عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 27-03-2007, 07:35 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

عندما تصبح أموال البيوت مصدرا للمصائب

وقف الشيخ فابتسم .. لاحظه ابنه فسأله عن سبب ابتسامته.. وكانا كلاهما يقفان عند بوابة الدار ينتظران مجموعة أخرى من الناس، للانتقال الى مكان ما، عندما مر شاب طائش ينهر سيارته الحديثة لتخرج أصواتا مزمجرة، وينبثق من السيارة أصوات ممزوجة لموسيقى أقرب للضجيح منها للموسيقى ،لا تمت للبيئة بصلة .. وكأن قائد السيارة يريد إثبات أمر ما للآخرين، لعل الأمر يكون متعلقا بوضع أسرته المالي، أو طريقة فروسيته لتلك السيارة .. كانت ملامح الشاب تجعل من هيئته كأنه (منتَج) تم تجميعه من عدة أزمنة وعدة أمكنة، فكانت حلاقته ناعمة من جهة أذنيه، في حين استفز هو، شعر رأسه من الأعلى حتى تشرذم الشعر، فتجمعت المئات من شعراته في مجموعات، جسدها وضع محلول أو مستحضر يجعلها تلمع .. كما كانت سحنته السمراء وأنفه غير المدبب، على تنافر مع التركيبة التي اختارها لنفسه .. حتى ألوان ملابسه وفصالها، لولا أنها حديثة ولامعة لاعتقد من رآه بها، أنه ألزم بها إلزاما، أو أنه اشتراها من محال الملابس المستعملة للقيام بدور تمثيلي يقتضي مثل تلك الملابس..

أجاب الشيخ ابنه بالقول: يا بني إن النعمة لها اتجاهان، الأول: عندما تأتي من الأسفل، فإنها تصعد حتى تصل الى شفتي صاحبها، فيقبلها ويضعها على رأسه، والاتجاه الثاني: الآتي من الأعلى الى الأسفل، فما أن يصل الى الأرض حتى تدوسه الأقدام ويصبح صاحبها (رافسا) للنعمة ..

أحيانا، يخفي رب البيت عن أفراد أسرته، مصادر دخله، فهو من ناحية يريد أن يبين لهم أهمية نفسه، كشخص مقتدر استطاع جمع ثروة أسبغ بنعمتها على أفراد أسرته، دون أن يدخل بتفاصيل الكيفية التي جمعت تلك الثروة بها، وأسباب اتخاذه موقف التكتم، قد تعود للسهولة التي جمع بها المال نتيجة لبيعه عقارا قديما ورثه عن أجداده، أو أنه جمعه بطريقة لها علاقة بالفساد والرشاوى والاحتيال على قوانين الدولة، ولا يريد أن يهبط بصورته النبيلة أمام أقرب الناس إليه..

لا يهتم أفراد الأسرة في كثير من الأحيان عن التحري عن مصادر دخلهم، طالما أنهم ينعمون بآثارها .. ويتعمق لديهم اعتقاد بأن حياتهم بأساليب معايشتها الراهنة ستدوم .. فيصبح سلوكهم العام جزءا من مكونات كوامن العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار لصاحب المال (رب الأسرة) .. فلا يمانع بتركهم يتصرفون بالمال كيفما يشاءون، وإن كان يبدي اعتراضا رخوا في بعض الحالات، فإنه يشعر بزهو كاذب في حالات سلوكهم الذي يخبر الآخرين بقوة صاحب المال (المالية) .. وهذا يمنحه حالة من إشباع حاجة افتقدها قبل حيازته للثروة .. كما أنها سترفعه لمراتب اجتماعية أفضل ـ بنظره ـ سواء من حيث الارتباط بأنسباء من خلال المصاهرة أو أن يُذكَر اسمه في الدواوين الخ ..

في حين، ينكفئ أفراد الأسرة الى أجواء تجعلهم لا يفكرون لا بقضايا الأمة ولا المجتمع المحلي، ولا منظومة العناصر الأخلاقية، بل يتفننون بإشباع حاجاتهم الاستهلاكية غالبا، والغرائزية أحيانا، ويوزعون حماقات على من حولهم، وما يرتبط بتلك الحماقات من أذى للمجتمع والوضع الأخلاقي والوضع السياسي العام

وترى أحيانا، أن فلسفات تظهر، تكون فارستها في تلك الحالة الزوجة أو الأم، التي تتولد لديها هواجس من خلال تزايد الثروة بين يدي زوجها، فتخاف على مستقبل تفردها ـ كزوجة ـ فتسهم بابتكار ما يبدد الثروة، ظنا منها أن ستمنع حدوث ما تخشاه .. وقد يكون ما تخشاه، قد حدث ولكن صفقة أو صفقات قد تمت بين رب الأسرة (الغني) وأحد أفراد الأسرة الذين اكتشفوا بعض ما يخفيه عن أمهم ..

إن تلك البيئة الفاسدة لا تنتج إلا نتاجا فاسدا .. وإن كان هناك استثناءات، لكن يبقى شبح المصائب واردا في حالات الغنى المفاجئ ..
__________________
ابن حوران