عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 12-12-2002, 12:01 AM
الاندلسي الاندلسي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 72
إفتراضي

أشكرك جدا جدا أخى محمد على ها النقل الثرى

اليكم بعض التعريفات التى و ضعها الدكتور عبدالوهاب المسيرى فى موسوعته الاكثر من رائعة وهى تكشف عمق فكرى غير عادى و اصالة بحثية متميزة


التحديث والحداثة وما بعد الحداثة

«التحديث والحداثة وما بعد الحداثة» هي مراحل ثلاثة في متتالية العلمانية. فالعلمانية ليست جوهراً ثابتاً يتبدَّى كله في عالم التاريخ دفعة واحدة وإنما هي متتالية تتحقق حلقاتها تدريجياً عَبْر الزمان، فمن عالم الاقتصاد إلى عالم السياسة إلى عالم الوجدان والأحلام ثم أخيراً عالم السلوك في الحياة العامة والخاصة. وحينما تسري قوانين العلمانية الشاملة على مجال من مجالات النشاط الإنساني، فإن هذا المجال ينفصل عن المعيارية والغائية الدينية والأخلاقية والإنسـانية فتختفي منه المرجعية الإنسانية ويصبـح مرجعية ذاته ويسـتمد معياريته من شيئيته. فتصبح المعايير في المجال الاقتصادي اقتصادية، وفي المجال السياسي سياسية، وفي المجال الجمالي جمالية، وهذا ما يُسمَّى «التحييد» الذي يتصاعد إلى أن يصبح العالم بأسره مجالات محايدة لا يربطها رابط وتختفي أية معيارية إنسانية عامة، وتتآكل كل القيم والمفاهيم الكلية وتسود النسبية التي تنكر على الإنسان المقدرة على تجاوز صيرورة عالم المادة والحركة فيسقط في قبضتها تماماً وتسقط فكرة الحقيقة والحق والخير والجمال والكل، بل فكرة الطبيعة (البشرية ثم المادية) (أي تسقط كل المنظومات المعرفية والأخلاقية والجمالية) فهي عملية تفكيك كاملة.

وهـذا الانتقـال من عالم متماسـك فيـه معيارية (حتى لو كانت مادية)، إلى عالم مفكَّك بلا معيارية، هو الانتقال من عصر التحديث (والحداثة) إلى عصر ما بعد الحداثة.

العلمانية الجزئية

«العلمانية الجزئية» هي رؤية جزئية للواقع تنطبق على عالم السياسة وربما على عالم الاقتصاد، وهو ما يُعبَّر عنه بفصل الكنيسة عن الدولة. والكنيسة هنا تعني «المؤسسات الكهنوتية»، أما الدولة فهي تعني «مؤسسات الدولة المختلفة». ويُوسِّع البعض هذا التعريف ليعني فصل الدين (والدين وحده) عن الدولة بمعنى الحياة العامة في بعض نواحيها. ونحن نُسمِّي هذه الصيغة «علمانية جزئية» لسببين:

1 ـ الدولة التي يشير لها التعريف هي دولة القرن التاسع عشر التي لم تكن قد تغوَّلت بعد ولم تكن قد طوَّرت مؤسساتها التربوية والأمنية المختلفة التي تُمكِّنها من محاصرة المواطن أينما كان، ولذا تركت له رقعة واسعة يتحرك فيها ويديرها حسب منظومته القيمية.

2 ـ تلزم العلمانية الجزئية الصمت تماماً بشأن المرجعية الأخلاقية والأبعاد الكلية والنهائية للمجتمع ولسلوك الفرد في حياته الخاصة وفي كثير من جوانب حياته العامة.

كل هذا يعني أن العلمانية الجزئية تترك حيزاً واسعاً للقيم الإنسانية والأخلاقية المطلقة، بل للقيم الدينية مادامت لا تتدخل في عالم السياسة (بالمعنى المحدد)، أي أنها صيغة لا تسقط في النسبية أو العدمية. وهذه الصيغة هي الشائعة بين عامة الناس في الشرق والغرب، بل بين الكثير من المفكرين العلمانيين. ويمكن تسميتها «العلمانية الأخلاقية أو الإنسانية» (وهناك بعض المفكرين الإسلاميين يرون أن هذه العلمانية الجزئية الأخلاقية لا تتناقض بأية حال مع المنظومة الدينية الإسلامية وأنهما يمكنهما التجاور والتعايش بل التكامل).

العلمانية الشاملة

«العلمانية الشاملة» التي يمكن أن نسميها أيضاً «العلمانية الطبيعية/المادية» أو «العلمانية العدمية» هي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتـم نزع القداسـة تماماً عن العالم (الإنسان والطبيعة). وهي شاملة، فهي تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، والإجراءات والمرجعية. والعالم، من منظور العلمانية الشاملة (شأنها في هذا شأن الحلولية الكمونية المادية)، مكتف بذاته وهو مرجعية ذاته، عالم متماسك بشكل عضوي لا تتخلله أية ثغرات ولا يعرف الانقطاع أو الثنائيات، خاضع لقوانين واحدة كامنة فيه، لا تُفرِّق بين الإنسان وغيره من الكائنات، فهو عالم يتسم بالواحدية المادية الصارمة (وهذه هي كلها صفات الطبيعة/المادة). والمبدأ الواحد كامن (حال) في العالم لا يتجاوزه ويُسمَّى «قانون الحركة» أو «القانون الطبيعي/المادي»، الأمر الذي يعني سيادة الواحدية المادية وأن كل الأمور، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، مادية نسبية متساوية لا قداسة لها، وأنه يمكن معرفة العالم بأسره (الإنسان والطبيعة) من خلال الحواس الخمس. والعلمانية الشاملة بطبيعة الحال لا تؤمن بأية مطلقات أو كليات، ولعل المنظومة الداروينية الصراعية هي أكثر المنظومات اقتراباً من نموذج العلمانية الشاملة.

المطلق العلماني

«المطلق» هو المركز الذي يتجاوز كل الأجزاء ولا يتجاوزه شيء وهو المبدأ الواحد والركيزة أو المرجعية النهائية. والأنساق الفكرية العلمانية الشاملة قد تنكر أية نقطة مرجعية متجاوزة لهذه الدنيا، إلا أنها تستند إلى ركيزة أساسية ومرجعية نهائية كامنة في المادة (الطبيعة أو الإنسان أو التاريخ)، ولذا فهي مرجعية نهائية مادية تشكل مطلق هذا النموذج، فهي من ثم «مطلق علماني». وهذا المطلق يمكن أن يتخذ عدة أسماء ويتبدَّى من خلال عدة أشكال (اليد الخفية وآليات السوق عند آدم سميث ـ وسائل الإنتاج عند ماركس ـ الجنس عند فرويد ـ الروح المطلقة عند هيجل ـ قانون البقاء عند داروين ـ إرادة القوة عند نيتشه ـ التقدم اللانهائي في الحضارة العلمانية ـ عبء الرجل الأبيض في التشكيل الاستعماري الغربي ـ روح التاريخ عند الهيجليين). وكل هذه المفاهيم إن هي إلا تنويع سطحي على مفهوم الطبيعة/المادة.

وقد بدأت المنظومة العلمانية بأن جعلت الإنسان المطلق العلماني. ولكن مركز المطلقية انتقل، وبالتدريج، إلى عالم الأشـياء (الطبيعة/المادة ـ الدولة ـ السـلعة ـ وسـائل الإنتاج... إلـخ). ومن ثم أصبحت كل الأمور، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، طبيعية/مادية لا قداسة لها، وابتلعت الواحدية المادية الإنسان تماماً.

التفكيك والتركيب

عبارة «فكّ الشيء» تعني «فَصَّله وفرَّق أجزاءه بعضها عن بعض» وعكسها «ركَّب الشيء» أي «جَعَل بعضه فوق بعض» و«ضمه إلى غيره». والإدراك يكون حسب نموذج تتم على أساسه عملية استبعاد واستبقاء، أي عملية تجريد. وهذه العملية تتم من خلال عملية تفكيك وتركيب، فيقوم العقل بفصل أجزاء ظاهرة معيَّنة بعضها عن بعض ويُبقي بعضها ثم يعيد تركيبها على أُسس جديدة، أي أن التجريد والتفسير هما في جوهرهما عملية تفكيك وتركيب.

ونستخدم أحياناً كلمة «يفكِّك» بمعنى «يرد ما هو إنساني إلى ما هو دون الإنساني»، أي «المادي/الطبيعي» باعتبار أن الإنسان في منظور البعض إن هو إلا مادة. وعملية التفكيك هنا هي أيضاً عملية «تقويض»، إذ أن الإنسان حينما يُردُّ إلى ما هو مادي، فإنه يتم بذلك تقويض إنسانيته، إذ يصبح مادة لا قداسة فيها ولا خصوصية لها. وعملية التفكيك هذه لا تتبعها أية عملية «تركيب»، وهذا ما قامت به العلمانية الشاملة حينما قامت بتفسير الإنسان في كليته على أُسس مادية (اقتصادية أو جنسية). وهذا مايفعله أيضاً أتباع المدرسة التفكيكية.
الرد مع إقتباس