عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 08-10-2001, 03:26 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Thumbs up

أشكر للأخ مهند مداخلته وإجابته الداعية إلى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، واستخدام الأساليب الحضارية كما في فتح أندونيسيا.
وأتابع ما بدأته في الحلقات السابقة:

(الإنسان أولاً)

تقوم الحضارة الإنسانية على (الإنسان) قبل أي شيء آخر، ولا يتصوّر في الذهن أن يقوم الخامل المسحوق، والمحبط الفاشل ببناء حضارة إنسانية متميزة تدرك أبعاد رسالة الإنسان في الكون، ولا غرو أن نرى الإسلام ابتدأ بالإنسان نفسه، فكرمه وعلمه ووجهه،
فرفع من شأنه وأخرجه من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة،
ومن التقوقع إلى الانفتاح،
ومن العصبية إلى التراحم،
ومن الجور إلى العدالة،
ومن رفض المخالف إلى التعايش مع الآخر وقبوله،
وليس من دين كالإسلام جمع –بالزواج- أصحاب الأديان المتعددة تحت سقف واحد، حيث أجاز للمسلم أن يتزوج من الكتابية نصرانية كانت أو يهودية،
وكسر الإسلام قيود الخرافة وأخرج الإنسان من قمقم التبعية للكاهن والساحر إلى حصانة العلم ونعمة التوحيد ورفض مظاهر الدجل،
وقرر له الاستخلاف في الأرض,
والسواسية مع بني جنسه،
وألغى الفوارق الطبقية والعرقية،
وكرّم المرأة وساواها بالرجل في القيمة الإنسانية والتكليف الشرعي والشخصية القانونية المستقلة،
وأقر لكل واحد من بني البشر بحق الحياة والتعبير عن التفكير،
ووفر له الحرية السياسية ضمن ضوابط الشريعة والشورى،
وحرّم الظلم بكل أوجهه وأشكاله وميادينه،
وجعل الاجتهاد شعاراً يتغلب على التقليد،
وأوجب التفكير وجعله عبادة مأجورة،
ونهى عن التطرف في كل شيء حتى في العبادة والطاعات.

إن الإنسان الذي علمه الإسلام وأرشده ووجهه هو الذي بنى الأسس الأولى لما تتمتع به حضارة اليوم من معطيات إيجابية في ميدان حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وكان موقفه متشدداً من قضية الظلم والعدالة، والحرية والاستعباد، فلقد استعاذ النبي (صلى الله عليه وسلم) من الظلم، وأعاذ منه، ففي الحديث: (أعيذك بالله يا كعب بن عُجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم وصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش، فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه وسيرد عليّ الحوض).

وخصص عالم الاجتماع العربي المسلم (ابن خلدون) فصلاً كاملاً في مقدمته، بيّن فيه أن وبال الظلم لا يقع فقط على الذين يمارسونه، وإنما يطال الدولة نفسها من حيث هي كيان سياسي، ويؤثر على استمرار أو عدم استمرار الاستقرار فيها، ويهدد استقلالها وازدهارها، كما يؤثر الظلم بشكل سلبي على العمران البشري (الحضارة)، الذي لا يقوم ولا يتقدّم بدون استقرار يقوم على العدل، قال: (ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب، كما هو معروف، بل الظلم أعم من ذلك، وكل من أخذ مِلك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقاً لم يفرضه الشرع، فقد ظلمه، فجباة الأموال بغير حقها ظلمة، والمعتدون عليها ظَلَمة، والمنتهبون لها ظَلَمة، والمانعون لحقوق النّاس ظلمة، وغُصّاب الأملاك على العموم ظَلَمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها، لإذهابه الآمالَ من أهله).

وما من شك بأن التفرد والاستبداد كارثة على الشعوب، والاستبداد يضيق بالنقد والنصح والحسبة، والتفرّد يغتال المواهب، ويقضي على الإبداع، ويزرع الرعب حتى يصبح المواطن خائفاً من أقرب المقربين إليه، لا يأمن من نفسه على نفسه، ولهذا صار الحكم الفردي عاراً على أصحابه، ووصمة سلبية في جبين الإنسانية، وعقبة كأداء تحول بين الإنسان والبناء الحضاري، وأي حياة هذه بدون حرية واعية، وشورى ناضجة، وسلطان يحفظ للإنسان كرامته؟ والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تُودّع منها).

وما هذا كله إلا لحفظ الإنسن –فرداً وجماعة، مؤمناً وكافراً- وحفظ الضرورات الخمس للإنسان (العقل والدين والمال والنفس والنسل).

=يتبع=
__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]