عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 28-08-2007, 06:26 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ماذا حقق الغرب (أمريكا) من مشاريع ؟


في الأحداث الحادة والدقيقة، سواء كانت مهمة جدا أو متوسطة الأهمية، تكون الأجزاء القريبة من نهاية الحدث أكثر أهمية من مسار الحدث بكامله، وتبرز أهمية تلك الأجزاء الأخيرة عندما تكون النتائج غير محسومة بوقت مبكر. كما يحدث في العمليات الجراحية الخطرة، فإن اللحظات الأخيرة التي يخرج بها الجراح من ردهة العمليات هي التي تحسم الوضع النهائي لحالة المريض ـ ولو بشكل مؤقت ـ . ولكن في حالات عندما يكون مرشح انتخابي قد تفوق بشكل واضح على من يليه بآلاف الأصوات، فإن فرز الأصوات في آخر صندوق لا يوقف احتفالية أنصار المرشح الفائز بوضوح قبل إعلان النتيجة. وفي حالات أخرى يعيش فريقا كرة قدم متعادلين طيلة المباراة النهائية، هم ومن يقف ورائهم من جماهير على أعصابهم حتى يتم إطلاق صفارة حكم المباراة معلنا نهايتها ..

في حالة الإمبريالية الغربية وطليعتها الولايات المتحدة، استطاع القائمون على تلك السياسات في الربع الأخير من القرن العشرين أن يجبروا كل أبناء العالم على الاعتراف بانتصارهم على بقية الأطراف الأخرى في العالم والتي كانت لا تتمنى لهم الانتصار .. وهذا شجعهم أن يعلنوا نتائجهم بكل فجاجة ووقاحة لا تتناسب مع النبل الزائف الذي كانوا يغطون به خطابهم السياسي.. وما أن أحسوا باعتراف العالم بانتصارهم، حتى تخلوا بسرعة مذهلة عن الغلاف الأخلاقي المتمثل بحقوق الإنسان والحريات العامة والرفاهية الخ ..

لقد كان لمنطقتنا العربية وشعوبها النصيب الأكبر في وضوح حالة التغير التي كانت تعتبر كمؤشر لعلامات الانتصار والانكسار لصراعات القوى الكبرى في العالم، للمزايا الجغرافية والاقتصادية التي هي عليها منطقتنا والتي مررنا عليها، وقد يكون من المفيد التذكير بما حققته الإمبريالية الغربية وطليعتها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقتنا من أهداف تتناسب مع ما أدرجناه ، كانت في مرحلة النوايا والإزماع والتنفيذ ، لنتمكن بعدها من ربط موضوعنا (الربح والخسارة في السياسة الأمريكية في المنطقة) :


1ـ تم النجاح في زراعة الكيان الصهيوني، وانتزاع اعتراف دولي في شرعيته في منتصف القرن الماضي، وتهيئة قبول عربي رسمي للتعايش مع هذا الكيان بعد نكسة 1967 وما تلاها من مشاريع (روجرز، جوزيف سيسكو، قرار 242 وقرار 338 وقرار 425) .. واتفاقية كامب ديفيد و مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو ووادي عربة وإطلاق مبادرة عربية في مؤتمر القمة ببيروت تفصح عن رغبة عربية رسمية باعتبار السلام مع الكيان الصهيوني خيار استراتيجي!

2ـ تم تصليب وضع الدولة القطرية، وما تبعه من قبول ضمني لاتفاقية سايكس ـ بيكو، باعتبارها أساس لأخلاقيات السلوك فيما بين الأقطار العربية المتخاصمة وقت الخصام ـ وما أكثره ـ حتى ظهر على هامش تلك القطرية، نخب حكومية وصحافية وإعلامية وحزبية وتقنية تفلسف الحالة القطرية وتدافع عنها ..

3ـ خلخلة القناعات بإمكانية تصعيد التنسيق بين الدول العربية كدول (حتى متجاورة ومتحاذية) دون اعتبار للقرابة ووحدة المرجعية، وذلك من خلال التدخل بشؤون تلك الدول بفرض قناعات تتبناها الدول في اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب أو الوزراء المختصون( داخلية، دفاع، مالية، اقتصاد الخ) وحتى مؤتمرات القمة، حتى غدت تلك الاجتماعات في حالة لا ينظر إليها المواطن العربي أي نظرة جدية تحمل أي جنس من الآمال .. وكأن هذا النهج تم توظيفه لإجبار المواطن العربي على الإقلاع عن التفكير الحالم بوحدته. وقد دعم هذا النهج نماذج كثيرة للتنسيق أو التوحد من وحدة اندماجية (مصر ـ سوريا) أو مجالس تنسيق ذات أسماء رنانة دون فعل (جبهة الصمود والتصدي، اتحاد ليبيا مع أي دولة عربية، اتحاد مصر العراق الأردن اليمن، اتحاد دول المغرب العربي، مجلس التعاون الخليجي الخ ) ..

4ـ إجبار العرب (رسميا) على التخلي عن بعضهم البعض في حالات الأزمات، حيث كانت حرب 1973 آخر الأشكال التي كان فيها العرب (رسميا) في حالة تعاون وتنسيق واشتراك، ورأينا كيف أن كثير من الدول أسهمت في شكل عسكري، وقسم منها تعاون في استخدام النفط كسلاح ..وبعدها وقف العرب يتفرجون على اجتياح الكيان الصهيوني للبنان .. وانقسموا الى قسمين فيما بعد بحروب الخليج الأولى والثانية، واختفوا نهائيا في غزو الأمريكان للعراق، هذا إذا أردنا أن ننصفهم ولا نقول أنهم قدموا أجوائهم ومياههم وأراضيهم خدمة لهذا الغزو ..

5ـ تم طي فكرة العمل القومي والثقافة القومية التي ازدهرت في الربع الثالث من القرن العشرين، ليظهر مكانها ثقافة لا شكل واضح لها، وكأنها كانت تنتظر أو تتمنى أو تعمل لإفشال المحاولات القومية التي لم يزد عمرها عن عقدين أو ثلاثة، ليحل محلها ثقافة تبدو بشكلها الخارجي أنها تنتمي لخط واحد، ولكن من يتفحصها سيجدها ثقافة وخطاب فضفاض يصلح أن يكون حاضنة وبيئة لتذكية الفتن الطائفية والعرقية ويسهل من خلاله دخول عناصر مشبوهة تستغل الاحتقانات الجماهيرية لتوظف الكثير من الشباب المحتقن و (النظيف) لخدمة أهداف قذرة جدا ( حالة العراق وضرب الطوائف وأبناء الديانات غير الإسلامية، وحالة لبنان، والى حد ما السودان) .. وبالمقابل، تسلك قيادات تلك الفئات سلوكا (ذرائعيا) مقيتا (تعاون مع الاحتلال الأمريكي في العراق، إعلان قيادات مقيمة في بريطانيا للتدخل في قلب نظام الحكم في سوريا) ..

6ـ هدر أموال الأمة على مشاريع (ترابية) أو عقارية، وتقطيع تواصل النمو بحيث بدت الأقطار العربية وكأنها في سباق مع التخلف، وكثير من المرات سجلت على التخلف انتصارا، فيما بدا الشكل الظاهري وكأنها في درجات تقدم هائلة بالعمران والتعليم والصحة والتجارة، فكانت تلك الصورة المخلخلة لا تقنع فقراء الأمة بأن هناك تقدم ما في أي مجال، وتقنع حكام الأمة بأن طفرات تقدمية قد حدثت، واستخدم منظرو الحكم وإعلاميوه أساليب المقارنة موازين لإقناع الجمهور في ذلك التقدم، فبين مقارنة بالعهود السابقة للحكم، الى مقارنة بين تلك الدول مع دول فقيرة منتقاة في العالم مثل موزنبيق أو بوركينافاسو أو توجو، وقد أسعف الحكام العرب الاختلال الذي حدث في بعض الأقطار العربية، فأصبح الأمن مع الفقر والجهل نعمة، مقارنة مع مثيلاته دون أمن، وأصبح أن تلقى شربة ماء دون لقمة أفضل من أن لا تلقاها مع غياب اللقمة، وأصبحت مصطلحات مثل (أقل سوءا وأقل خطورة) أكثر انتشارا من (أحسن وأكثر استقرارا)

سيقول قائل: إن هذا الكلام معروف ولا جديد به، ونقول نعم وكونه أصبح معروفا لدى الجميع من أبناء الأمة فهو بالتأكيد معروف عند من سبب ويسبب هذه الظروف من أعداء الأمة، وكونه كذلك، فإنه أصبح بمثابة (المسَلَمات) لانطلاقة جديدة في تطوير الإيذاء للأمة ..

في أول اجتماع له مع إدارته، استمع (بوش الابن) لآراء من مختلف أعضاء طاقمه الذي كان يتهيأ لانطلاقة جديدة منذ عدة عقود، ابتدأت منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي كان من بينها:

1ـ إننا وبعد غياب الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، علينا أن نتصرف باسم الولايات المتحدة كرئيس لمجلس إدارة العالم، ولن نكتفي بأن يكون صوت الرئيس مرجحا في حالة تعادل الأصوات في المجلس، بل أن يكون صوت الرئيس هو المرجح بحالة معارضة الجميع!

2ـ لقد حدد بعض المجتمعين الفترة التي تنفرد بها الولايات المتحدة بكونها القطب الأوحد في العالم بستة الى عشر سنوات، فاقترح أن تضع الولايات المتحدة يدها على كل منابع النفط في العالم، وتعمل من أجل فرضه كواقع تفاوض به الكل من أبناء العالم من أجل إطالة تفردها بالسيادة على العالم وتكريس القرن الحادي والعشرين باعتباره (القرن الأمريكي)

3ـ أعلن المجتمعون التفاف واستعداد مجموعة من الدول حول الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ينظر لتلك الدول سيجد أنها التفت حولها باعتبارها كيان حديث التكوين بقياسات القراءات التاريخية (عمره خمسة قرون) وكذلك الحال مع أستراليا والكيان الصهيوني وهما كيانان يلتقيان مع الولايات المتحدة بكونهما كيانات ألغت سلطة الشعوب الأصلية للبلاد. كما التفت حولها بريطانيا التي كانت عمليا الأم الشرعية لتلك الكيانات الثلاثة والتي تطمح بترميم عاداتها الاستعمارية القديمة، كما التف حولها أي حاقد قديم أو طامح غشيم يفتتن بثروة هؤلاء كافتتان هواة المهربين بأغنياء المخدرات، وهذا ينطبق على الدول التي خرجت من عباءة الشيوعية الممزقة (تشيكيا، بلغاريا، أوكرانيا الخ) ..وهذا ما حدث باصطفاف كل تلك الدول بالعدوان على العراق..

4ـ إن الطاقم (الليكودي) في الإدارة الأمريكية لن ينسى مصالح الكيان الصهيوني، فأراد أن يهيئ لتثبيت مصالحه في المنطقة بالإمعان بتقسيم المنطقة لكيانات تزيد عن الخمسين كيانا، فأدخل بكل الخطط ما يخدم تلك النقطة، ولن ينسى المس بمقومات الهوية العربية والإسلامية فهيأ ما هيأ وفق طرق معقدة، لأحداث (11/9/2001) .. والتي لم تسعف أجهزة الاستخبارات والإعلام الغربية أن تجعل تلك الأحداث كما تم إخراجها بأنها (غزوة إسلامية!) .. فبقيت ألغازها وراء صنع مسوغات للتحرك بمنطقية هجومية على المنطقة، وقد بقيت فكرة ربط القاعدة بالعراق ونظامه الوطني من أضعف حلقات التهويش والبروباجندا الإعلاميين!
__________________
ابن حوران