عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 08-11-2004, 03:16 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
Arrow اغتيال الخير باسم الأمن


اغتيال المؤسسات الخيرية
إبراهيم بن عبد الله الدويش

الحمد لله ذي القوة المتين، ناصر المظلومين، ومجيب دعوة المضطرين، ومغيث المستغيثين، فارج الهم، وكاشف الكرب، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وخلفائه الراشدين، ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين .أما بعد: عباد الله! اتقوا الله واحذروا الإغراق في الدنيا، وتنبهوا لما يكاد لكم ولدينكم، فإن آثار وتداعيات مسرحية الحادي عشر من سبتمبر تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، وتتكشف كثير من أهدافها، وما زال العالم الإسلامي يصطلي بنار المكر الصهيوني الغربي وأذنابهم من المنافقين والمتغربين، وخاصة البلاد العربية، وبالأخص هذه البلاد المباركة، قلب الإسلام النابض ونبعه الفياض، فهم يدركون جيدًا معنى كونها بلاد الحرمين ومهبط الوحي، ويعلمون تمامًا أثر أهل هذه البلاد وعطاء اتهم الخيرة المستمرة، وبذلهم الذي لا ينقطع من أجل هذا الدين، ولذا فلا غرابة أن تتوجه سهامهم وتصوَّب -وبقوة- لكل منابع الدين فيها، بدءًا بأنظمتها التعليمية، ومناهجها الدراسية، ومنابرها الدعوية، ومحاضنها التربوية، ومؤسساتها الخيرية، وهذه الأخيرة أعني الجمعيات والمؤسسات الخيرية، تشهد هذه الأيام منعطفًا مصيريًّا وحاسمًا في تاريخها، قد لا يدرك أبعاد هذا الخطر الداهم الكثير من عامة الناس بل حتى من خواصهم، ونظرًا لخطورة الأمر، وأداءً للأمانة التي حمَّلها الله أهل العلم من البلاغ والنصح وبيان الحق للناس – ولأن محاصرة العمل الخيري في الخارج وتحجيمه وتجفيف منابعه الأصيلة يعد كارثة في حق الشعوب المنكوبة والمستضعفة والفقيرة والمحتاجة في العالم كله - كان هذا البيان، الذي أسأل الله فيه السداد والتوفيق، والإخلاص والصواب .إخوة الإيمان! إن العمل الخيري عبادة وجزء من عقيدة الأمة، ولا يمكن للأفراد أو الأمم أو المؤسسات أو الدول تهميش هذا العمل الجليل أو التخلي عنه، فالمسلم كما أنه مطالب بالركوع والسجود والعبادة، فهو مطالب بفعل الخير، والتعاون على كل بر وفضيلة، تؤكد هذا الكثير من النصوص الشرعية، بل إن فعل الخير ورد بسياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله، كما في يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُواقوله تعالى: ،وجاهدوا.. ثم قال: رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْكما أمر سبحانه بالدعوة إلى فعل الخيرات إضافة إلى فعله: أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ، وربط سبحانه بين أداء الصلاة حقاًالْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ لله، وإطعام المساكين حقاً للضعفاء فقال :{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } [المدثر:42-44]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)) (1) وفي لفظ: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) (2) سبحان الله! وهل بقي للمنكوبين والمستضعفين - بعد الله - سوى هذه المؤسسات الأهلية والتي تبذل الكثير لمحاولة تخفيف بؤسهم ومعاناتهم، رغم ضعف إمكاناتها ومواردها، إن الجميع يدرك أن من أهم مقومات نجاح هذه الجمعيات والمؤسسات أنها مؤسسات أهلية شعبية، قامت على أكتاف أمثالكم ممن يؤثرون إخوانهم على أنفسهم، وممن يقتطعون من رواتبهم وقوت أولادهم من أجل الضعفاء والمنكوبين، تقوم هذه المؤسسات بجمع الريال على الريال من عرق جبينكم؛ لتكون الشريان الذي يمتد لإخوانكم، والله يرى ويطلع ويعلم حالكم، يعلم أن هذا هو الطريق الوحيد الذي بأيديكم لنصرة المنكوبين والمستضعفين، ومد يد العون لهم، وكأني بكم -إخوة الإيمان- ولسان حالكم يقول: وهل من عمل صالح نرجوه، وتقوم الحجة لنا فيه أمام ربنا تجاه إخواننا سوى هذا الشريان؟! ولكأني بلسان حالكم يقول: إننا نظن أنه السبب الأكبر في حفظ الله لنا ولبلادنا، وأمننا وأرزاقنا، فليس بيننا وبين ربنا نسب ليخصنا بالأمن والنعم، إنما نحسب أنه ببذلنا ونصرتنا للضعفاء والأيتام، ففي البخاري قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)). وفي رواية عند النسائي قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ)). فكأني بكم أيها المؤمنون ترددون: إن حفظ الله لنا بعطائنا لبناء المساجد والمدارس، إن حفظ الله لنا بكفالة اليتيم، وإطعام الفقير والمسكين، إن حفظ الله لنا إنما هو بطباعة المصحف وكتب التفسير والتوحيد ! فقاتل الله الصهيونية وأعداء الإسلام، عجباً! حتى هذا الطريق لن يدعوه لنا، أيعقل أننا لن نستطيع حتى أن نمد أيدينا لإخواننا، أو حتى أن نمسح دمعة أيتامنا؟! أيمكن أن يُتسلط حتى على كسرة الخبز التي تمدها الشعوب بعضها لبعض؟ يا الله أي شيء يبقى لنا، لقد أغلقوا باب الجهاد وشوهوه، ووقفوا بباب الدعوة وحاصروه، وهاجموا باب الفضيلة وخرقوه، وها قد جاء الدور على العمل الطوعي الشعبي ليغتالوه، وهنا أسئلة وعلامات تعجبٍ تدور حول بعضها:لماذا تحجيم العمل الخيري؟ ولماذا تجهض المؤسسات الأهلية بهذا الشكل؟ ومن أجل مصلحة من؟ أحقًّا أن هذا كله باسم محاربة الإرهاب؟ أو بسبب الضغط الخارجي والغربي كما يقال؟! أم أن هناك من يحاول الصيد في الماء العكر، ويسعى لاستغلال الأوضاع والفرص لأفكاره ومصالحه؟! أم هو تقويض لدور المصلحين والعاملين؟ هل هناك أيدٍ خفية، تحاول لسبب أو لآخر قطع هذا الشريان، أو تحجيمه، باسم تطويره وتنظيمه؟! ولا أظن عاقلاً يعترض على التنظيم، أو الإشراف أو حتى المراقبة القانونية والمالية، وبكل أنواعها دولية أو محلية، فالمؤسسات معروفة، والعاملون فيها ثقات معروفون، والعمل فيها يجري تحت ضوء الشمس ليس عندها ما تخفيه، وهو كغيره من الأعمال عرضة للخطأ، والنقص والقصور، ومن أخطأ يحاسب بل ويعاقب، والعمل الخيري خاصة في هذه البلاد عمل مشاهد ومحسوس تحكيه الأرقام والتقارير، ويشهد به الواقع، وليس راءٍ كمن سمع، ودعمه متواصل بفضل الله ثم بفضل هذه البلاد قيادة وشعبًا، فأينما حلت الكوارث، وأينما نزلت النكبات والأزمات، تجد المؤسسات الإسلامية الخيرية هناك حاضرة بإمكانياتها المباركة، وهي في غالب الأحيان تطعم بلا إحصاء، وتعطي بلا عدد، حيث إن لغة الأرقام لم تدخل عالم المؤسسات الخيرية الإسلامية إلا بشكل متأخر، ومع ذلك فإليكم هذه الأرقام على سبيل المثال:لقد بلغ عدد المغاثين من قبل بعض المؤسسات الخيرية في الخمس سنوات الأخيرة حتى عام اثنين وعشرين بعد ألف وأربع مئة (1422هـ) أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون محتاج، بلغت تكاليفها ما يقارب مئتين وخمسًا وثمانين (285) مليون دولار. وهناك بعض المؤسسات تحصي إغاثتها بالأطنان فيصعب تقدير التكاليف، كما أن نقل الإغاثة للمحتاجين وفي أغلب البلدان يكلف أكثر من الإغاثة نفسها .وأما مداواة المرضى فقد بلغ إجمالي المخيمات الطبية التي أقامتها بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في شتى أصقاع العالم أكثر من خمس مئة مخيم طبي في أفريقيا وآسيا وأوربا بلغت تكاليفها أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، وذلك لمعالجة كافة الأمراض الفتاكة وغير الفتاكة، هذا غير المستشفيات الميدانية التي تقام في ساعات الكوارث والحروب، وغير ما ينفق في تشغيل وصيانة هذه المرافق الصحية الحيوية. وهناك مؤسسات خيرية إسلامية متخصصة قلما يوجد لها مثيل حتى في النمط الغربي للعمل الخيري ومنها: مؤسسة البصر الخيرية العالمية والتي تعنى بالذين حرموا نعمة الرؤية، وأظلمت الدنيا في وجوههم فامتدت إليهم الأيادي الرحيمة من هذه المؤسسة، فكان بفضل الله ثم بجهودها الخيرية خلال ثلاثة عشر عامًا أن أقامت أربع مئة وسبعة وأربعين (447) مخيمًا لعلاج البصر، وأكثر من مليون وخمسمائة ألف عيادة، شملت ثماني وثلاثين (38) دولة من قارتي آسيا وأفريقيا.وأما إنشاء المساجد فقد تم في بقاع إسلامية كثيرة، ما يزيد عن مئة وسبعة وعشرين (127) ألف مسجدٍ قدرت تكاليفها بما يقارب مئة وستة وعشرين (126) مليون دولار. وأما التعليم فيشكل أولوية مشهودة في العمل الخيري ليقين القائمين عليه أن الجهل هو عدو البشرية الأول، فعلى سبيل المثال، فإن مصروفات تسع مؤسسات كبيرة لها وجود فعلي دولي خلال فترات متفاوتة قد أنشأت تقريبًا ثلاثة آلاف وثلاث مئة وستة وستين (3366)مشروعًا تعليميًّا تكاليفها فاقت مئة وثلاثةً وثلاثين (133) مليون دولار، وقدمت أكثر من مئة واثنتين وعشرين(122)ألف منحة دراسية، زادت تكاليفها عن خمسة وأربعين (45) مليون دولار، وصرفت إعانات لأكثر من خمس مئة واثنين وستين (562) ألف طالب، وبلغت نفقاتهم أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، علمًا أن هذه المصروفات لا تشمل نفقات التشغيل لتلك المدارس وتسيير أعمالها، ولا مرافق التعليم التابعة للمساجد، وأيضًا هذه المؤسسات الخيرية لا تقوم فقط بوضع البنى التحتية للمرافق التعليمية، بل تنفق عليها النفقات التشغيلية كليًّا أو جزئيًّا، وتوفر المباني والمعلمين والوسائل الحديثة والكتب الجيدة، علاوة على الرعاية الصحية للطلاب والعاملين في حقل التعليم . وهناك جمعيات خيرية برزت بأعمال اجتماعية واقتصادية، ومشاريع تعنى بالمرأة والطفولة والشباب، كل ذلك من أجل رفع المستوى التعليمي والثقافي للمنكوبين والمحتاجين في العالم، إضافة إلى توفير الكتب والنشرات والمطبوعات والأشرطة التي يصعب حصرها كجهود جماعية للمؤسسات .وأما الآبار وتوفير مياه الشرب، خاصة في أفريقيا، وبعض دول آسيا، فهناك تكون معاناة الإنسان والحيوان مع الماء، ليس فقط لسد الرمق وإبعاد شبح الموت ولكن لشؤون الحياة كلها، فأينما انعدمت المياه انعدمت الحياة، وقد بلغت الأموال التي صرفت على حفر الآبار وتوفير مياه الشرب من قبل بعض المؤسسات الخيرية ما يزيد على ستة وثلاثين (36) مليون دولار، وبلغت أعداد الآبار ومشاريع المياه ما يقرب من ثمانية آلاف بئر.وأما مراكز الخدمات الاجتماعية، والتأهيل والتدريب المهني وغيرها، فقد بلغت ما يقارب ألفي مركز، بأكثر من ثلاثة وستين(63) مليون دولار.
وأما كفالة الأيتام: فقد ساهمت بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في هذا البرنامج بما فاق تسعة وأربعين(49) مليون دولار على أكثر من مئة ألف يتيم. إلى آخر لغة الأرقام الطويلة والتي هي على سبيل المثال لا الإحصاء والحصر، إنما الهدف من ذكرها إبراز حجم المعاناة الإنسانية في حال غياب تلك المؤسسات الخيرية الإسلامية، أتصدقون - إخوة الإيمان - أنه في أيام عيد الأضحى الماضي تم تسريح حوالي ألفين وست مئة يتيم في إحدى المدن الصومالية وقد كانت تكفلهم إحدى المؤسسات الخيرية في هذه البلاد، وبعد إغلاق مكتبها أصبح هؤلاء الأيتام في الشوارع يهيمون على وجوههم بدون مأوى ولا طعام ولا لباس، حتى بكتهم كثير من الأقلام الغربية، وتعاطفت معهم الصحف العالمية، حيث تم نشر أكثر من اثني عشر مقالاً عنهم في كل من أمريكا وبريطانيا واستراليا، كلها تتألم وتتحسر على تسريح هؤلاء الأيتام بهذا الشكل المخزي والغير إنساني .
__________________
معين بن محمد