عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 10-09-2005, 05:52 AM
صلاح الدين القاسمي صلاح الدين القاسمي غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: افريقية - TUNISIA
المشاركات: 2,158
Post أهداف جورج بوش الحقيقية ( 3)

وبمجرد نشره أثار تقرير تشيني نوعين من الجدل. اولاً لأنه يشير الى زرع محطات تنقيب في حقول الألسكا الوطنية، إنما أيضاً لأن واضعيه كانوا على علاقة مسبقة بشركة “أنرون” المفلسة حالياً. وهذا الجدل ساهم في التعتيم على وجوه أخرى في التقرير وخصوصاً تلك المتعلقة بما تدعو اليه سياسة الطاقة الجديدة هذه من تدخلات فعلية على الصعيد الدولي، والتي لا تظهر بوضوح الا في الفصل الأخير (“تعزيز التحالفات الدولية”) حيث يقترح العمل على تدارك الحاجة الوشيكة للنفط عبر زيادة عمليات استيراده.

وبحسب التقرير أن الارتهان الأميركي للسوق النفطية الخارجية لمجمل الحاجة الاستهلاكية يجب ان يرتفع من 52 في المئة عام 2001 الى 66 في المئة عام 2020 (٤) كما ان الاستهلاك الاجمالي سيزداد هو بدوره مما سيحتم على الولايات المتحدة أن تستورد 60 في المئة من النفط في العام 2020 زيادة عما تستورده اليوم ليرتفع بذلك من 10.4 ملايين برميل يومياً الى حوالى 16.7 مليون برميل (٥).
والوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك تقوم على اقناع الموردين الأجانب بزيادة انتاجهم وأن يبيعوا أكثر من الولايات المتحدة.


غير ان معظم الدول المصدرة لا تملك الموارد المالية اللازمة لتطوير بنياتها النفطية التحتية، أو أنها ترفض السماح لزبائن أميركيين بالتحكم بإنتاجها في مجال الطاقة. وبناء عليه فإن التقرير الذي يعي هذا الأمر ينصح البيت الأبيض بأن يجعل من زيادة الواردات النفطية "اولوية في سياستنا التجارية والخارجية” (٦). ومن أجل تلبية حاجات البلاد ينصح التقرير الادارة بنوع خاص أن تركز على هدفين.

يقوم الهدف الأول على زيادة الواردات من دول الخليج العربي ــ الفارسي التي تملك حوالى ثلثي الاحتياط النفطي العالمي. وبما أن ما من منطقة أخرى في العالم تستطيع أن تزيد انتاجها بهذه السرعة ينصح التقرير ببذل جهود ديبلوماسية ناشطة ترمي الى إقناع السعودية وجيرانها بالسماح لشركات أميركية بأن تتولى ادارة الأعمال المهمة من أجل تحديث بناها التحتية.

أما الهدف الثاني فالغاية منه "تنويع" الواردات الأميركية جغرافياً وذلك بغية الحد من الانعكاسات الاقتصادية لأي انتفاضات مفاجئة في مناطق معروفة بعدم الاستقرار الدائم. فالتقرير يوضح أن "تركيز الانتاج النفطي في منطقة واحدة من العالم قد يساهم في عدم استقرار السوق”. وفي النتيجة "أن تنويع مصادر التزود بالنفط هو ذو مرتبة أولى في الأهمية” (٧). ولتنفيذ هذه السياسة يقترح التقرير تعاوناً وثيقاً مع الشركات الأميركية في مجال الطاقة يكون الهدف منه زيادة الواردات من حوض بحر قزوين (وفي نوع خاص من أذربيجان وكازاقستان) ومن الصحراء الافريقية (أنغولا ونيجيريا) ومن أميركا اللاتينية (كولومبيا والمكسيك وفنزويلا).

غير أن تقرير تشيني ينسى أن يحدد ما يفترض بأي قارئ على حد أدنى من الاطلاع أن يستنتجه، وهو أن جميع المناطق المشار اليها كمصادر ممكنة للنفط هي مناطق غير مستقرة أو أنها تكنّ مشاعر قوية معادية لأميركا، إن لم يكن الاثنتين معاً. وإذا كان صحيحاً أن قسماً من النخبة في هذه المناطق يؤيد ربما تطوير التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة فإن فرقاء آخرين من شعوبها ترفض في الغالب هذه الفكرة اما لدوافع وطنية واما لأسباب اقتصادية أو إيديولوجية. وهكذا فإن المحاولات الأميركية الهادفة الى شراء مزيد من البترول من هذه الدول قد تواجه بقوة بمختلف أشكال المقاومة التي يمكن أن تصل الى حد اللجوء الى الارهاب أو الى مختلف أنواع العنف. ولذلك فإن التقرير ينبه الى انعكاسات ذات طابع أمني لها أهميتها القصوى في اطار الاستراتيجيا الأميركية الدولية.

وهنا بالضبط ينكشف التوازي البديهي بين الاستراتيجيا العسكرية وسياسة إدارة بوش في مجال الطاقة. ففي الواقع ان سياسة الطاقة الهادفة الى السماح للولايات المتحدة بالوصول الى الاحتياطات النفطية الواقعة في مناطق عدم استقرار دائم لا يمكن أن تكون واقعية الا بمقدار ما تكون الولايات المتحدة قادرة على إيصال قواتها العسكرية الى هذه المناطق. وسواء أكان المسؤولون السياسيون قد توصلوا الى هذا الاستنتاج أم لا فإن ما لا شك فيه أبداً هو أن القيادات العسكرية العليا قد استنتجته من جهتها.

فوزارة الدفاع تعترف في التقرير الصادر في أيلول/سبتمبر عام 2001 في المجلة العسكرية Quadrennial Defense Review بأن "الولايات المتحدة وحلفاءها سيبقون مرتهنين في مصادر الطاقة للشرق الأوسط" (٨) وأن هذا المصدر قد يتعطل بفعل مختلف الوسائل العسكرية. وتصف مجلة (QDR) هذه آنذاك أنواع الأسلحة والقوات التي ستحتاجها الولايات المتحدة لمواجهة هذه الأخطار، وتحديداً تلك التي عدّدها بوش في التصريحات الواردة آنفاً. ويخلص التقرير الى أن الاستراتيجيا العسكرية الأميركية "تعتمد على قدرة القوات الأميركية على ارسال قواتها الى العالم أجمع” (٩).

والأولوية الثالثة بالنسبة الى إدارة بوش هي الحرب على الارهاب التي أعلنها الرئيس في خطابه أمام الكونغرس في 20 أيلول/سبتمبر عام 2001، أي بعد تسعة أيام من اعتداءات نيويورك وواشنطن. وهذه الحرب لن تكون محدودة بسلسلة ضربات تأديبية أو بمعركة ضخمة بل تستدعي "حملة مفتوحة" تمتد الى مسارح عمليات متعددة الى أن يتم "اكتشاف كل مجموعة ارهابية ذات بعد عالمي ووقف نشاطها وتدميرها”. وفي ما بعد وسّع الرئيس بوش دائرة حربه على الارهاب في اتجاه إيران والعراق اللذين يمثلان خطراً بسبب عزمهما على تطوير أسلحة نووية وكيميائية وجرثومية.

إن استراتيجيا من هذا النوع تفرض بذل نوعين من الجهود، أولهما على مستوى المخابرات وذلك بغية اكتشاف الشبكات الارهابية وتعطيلها، والثاني على المستوى العسكري بغية تدمير بؤر الارهابيين ومعاقبة الدول التي تحميهم. وإذا ما بدا هذان العملان حيويين فإن الجانب العسكري منهما هو لفت اهتمام القادة أكثر من غيره. والحال أن هذا الجانب يلتقي بالتحديد تماماً مع الأولويتين الأخريين للادارة.

وهكذا فإن الطريقة التي خيضت بها حرب أفغانستان هي خير دليل على القدرة على "إنزال القوة" التي تحدث عنها الرئيس بوش في خطابه في سيتاديل في العام 1999. فقبل بدء الحملة نقلت الولايات المتحدة جواً كميات من الاسلحة والتجهيزات الى الدول الحليفة لها ونشرت اسطولاً هائلاً في بحر العرب. وقد خيضت الحرب البرية بواسطة قوات مشاة قليلة تساندها قاذفات واسعة المدى مجهزة بأسلحة توجه عن بعد بالغة الدقة. وقد تم التشديد على قدرة القوات البرية على المناورة وعلى استخدام أجهزة مراقبة عالية التقنية تسمح بتحديد موقع العدو سواء نهاراً ام ليلاً.


**-**
يتبع بإذن الله تعالى .