "... ومكية لا يدعو إلى ضرب العراق فقط, ولكنه يدعو اليوم جهراً إلى استعمار العراق.." نقول، حبذا لو تكلف الكاتب ولو بذكر مصدر واحد يرشدنا إليه يثبت أن مكية دعا إلى ضرب العراق وإستعماره.
الحقيقة هي أن الضربة إن حصلت، فهي بسبب سياسات النظام العدوانية على دول الجوار وامتلاكه سلاح الدمار الشامل وكونه يشكل خطراً على سلام وأمن المنطقة والعالم، وإنها (الضربة) هي ضد النظام الجائر وليس ضد الشعب العراقي الذي يتطلع إلى الخلاص من الحكم البغيض. وقد حاول الشعب العراقي وجيشه مرات عديدة لإسقاطه ففشل بسبب قسوة قمع النظام واستعداده لإبادة الشعب بكامله من أجل البقاء في السلطة. وآخر انتفاضة شعبية واسعة كانت بعد هزيمة النظام في الحرب الخليج الثانية التي حررت الكويت، حيث سيطرت الجماهير المنتفضة على 14 من مجموع 18 محافظة، واستخدم النظام قواته الخاصة وقتل 300 ألف من الثوار العراقيين خلال أيام قلائل وأجهض الانتفاضة. لذلك صار من المؤكد لدى الشعب ومعارضته الوطنية أن أية انتفاضة أخرى هي عملية انتحارية جماعية ما لم تدعمها قوة دولية كما حصل في حالة إسقاط النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية وغيرها.

يعيب الكاتب على مكية شعوره بالفرح عندما حصل على الجنسية البريطانية. ونحن نسأل: ماذا كان شعوره هو وشعور صديقه إدوارد سعيد عندما حصلا على الجنسية الأمريكية ومنصب الأستاذية في الجامعات الأمريكية؟ ومن الذي يجب أن يُنتقد ويلام على ذلك؟. هل المواطن العربي المقهور والمشرد أم الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة؟ وماذا تتوقع من عراقي في المنفى ورأسه مطلوب من حكومته وترفض الحكومات العربية الأخرى توفير الحماية له أن يفعل عندما تمنحه دولة أجنبية ديمقراطية مثل بريطانيا الجنسية وتوفر له الأمان والضمان بعد أن حرم منهما في وطنه العراق والوطن العربي الأكير؟.
ومن قال لكم أن مكية يريد حرمان العراقيين العرب من هويتهم العربية وهو العربي القح؟. وهل من العروبة بمكان اضطهاد القوميات الأخرى التي عاشت في العراق آلاف السنين؟ فكل ما يطالب به مكية والمعارضة الوطنية هو في صالح العروبة ذاتها لأنه يريد أن يعيد لها وجهها الإنساني الناصع وذلك بإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي يحترم حكم القانون وحقوق الإنسان ويقر فيه التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد وحقوق القوميات والأديان. بينما أنتم تصرون على إبقاء سياسة الظالم والمظلوم والقهر والصهر القومي وإلغاء الآخر. وهذه السياسة هي المسؤولة عن قيام الأنظمة العربية المستبدة وتخلف شعوبها. فهل كان الشعب العراقي بحاجة إلى كل هذه التضحيات والكوارث على مدى 35 عاماً حتى نجعلكم تفهمون أن لا حرية لشعب يضطهد شعباً آخر؟
ثم يواصل الكاتب في ذم وقدح مكية في كل ما فعل حتى ولو شاركه الملايين من العرب كإدانته لمرتكبي فاجعة 11 أيلول حيث يتهكم عليه بقسوة لإبدائه مشاعر الحزن على الضحايا. ولا ندري ماذا كان على مكية أن يفعل إزاء هذه الجريمة المروعة التي ارتكبت بسم العرب والمسلمين. هل كان عليه أن يخرج إلى الشارع معرباً عن سروره بالكارثة كما فعل بعض المتطرفين الفلسطينيين البسطاء الذين خرجوا عن جهل إلى الشوارع في الضفة الغربية معربين عن فرحهم بإطلاق الزغاريد أمام كاميرات الإعلام العالمي، تلك الفعلة التي استغلتها إسرائيل وأعوانها في العالم لتشويه سمعة القضية الفلسطينية وإلصاق صفة الإرهاب بها مما اضطر الرئيس ياسر عرفات أن يسارع إلى دعوة وسائل الإعلام متبرعاًُ أمامها بدمه إلى ضحايا 11 أيلول ليخفف من وطأة ما بدر في الشارع الفلسطيني من شماتة.
ويختتم الكاتب مقالته قائلاً: ( ويبقى إدوارد سعيد على رغم الحصار (الجغرافي والنفسي), وعلى رغم المرض العضال, صوتاً مدوياً للضمير العربي المقموع.) ونحن إذ نتمنى لسعيد الشفاء العاجل والإنضمام إلى معسكر الكتاب المناصرين للشعوب المضطهدة، ولكننا مع الأسف لم نقرأ له يوماً أن رفع صوته في وجه نظام صدام حسين الفاشي في العراق ولم ينتصر للشعب العراقي المقموع، بل وقف ضد كل محاولة لإزالة هذا النظام الجائر. وعلى سبيل المثال لا الحصر وصلتني معلومة من شاهد عيان، مفادها أن بعد جريمة النظام في ضرب المدينة الكردية العراقية (حلبجة) بالكيمياوي عام 1988 وقتل ما يقارب الخمسة آلاف من سكانها، قام بروفسور كردي في إحدى الجامعات الأمريكية بجمع تواقيع الأساتذة الجامعيين إستنكاراً للجريمة المروعة. ولما دخل الأستاذ الكردي على الأستاذ إدوارد سعيد في مكتبه وقدم له العريضة، فألقى سعيد نظرة سريعة عليها وقال بإنفعال: (لماذا تكرهون العرب؟) ثم ألقى العريضة في سلة المهملات! فهل حقاً هذا هو (الصوت المدوي للضمير العربي المقموع؟).
أما المقالة الثانية في نصرة سعيد، فهي مقالة الأستاذ جوزيف مسعد، (بعنوان اطروحات اليمين الأميركي عند مكيّة: ذمّ العرب بلسان عربي) والذي يبدأها بالهجوم على الذين ردوا على سعيد ويصفهم ب (زمرة من الكتاب) والليكودي الإسرائلي ..الخ.) ليقول عنهم بأنهم: " مضللين القراء العرب بشأن الدور الذي لعبه ويلعبه مكيّة في الولايات المتحدة,."
كان القوميون العرب في القرن الماضي يوجهون تهمة الشعوبية ضد كل من يطالب بالديمقراطية والعدل والمساواة، أما اليوم فقد تبدلت الأسطوانة إلى تهمة الصهيونية والليكودية والعداء للعرب ضد كل من يطالب بهذه الأمور الإنسانية. وينكر سعيد وأعوانه على مكية كونه ضحية القمع الصدامي .. فيكرر مسعد التهمة ذاتها أن كنعان مكية دعا لإحتلال العراق فيقول: (فهل سمعنا سعيداً يوماً مثلاً, ينادي بغزو أميركي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة لـ(تحريرها), كما ينادي مكيّة?) ونحن إذ نسأل: ألم يطالب الفلسطينيون ومعهم كل الحكومات العربية، لا بل وصل إلى حد التوسل كما فعل وزير خارجية قطر، إلى أمريكا بالتدخل في حل القضية الفلسطينية؟ ولو كانت أمريكا فعلاً تقبل بالتدخل العسكري ضد إسرائيل، فهل تردد العرب بتقديم هذا الطلب؟ وعندها، ألم يعتبر عدم تقديم مثل هذا الطلب خيانة وطنية وقومية؟ إنهم لم يقدموا طلب التدخل العسكري من أمريكا ضد إسرائيل لأنهم يعرفون جيداً أن أمريكا سترفضه. أما الوضع في العراق فيختلف تماماً، ونظام الحكم فيه يعتبر أسوأ من الإحتلال الأجنبي. والمطالبة بالتدخل العسكري الدولي لإسقاطه قابل للتنفيذ وهو الحل الوحيد للمشكلة العراقية كما ذكرنا أعلاه.