عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 18-06-2007, 01:10 PM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي "إمارة غزة الإسلامية" تأكيدٌ لواقع تاريخي / مقال رائع


"إمارة غزة الإسلامية" تأكيدٌ لواقع تاريخي / مقال رائع

--------------------------------------------------------------------------------
ياسر أبو هلالة / صحيفة الغد الأردنية

حدث ما كان متوقعا وربما مخططا له. فالحصار والدمار الذي واجهته حكومة حماس جعلها بين خيارين: الاستسلام أو المواجهة. وها هي تختار الثانية. كان بإمكان العالم أن يتعامل مع أكثر الشخصيات الفلسطينية شعبية اسماعيل هنية بكل ما عرف عنه من سماحة ولين ونزاهة لكنه أقصاه ليجد نفسه وجها لوجه مع مقاتلي كتائب القسام الأشداء الغلاظ طلاب الموت لا طلاب الحكم.
ما يجري في غزة هو نتيجة طبيعية لتدمير القيادة السياسية لحماس. وهو ما راهنت عليه إسرائيل وحلفاؤها. فتلك القيادة لم يعد لها حضور بعد الحصار المدمر الذي ضرب عليها وعلى الشعب الفلسطيني، لم يكن إسماعيل هنية، رئيس الوزراء المنتخب في أنزه انتخابات عرفها العرب في تاريخهم، معترفا به عند "العالم" ولا عند "الأجهزة الأمنية"، وتحت بصر "العالم" (معنى العالم هنا أكثرية المعمورة الخاضعة لنفوذ وزيرة الخارجية الأميركية) تم معاقبة شعب كامل بذنب انتخاب مرشحي حماس.
لم يكتف بالحصار واختطاف وزراء الحكومة ونواب المجلس التشريعي بل ورئيس المجلس وإنما بدأت الأجهزة الأمنية في سابقة لم يعرفها العالم بتمرد مسلح لأنها لم تتلق رواتبها.
وبدلا من الاحتجاج "العالم" الذي يفرض الحصار احتجت الأجهزة على الحكومة المحاصرة التي بقيت مع شعبها ولم تهرب للعيش في الفنادق الفارهة.

كان المطلوب من حماس أن ترفع راية استسلام غير مشروط تتخلى عن سلاحها وعن شرعيتها الانتخابية. لتخير لاحقا بين سجون السلطة أو سجون الاحتلال. أما جهازها العسكري الذي خاض أول معركة تحرير حقيقية للعرب في تاريخهم الحديث عندما حرر قطاع غزة فكان المطلوب منه أن يظل تحت رحمة الاغتيالات "العشائرية" (من يصفى من قادة القسام على يد العملاء الفلسطينيين يقال أنه قتل لثأر عشائري) وقصف الطائرات الإسرائيلية
التي تتلقى إحداثيات من عملاء يعلمون جهارا نهارا.
في الواقع لم تتخل حماس عن سلاحها، وظلت تمارس حق الرد بالصواريخ وقامت بأكثر عمليات حرب العصابات تعقيدا عندما خطفت الجندي الإسرائيلي شاليط عبر الأنفاق. ولم تتخل عن الحكم. وظلت تتلقى قصف الطيران الإسرائيلي ورصاصات "مجهولة المصدر" تتصيد جناحها العسكري. ولم تتوقف تحرشات الأجهزة الأمنية بـ" قوتها التنفيذية" التي كانت المحاولة الأخيرة لضبط الفلتان الأمني في غزة.
لا أحد يجيب كيف يمكن تحقيق الأمن في ظل أجهزة أمن تعلن تمردها على وزير الداخلية ورئيس الوزراء. شكل وزير الداخلية "قوة تنفيذية" من مختلف الفصائل المسلحة وترأسها أبو سمهدانة، وهو فتحاوي سابق، إلى أن اغتاله الإسرائيليون. كل ذلك كان من المفترض أن ينتهي باتفاق مكة. وهو اتفاق شكل اختراقا استراتيجيا غير متوقع. لكن إسرائيل لم تقبل بالاتفاق وعارضته علنا. وعارضه سرا كثير من عملائها.
سيحاسب التاريخ من فرطوا باتفاق مكة ليس باعتباره هدنة بين متقاتلين، بل بوصفه أول محاولة لتحقيق شراكة بين الحكم والمعارضة في العالم العربي. شراكة تجنب الفلسطينيين دماء سبق وأريقت أضعافها في الجزائر. إنها ليست مأساة الفلسطينيين أنها مأساة العرب جميعا، فحتى اليوم يعامل الإسلاميون بوصفهم وباء تتخذ الإجراءات الوقائية والاستباقية وتراق دون وصولهم إلى السلطة أو مشاركتهم فيها كل الدماء.
بعيدا عن قنابل البكائيات الدخانية؛ لنسأل ما مصلحة حماس في إفشال نفسها؟ أليس من الطبيعي في كل دول العالم أن يكون وزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية؟ بأي حق يمنع المسؤولون المنتخبون من الاقتراب من الأجهزة الأمنية أفرادا وضباطا ومالا وسلاحا؟
هل توجد مزحة أسمج من "قلق" الأميركيين على "الديمقراطية الحقيقية"؟ من أجهض الديمقراطية الحقيقية في العالم الإسلامي كله غير الأميركيين؟
حسمت حماس المعركة في غضون ساعات على رغم تفوق أجهزة الأمن في العدد والعتاد والمقار الحصينة التي كلفت عشرات ملايين الدولارات، حسمت المعركة كما حسمتها من قبل طالبان في أفغاستان والمحاكم الإسلامية في الصومال بسبب قرف الناس من السلطة، وهذا ما يجب على الأميركيين أن يعوه. في قطاع غزة الصغير يعرف الناس أن الثمانين مليون دولار التي رصدها الأميركيون للأمن الرئاسي ليست لدعم الديمقراطية الحقيقية وإنما لتصفية المقاومة وتدمير حكومة حماس التي تمنع من إدخال دولار ثمنا لغذاء طفل.
حسمت المعركة العسكرية لكن يستحيل الحسم سياسيا دون شراكة حقيقية بين فتح وحماس. ليس ثمة مخرج غير إحياء اتفاق مكة الذي يكرس الشراكة الحقيقية. أما القول بالإمارة الإسلامية في غزة فهو ليس اتهام لحماس بل تأكيد لواقع تاريخي، فلا يلغي إسلامية غزة وجود دولة الاحتلال اليهودية. ما كان لاحتلال أن يغير تاريخ المنطقة. وعلى السلطة أن تتعامل مع واقع حماس المفروض انتخابيا تماما كما تتعامل مع واقع الاحتلال المفروض بالقوة. أما قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة فهو جريمة ضد الإنسانية لم يسبق للعالم أن عرفها، جريمة تكشف حقيقة المعركة مع عدو لا يتورع عن ارتكاب الفظائع لأسباب سياسية، عدو ما يزال يحتل غزة ويتحكم في بحرها وجوها ومائها وهوائها وإن ترك أرضها.
ما يبدو أن "العالم" لا يعرفه أن في غزة قنبلة بشرية إن انفجرت فشظاياها أول ما تطاول "إسرائيل"!